عمر دوارة .. آلة إنقاذ التراث المسرحى توقفت برحيلة

 

عمر دوارة .. في التاسع من أكتوبر الحالي تم الإعلان عن توقف “آلة إنقاذ التراث المسرحي”، بإعلان وفاة أحد أهم الموثقين للمسرح المصري قديمًا وحديثًا، الناقد والمؤرخ والموثق والمخرج الدكتور عمرو دوارة.

بقلم / الكاتب والناقد المسرحى الكبير ناصر العزبي

بعد صراع مع المرض. والذي كان يجمع بين المعرفة الأكاديمية والخبرة العملية، وبين الدقة التقنية والحس الإبداعي، ليصنع إرثًا وثائقيًا استثنائيًا يروي تاريخ المسرح منذ بداياته الحديثة وحتى العصر المعاصر.

 

النشأة والتكوين الأكاديمي

الدكتور عمرو دوارة نشأ في أسرة فنية وثقافية عريقة، فهو نجل الناقد والمؤرخ المسرحي الكبير فؤاد دوارة، وقد تلقى تكوينه الأكاديمي والفني بين بكالوريوس الهندسة والمعهد العالي للفنون المسرحية، والدراسة في الكثير من المؤسسات المتخصصة داخل وخارج مصر. وُلد دوارة في عام 1955 ليبلغ مع رحيله عمرًا ناهز السبعين عامًا، ليتابع على مدار عقود المشهد المسرحي عن كثب، فكتب أكثر من ألف مقال ودراسة نقدية، وأصدر نحو خمسة وثلاثين كتابًا تناول فيها التأريخ والنقد المسرحي، لتصبح أعماله مرجعًا أساسيًا للباحثين والممارسين على حد سواء. كما أخرج أكثر من خمسة وستين عرضًا مسرحيًا، جمع فيها بين روح المسرح الرسمي وتجارب فرق الهواة والمستقلين، مؤكدًا على أن الإبداع الحر والانتماء الصادق هما جوهر الفن المسرحي، وأن كل تجربة مسرحية تستحق التقدير والاحتفاء بها.


ويُعرف دوارة بلقب “حارس ذاكرة المسرح المصري”، ليس فقط لاهتمامه بالمبدعين الكبار، بل لتوثيقه شتى الجوانب المهدورة أو المنسية في تاريخ المسرح. ومن أبرز إنجازاته الموسوعية: موسوعة المسرح المصري المصورة، التي وثّقت نحو 7,500 عرض منذ عام 1870 وحتى عام 2015، وموسوعة “سيدات المسرح المصري”، التي ضمّت أكثر من 1,500 شخصية نسائية أثرت الحياة المسرحية خلال المائة والخمسين سنة الماضية، إلى جانب العديد من الدراسات والكتيبات التوثيقية للممثلين والمخرجين والفرق المسرحية.

مرجعًا حيًا للباحثين

كما حرص على جمع المادة التوثيقية بأشكالها كافة: مكتوبة، مطبوعة، مسموعة، ومصورة، لتصبح أعماله مرجعًا حيًا للباحثين والممارسين، مع مراعاة توثيق النجوم الكبار ونُجوم الظل على حد سواء، ليؤكد أن كل مبدع مسرحي جزء لا يتجزأ من تاريخ الفن.
لم يقتصر جهده على التوثيق فقط، بل ساهم في مبادرات ثقافية مهمة، أبرزها الاحتفال بمئوية المسرح المصري الحديث، مؤكّدًا على ريادة يعقوب صنوع عام 1870، وهي المبادرة التي تبنتها وزارة الثقافة لاحقًا رسميًا.


على الصعيد المسرحي، أخرج دوارة أعمالًا متنوعة على مسارح الدولة وفرق الهواة والمستقلين، وشارك في مهرجانات دولية، محققًا جوائز مرموقة، بينما كان نشاطه النقدي والتوثيقي يغطي جميع جوانب المسرح، من التأريخ للعروض إلى توثيق المسيرات الفنية للمخرجين والممثلين.
وقد تُوّج مسيرته الطويلة بالعديد من الجوائز، كان أبرزها جائزة الدولة للتفوق في الآداب لعام 2022، إلى جانب تكريمات عدة من المهرجانات والمؤسسات الثقافية داخل مصر وخارجها، تقديرًا لإسهاماته البارزة في خدمة المسرح العربي وحفظ تراثه.
برحيله، يفقد المسرح المصري والعربي واحدًا من أكثر أبنائه إخلاصًا وشغفًا بالفن. ترك خلفه إرثًا ضخمًا من الكتب والمقالات والعروض والمبادرات، سيظل شاهدًا على حبه للمسرح وإيمانه برسالته التنويرية والإنسانية، وسيبقى حضوره حيًا في وجدان كل من عرفه وتتلمذ على فكره، وفي صفحات التاريخ المسرحي الذي ساهم في كتابته بحب وصدق وإخلاص.

قد يعجبك ايضآ
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.