عودة روح.. بقلم/مصطفى حسن سليم.

عندما تغيب الروح داخل الجسد، لتصنع عالمها الخاص، لتلبس ثوب الخوف والرهبة من كل شيء، حتي يصبح مغادرة الروح للجسد، هو حلم الوصول لقلب الحقيقة…
أفاق طارق من شروده علي وقع خطوات مسرعة، تتجه نحو غرفته في سرعة، ثم وجه طارق وجهه نحو مصدر ذلك الصوت، ينتظر رؤية القادم نحوه، أزدادت وقع الخطوات أقترابا منه، ثم أختفت فجأة، وخرج من الغرفة ليستطلع مصدر هذه الخطوات، لينبعث من جديد مصدر صوت هذه الخطوات من خلفه، من داخل حجرته التي تركها منذ قليل، نفس وقع هذه الخطوات، التي ينبعث صوتها في كل مكان من حوله، فيسرع إلي غرفته مرة أخري ليبحث عن مصدر هذه الخطوات، ليجد الغرفة كما تركها منذ قليل، ثم أنتفض جسده في عنف وهو يستيقظ من النوم، وقد أخذ نفسا عميقا وهو يحاول التركيز فيما يحدث من حوله، وهو يتفحص المكان جيداً، فوقعت عينيه علي ساعة الحائط المثبته علي الجدار أمامه، وقد توقفت عقارب الساعة علي الثالثة بعد منتصف الليل، ثم شعر بحركة خفيفة بجانبه، فنظر في وجه زوجته التي أستيقظت علي أثر حركته البطيئة، التي أصدرها أثناء أستيقاظه من النوم، وقد أسترعي أنتباهها العرق الغزير الذي ينهال علي وجهه بغزارة، وهي تقول له في خوف هل عاودك نفس الكابوس مرة أخري، أومأ طارق برأسه وهو يضع يديه علي جبهته محاولا أن يجمع شتات نفسه، وهو يقول نعم لقد عاد هذه المرة أقوى من المرة الماضية، نفس الخطوات، نفس المكان، لكن هذه المرة ازدادت حدة الخطوات قوة عن سابقتها، أعتدلت زوجته في جلستها وهي تنظر إليه في شفقة، وهي،تقول له صدقني ياطارق لن يذهب عنك ذلك الكابوس حتي تذهب إلى طبيب نفسي، ان معني تكرار ذلك الكابوس المرعب، والذي سيصيبك حتماً بالجنون، هو رسالة مجهولة، وتفكيرك المستمر فيها سيصيبك بالانهيار، أخذ طارق نفساً عميقاً مرة أخرى وهو ينظر إلى نقطة مجهولة أمامه، وهو يغمغم في خفوت، حسناً سأذهب هذه المرة وأستمع لنصيحتك….
جلس طارق ينظر في ساعته في توتر ، ثم يتطلع إلي ساعة الحائط المعلقة أمامه في عيادة الدكتور ناصر بقلق بالغ، ثم وقف في غضب وهو يندفع نحو باب العيادة، وهو يحدث نفسه بصوتٍ عالٍ قائلاً هذا شيء يفوق الاحتمال، وصادف خروجه من العيادة وصول الدكتور ناصر ،الذي أرتطم جسده به في عنف، وقد وقعت نظارته الطبية من على وجهه اثر الارتطام، فأسرع بإمساكها ووضعها علي وجهه مرة أخري، لينظر في وجه الشخص الذي أرتطم به في عنف، ثم تراجع إلي الخلف في حركة مسرحية وهو يطلق صفير أعجاب، قائلا له في دهشة يبدو أني في حلم، الفنان الكبير طارق منصور بنفسه في داخل عيادتي المتواضعة، بدأ القلق علي وجه طارق وهو يتراجع بخطوات غاضبة إلي الخلف، وهو يزفر في عنف قائلا له أرجوك يادكتور ناصر الأمر لايحتمل مزيد من السخرية، لقد أنتظرتك اكثر من ساعة، وغامرت بالوصول إلي عيادتك التي تقع في هذا الحي الشعبي المزدحم، نظراً لشهرتك في هذا المجال، ولقد أستوقفني أكثر من مرة عدد كبير من المعجبين، وأنهالوا علي بالعديد من الاسئلة عن سبب وجودي في هذا المكان، مما أضطرني للكذب عليهم، والتحجج بأني سأقوم بتصوير فيلم في عيادتك، وأني قد سبقت طاقم العمل، فقال له الدكتور ناصر في هدوء خير يا استاذ طارق، ماهو الأمر الذي استدعى شرف حضورك إلى مقر عيادتي المتواضعة، ولو كنت حضرتك أبلغتني بموعد حضورك من قبل، كنت وفرت عليك عناء الأنتظار، وحضرت إليك في المكان الذي تحبه وتختاره، فوقف طارق ينظر إليه في صمت، فشعر الدكتور ناصر أنه يرفض التحدث إلافي غرفة الكشف، ثم أشار بيديه نحو غرفة الكشف، وهو يقول له تفضل ياأستاذ طارق، وتجاوزه بعدة خطوات وهو يتجه نحو باب غرفة الكشف، ولم يجد طارق مفر من أن يتبعه مسرعا إلى الداخل، وعندما دلف من باب الغرفة وجد الدكتور ناصر يشير له بيديه نحو مقعد وثير بغرفة الكشف، وهو يقول له أعتقد أنه يمكنك التحدث هنا عن كل مشاكلك دون خوف، جلس طارق على المقعد وهو يتطلع في وجه الدكتور ناصر، ثم بدأ يسترسل في عرض كل مشاكله النفسية، وعندما انتهى من حديثه ترك الدكتور ناصر القلم الذي في يديه بعد أن انتهى، من تدوين بعض الملاحظات بسرعة ، وهو يقول له كل ماتقوله يعتبر شيء عادي جداً، بالنسبة لي لا أجد فيه أي شيء غير طبيعي بالمرة، ربما مايساورك من كوابيس هو ناتج عن ضغوط عملك، أوخوف من شيء في الماضي مر بك، مازال عالقا في ذهنك حتي الآن، أعتدل طارق في مقعده وهو يقول له هل هذا هو تفسيرك عما يحدث لي من كوابيس مزعجة، فقال له ناصر مبدئيا هذا ماتوصلت إليه، والأمر يحتاج إلي عدة جلسات أخرى، وقف طارق وهو يشيح بيده في عنف قائلاً له أنا المخطئ في اللجوء إليك، أنا من البداية كنت غير مقتنع بالذهاب إلى طبيب نفسي، وأعتقد أني كنت علي حق، ثم غادر الغرفة مسرعاً، والدكتور ناصر يندفع خلفه قائلاً له انتظر أنا لم اكمل حديثي معك بعد، ولكن كلماته ذهبت أدارج الرياح….
استيقظ طارق من النوم، وجسده ينتفض في فزع وقد شعر بالأختناق الشديد، ثم أخذ في البكاء وزوجته تحاول تهدئته دون فائدة، ثم نظر إليها وهو يقول لها حسنا سأعترف لك بمصدر هذه الكوابيس المتكررة، لقد شاهدته هذه المرة في الحلم وهو يقول لي أنه عاد لينتقم مني، فقالت له زوجته أرجوك اهدأ ياطارق، من هو الذي تتحدث عنه؟! فنظر نحوها وهو يقول لها صدقيني، أنا لم اكن أعرفه منذ البداية، لقد كان الموضوع كله فضول مني لمعرفة ما يحدث في مثل هذه الجلسات، أو اعتبريها أنها كانت مجرد تسلية، لقد طلبوا مني لعب دور الوسيط الروحاني في جلسة تحضير أرواح، لم أكن اعرف حقيقة هذه اللعبة القذرة، صدقيني في هذا، ومن المعتاد في مثل هذه الجلسات، تحضير روح إنسان قد فارق الحياة، ولكن ماحدث هو العكس، لقد تم تحضير روح إنسان علي قيد الحياة، لقد وجدوا هذا الرجل في شقته قد فارق الحياة دون معرفة سبب الوفاة، وعندما عرفت حقيقة الأمر، أصابتني حالة من الهياج الشديد، علي اصدقائي، الذين قاموا بفعل ذلك، ولقد عاد هذا الرجل، وأنتقم منهم جميعا، لقد تم قتل الثلاثة الذين كانوا معي في هذه الجلسة في ظروف غامضة، لقد رحل كل منهم، ولم يبقى منهم أحد غيري أنا، أن روح ذلك الشخص ستعود لتنتقم مني حتماً، هكذا قال لي في آخر مرة، لقد اقترب مني هذه المرة، وشعرت بيديه تضغط علي رقبتي في عنف، فقالت له زوجته أرجوك توقف عن هذه الهراءات ياطارق، كيف لشبح إنسان ميت أن يعود إلي الحياة مرة أخرى للقتل!! أرجوك استعيد هدوئك المعتاد، وقم بطرد هذه الحماقات من رأسك نهائياً، قم الآن إلى الحمام للاستحمام بماء دافئ وستصبح بخير بعده، ثم جذبته من يده في عنف، وأندفعت به نحو الحمام، مرت عشر دقائق علي دخول طارق إلى الحمام، وهي تسمع صوت الماء ينساب في غزارة، ثم فجأة سمعت صوت طارق وهو يتحدث مع إنسان آخر بصوتٍ عالٍ، أسرعت لفتح باب الحمام، كانت هناك قوة جبارة تجذبه من الداخل، ثم فجأة توقف صوت اندفاع الماء، وسمعت صوت أرتطام قوي يقع على الأرض، أندفعت نحو باب الحمام الذي انفتح على مصراعيه فجأة، فوجدت جثة طارق واقعة علي الأرض، وقد فارق الحياة، وكلمات مكتوبة بالبخار على المرآة بالدماء، لقد انتقمت منه ، وعندما أقتربت من المرآة وجدت صورة لشبح رجل غريب يقف خلفها، فسقطت فاقدة الوعي من الخوف.

قد يعجبك ايضآ
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.