هل كان الرجال والنساء يتوضؤون معًا في عهد النبي؟ حديث ضعيف يثير الجدل

الوضوء المشترك بين الرجال والنساء في العهد النبوي: دراسة حديثية و فقهية

تتداول بعض النصوص الدينية حاليا على مواقع التواصل الاجتماعي وعلى أيدي أشخاص غير متخصصة في دراسة الفقه الإسلامي ودون فهم سياقاتها.

كتبت؛ ريهام طارق 

 تبرز الحاجة إلى التوقف عند الأحاديث النبوية وتأملها بعين الفقيه والمفسر لا بعين المجتزأ أو المتعجل، من تلك النصوص التي أثارت تساؤلات عند البعض، حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: “كان الرجال والنساء يتوضؤون في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم جميعًا”، وهو حديث صحيح رواه الإمام البخاري.  

وقد يتبادر إلى الأذهان من ظاهر هذا النص جواز اختلاط الرجال والنساء في مواضع الطهارة، لكن الفهم الصحيح لا يكتمل إلا بالنظر إلى سياق التشريع، ومراحل نزول الأحكام، وما قرره العلماء من قواعد تضبط العلاقة بين الجنسين.

في هذا المقال، نسلّط الضوء على هذا الحديث الشريف، ونسبر أغوار تفسيره عند العلماء، ونبيّن كيف أن الشريعة راعت التدرج، حتى اكتمل البناء الأخلاقي والاجتماعي بآيات الحجاب والستر.

يُعدّ حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، والذي رواه الإمام البخاري في صحيحه بقوله: “كان الرجال والنساء يتوضؤون في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم جميعاً”، من الأحاديث التي تحتاج إلى تدبّر وفهم عميق في سياقها الزماني والتشريعي، إذ يتناول مسألة قد تُفهم خطأ عند البعض، وهي مسألة التوضؤ المشترك بين الرجال والنساء، مما يقتضي الوقوف على تفسير العلماء لهذا الحديث في ضوء مقاصد الشريعة وأحكام الحجاب.

اقرأ أيضاً: ريهام طارق تكتب: اطمئن.. رحلة الحياه صبر في الدنيا نهايته جبر الرحمن

أثار هذا الحديث تساؤلات عند أهل العلم، واختلفوا في المعنى لجمله “يتوضؤون جميعًا”:  

ذهب بعض العلماء إلى أنهم كانوا يتوضؤون في مكان واحد، مع مراعاة الفصل المكاني؛ أي أن الرجال يتوضؤون في طرف، والنساء في طرف آخر، دون تلامس أو اختلاط مباشر.

بينما قال آخرون: إن وضوء الرجال كان يسبق وضوء النساء، بحيث يتوضؤون ويغادرون، ثم تأتي النساء إلى الموضع ذاته وتتوضأن بعدهم.

إلا أن الحافظ ابن حجر العسقلاني رحمه الله، وهو من كبار شُرّاح الحديث، لم يرتضِ كلا التفسيرين، وعلّق بقوله: “الأولى أن يُقال: لا مانع من الاجتماع في ذلك قبل نزول الحجاب”، مبينًا أن هذا الفعل كان واقعًا في المراحل الأولى من التشريع، حينما لم تكن أحكام الحجاب قد فُرضت بعد، وكان المجتمع الإسلامي لا يزال يتدرج في منظومة القيم والآداب.

الضوابط الشرعية تحسم المسألة بعد فرض الحجاب:

ومع نزول آيات فرض الحجاب للمراه، تغيرت الأحكام وأصبح من الواجب على الرجال والنساء أن يلتزموا بالضوابط الشرعية التي تحفظ الحياء وتصون العِرض، ومن ذلك التباعد في مواطن الطهارة والعبادة، إلا في حالات استثنائية كوجود محرم، أو بين الزوجين. وقد التزم الصحابة الكرام بذلك في زمن الخلفاء الراشدين، مما يدل على فهمهم العميق لتطور التشريع ومقاصده.

اقرأ أيضاً: “بأخلاقهم اهتدينا”.. في رحاب الاعتكاف تضيء ظلمه القلب (الجزء الخامس)

الحديث الشريف يمثل مثالًا واضحًا على مبدأ التدرج في الشريعة الإسلامية:

إن هذا الحديث الشريف يمثل مثالًا واضحًا على مبدأ التدرج في الشريعة الإسلامية، التي لم تُلقِ بأحكامها دفعة واحدة، بل راعت الواقع الاجتماعي، وأصلحت تدريجيًا ما يحتاج إلى تعديل فقبل الحجاب، كان الاجتماع في الوضوء جائزا بحكم الحال، فلما نزلت الآيات، تغيرت الأحكام، وسار المجتمع المسلم على هدي الوحي، فصار الالتزام بالفصل هو الأصل.

حديث ابن عمر رضي الله عنه يمنع دواعي الفتنة وسوء الظن:

يتبين لنا من مجموع أقوال العلماء أن حديث ابن عمر رضي الله عنه لا يؤسس لحكم دائم بجواز وضوء الرجال والنساء معًا، بل يُعد وصفًا لحالٍ كان قبل نزول الحجاب، وبعد اكتمال التشريع، صار من الواجب الالتزام بالضوابط التي تحفظ للمرأة حياءها وللرجل وقاره، وتمنع دواعي الفتنة وسوء الظن.

الإسلام لم يكن يومًا دينًا يقبل بالتهاون في كرامة المرأة أو التفريط في حيائها، بل جاء ليحصّنها ويصونها، ويرفع من شأنها في كل موطن ومقام فحين فرض الله الحجاب، لم يكن ذلك تقييدًا، بل تكريمًا، وحين أمر بالفصل بين الرجال والنساء في مواضع الطهارة والعبادة، كان ذلك حفاظًا على نقاء القلوب وطهارة المجتمعات.

اقرأ أيضاً: بأخلاقهم اهتدينا “الجزء السادس”: فاطمة وعلي.. حب سماوي خلده التاريخ

ستر المرأة في الإسلام ليس عبئًا، بل هو عنوان لعزّتها ودليل على مكانتها في الإسلام :

ستر المرأة في الإسلام ليس عبئا، بل هو عنوان لعزّتها ودليل على مكانتها فهي جوهرة مصونة، لا تعرض للأنظار بلا ضوابط، ولا تترك عرضة للفتن فكل أمر إلهي جاء ليقول: إنك غالية، وإن كرامتك محفوظة، و إنك لست كما أرادك أهل الجاهلية، بل كما أرادك خالقك، مكرمة مصونة.  

فالحمد لله على نعمة الإسلام، وعلى شريعة تحفظ الحقوق وتوازن بين المقاصد، وتعلي من قدر المرأة لا بكثرة الكلام، بل بحسن الحماية.

نسأل الله تعالى أن يرزقنا العلم النافع والعمل الصالح، وأن يجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، إنه ولي ذلك والقادر عليه.

قد يعجبك ايضآ
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.