عَنْدَمَا تَأْبَىٰ الدُّمُوع أَنْ تَنْتَهِي أَلَنْ تَنْتَهِي؟
عَنْدَمَا تَأْبَىٰ الدُّمُوع أَنْ تَنْتَهِي أَلَنْ تَنْتَهِي؟
بقلم/ وئام أحمد إمام
فِي بِدَايَة الْعُمَر يَكُون لَدَيْنَا طَاقَةً لِرُؤْيَة الْحَيَاة مِنْ كُلِّ الزَّوَايَا بَلْ ونَخُوض غِمَار التجرُبه دُونَ مَلَل أَوْ كَلَل…
وَمَعَ مُرُور الْوَقْت نَتَغَيَّر لِأَنَّنَا وَصْلنَا لِمَرْحَلَةٍ مِنَ الإكتفاءِ الذَّاتِي وَالنَّفْسِي، فَنَرَىٰ النَّاس كَأَنَّنَا نَرَاهُمْ فِي فِيلمٍ شَيِّقٍ سَيَنْتَهِي سَرِيعًا ثُمَّ يَبْدَأ الْفِيلْمُ الْآخَر رُبَّمَا أَقَلّ أَوْ أَكْثَرُ تَشْوِيقًا فَلَمْ نَعُد نَكْتَرِث بِذَلِكَ.
فَكُلَّمَا شَابَت شعْرَة مِنْ رُؤُوسِنَا نَضَّجنَا مَعهَا لِسنوَاتٍ وسَنوَات، فاصبحنَا لَا نُجِيبُ عَلَىٰ بَعْضِ الْاِتِّصَالَات أَوْ الرَّسَائِل أو التَّسْجِيلَات لِأَنَّنَا رَأْينَا مِنْهُمْ أَلَمَّا “وَكَسرَّةٍ” جَعَلَتنَا نَنْزِفُ حَتَّىٰ تَبَدَّلَت مَلَاَمِحنَا،
أَجَلْ فَقَدْ اِكْتَفَيْنَا…
فَكُلَّمَا تَقَدَّم بِنَا الْعُمَر وَتَذَكرنَا المَاضِي كُلَّمَا شَعْرنَا بغبَائِنَا وَسَذَاجَتنَا فِي اغْلَبِ الْمَوَاقِفِ والأفكَارِ الَّتِي كُنَّا نَتَبَنَّاهَا فِي يَوْمٍ مِنَ الْأيَّامِ وَهَذَا الشُّعُور يُعَدّ دَلِيلًا قُوِيًا عَلَىٰ نُضْجنَا… بل وأَدْرَكنَا أَنَّ نُهْدِي طَاقَتنَا وَأيَّامنَا وَسُؤَالنَا وَحُبّنَا وَحَتَّىٰ نَصَائِحنَا لِمَنْ بِالْفِعْلِ يَحْتَرِمُون الْفَرَاغ الَّذِي نترُكهُ فِي حَيَاتِهمْ وَأَنَّ مَبْدَأ الْمُبَادَرَة والمُبَادأه لَا يُسْتَخْدم مَعَ “فَاقِدِي الْإِحْسَاس”.
فَالْأَب الَّذِي لَا يَكْتَرِثُ بِالسُّؤَالِ عَلَىٰ اِبْنَته وَالْقَرِيب الَّذِي يَطَمْئِن بِرِسَالَةٍ وَالصَّدِيق الَّذِي يَكْتَفِي بِإِرْسَالِ تَهَنِّئةٍ فِي الْمُنَاسَبَاتِ… كُلّ هَؤُلَاءِ نُحِبُ أَنْ نُخَبِّرهُمْ أَنَّهُمْ سَقَطُوا مِنْ ذَاكِرَة الزَّمَن لَدَيْنَا.
وَلَكِنَّ مَازَالتِ الأبوَاب لَمْ تُغْلَق، فَالذِّكْرَيَات الطَّيِّبَة تَلُوِّح فِي الْأُفُقِ حَتَّىٰ إِذَا كَانَ الضَّبَابُ يَكْسُوهَا وَالْغُيُومُ تَحْجُب رُؤْيَتنَا لَهَا وَلَكِنَّ لَرُبَّمَا تَسْقُطُ الْأَمْطَارُ فَتُنِير الْبَصَائِر وَالْقُلُوب.
فَلِمَاذَا نَمِشِي خُطْوَة فِي طَرِيقٍ مَسْدُودٍ أَوْ مُظْلِمٍ أَوْ بِهِ مِنَ الْعَثْرَاتِ وَالثُّغْرَاتِ مَا يَجعَلنَا نُسْقُط عَلَىٰ وُجُوهِنَا، فَمَا أَجْمَل الْعَمَل فِي صَمْتٍ وَفَهمِ الْحَيَاةِ بتأمُلٍ فأَوْقَاتنَا الصَعبَة خَاصَّةً بِنَا فَلَيْسَ كُلّ مَا يُعَرِّف يُحْكَىٰ فَكَمْ قَصَصنَا أَوْجَاعنَا ثُمَّ أَدْرَكنَا أَنَّهَا أَصْبَحَت فِي سَلّةٍ الْمُهْمَلَات.
أَصْبَحْنَا نَنَام بِهُدُوءٍ وَنَسْتَيْقِظُ بِرِضَىٰ وَنَسِيرُ دُونَ أَنْ نَلْتَفِت وَنَجْلِس وَنَحْتَسِي قَهْوَتنَا وَنَأْكَل حَلَوْتنَا وَنَقْرَأ كِتَابنَا وَنَحْنُ مُسْتَمْتِعِينَ فَأُنَفِّسنَا لَهَا عَلَيْنَا حُقوق وَتَقْويمهَا وَمُسَانَدَتنَا لَهَا أَمْر وَاجِب، فَبَعْضِ الْقَرَارَاتِ كَانَت خَاطِئَة لِأَنَّنَا لم نُفَكِر بعُقُولِنَا بل بقُلُوبِنَا.
سَابِقًا كَانَت دُمُوعنَا تُذَرِّف أَثْنَاء الْحُزْن أَوْ الْفَرَح أَمَامَ الجَمِيع وَالْآنَ أَصْبَحَت زَوَايَا غُرْفَتنَا هِي مَنْ نُحِبُ أَنَّ تَشَهد ذَلِكَ، فَطِبَاعنَا وَمَشَاعِرنَا الْعَاطِفِيَّة وَالْمُرْهَفَة وَالصَّادِقَة والتِي سُرْعَانَ مَا تَتَأَثَّر بِأَيّ إِنْسَانٍ أَصْبَحَت تُؤَلِّمنَا بَلْ وَتَكشِف طِبَاعنَا الطَّيِّبَة فَكَان الْاِنْزِوَاء وَالْخَجَل وَالصَّمْت هُوَ الطَّرِيق الصَّحِيح لِلْاِحْتِفَاظ بِمَا تَبْقَىٰ لَنَا مِنَ احسَاس.
تَعْلَمنَا أَنَّ تَكَوُّن أَنَفْسُنَا هِي أَوَّلَ اِهْتِمَامَاتنَا لَا آخرهَا حَتَّىٰ لَا يَأْتِي عَلِيّنَا الْوَقْت وَنَسْتَجْدِي الْاِهْتِمَام، فتَبَلُد مَشَاعِرنا لرُبَّمَا كَانَ الغِطَاء لِحُزْنٍ عَمِيقٍ قد أَضْمَر الفَرَح فجَعَلنَا عَاجِزِينَ عَنِ التَّعْبِيرِ فأصَابنَا الإكتِئاب الذِي لا يُعَد عَلَاَمَة ضَعْف بَلْ هُوَ إشَارَة إِلَىٰ مُحَاوَلَاتٍ مُسْتَمِيته للبقاءِ بقُوتِنا لِفَتْرَةٍ طَوِيلَةٍ جِدًا وَذَلِكَ بِتَحَمُّلنَا الْكَثِير مِنَ الضُّغُوطِ والمآسِي وَالْأحْزَان.
كُنَّا نَتَمَنَّىٰ فِي أَوْقَاتِ ضَعْفنَا أَنْ نَتَكَلَّم وَلَكِنَّنَا كَنَّا نتسَاءَل لِمَنْ نَبُوحُ وَنُفَضْفِض؟
رُبَّمَا عَدَم الإجَابه جَعلَت الْحِمْل ثَقِيل وَمُرْهِق فَقَسْوَةِ الْحَيَاة والبَشر جعَلَتنَا نَكْتَشِف أَشْيَاء مُرْعِبَة فآثَرنَا الصَّمْت، بِالرَّغْمِ أَنَّنَا زَرَعنَا وَرْد لِكُلّ مَنْ حَوْلَنَا حَتَّىٰ صَارَت لَنَا مَنِ الْبَسَاتِين لَا عَدّ وَلَا حَصْر لَهَا وَلَكِنَّنَا لِلْأَسَفِ الشَّدِيد عَنْدَمَا طَلَبنَا مِنْهُمْ وَرَدَّة اِمْتَنَعُوا بَلْ وَاُعْطُونَا صَبَّارًا فتغَللت أَشْوَاكهُ بِدَاخِل أَيْدِينَا أَدَمْتهَا وَلَمْ يَعُد لَنَا الْحَقّ حَتَّىٰ فِي التَّنَزُّه بِدَاخِل مَا زَرَعْنَاهُ لهُم أَلَيْسَ مِنْ حَقِنَا حَصَادُ مَا زَرَعْنَاهُ أَمْ أَنَّنَا أَخَطَأنَا وَالْعَيْب فِينَا وَعَلَيْنَا وَمِنّا!
أَدْرَكنَا أَنَّ مَشَقَّة الْجُرْح تَكُمَّنّ فِي عَدَم وُجُود مَنْ يُمْكِننَا الْبَوح لَهُ وَمَا أَصْعَب الْكِتْمَان دُونَ أَنَّ نَجْد مَنْ لَدَيْهِ ثَقَافَة الإستِمَاع حَتَّىٰ إِذَا كُنَّا نَقُصُ أَشْيَاء غير مُهمة، فيا ليتَنَا نتَّغَافُل عَنِ الزَّلَّاتِ وَنستُر الْعُيُوب وَنتعَلم أَنَّ مُرَاقَبَة اللِّسَان وَاِجِب قَبْلَ أن نَدْفِن أحَدًا فِي قَبْر كَلِمَاتنَا فَهُنَاكَ ﻗُﻠُﻮﺏ ﻻ ﺗَﻌﺮِﻑ الكَرَاهِية ﻣﻬﻤَﺎ ظُلِمَت ﻭﻗُﻠُﻮﺏ ﻻ ﺗَﻌﺮِﻑ أَنَّ ﺗُﺤِﺐ ﻣﻬﻤَﺎ فعلنَا ﻣِﻦ أَجَّلهَا الْمُسْتَحِيل لَنْ يَتَفَهَّمكَ إلا مَنْ عَاش فِي مِثْلِ ظُرُوفكَ أَوْ كَانَ يُحَبِّك.
وسَيْظلُ مَن تَربىٰ وتعَلم الإحْتَرَام يَمْنَحهُ لِمَنْ يَسْتَحِقّهُ وَمَنْ لَا يَسْتَحِقّهُ أما الأوفِيَاء لَا يَنْسَوْن وَلَا نَسْتَطِيع نِسْيَانهُمْ…فقد آن الأوَان أَنَّ “نُغَرْبِل” مَن حَولنَا حَتَّى لَا نَكْتَشِف أَنَّنَا عِنْدَ الشَدَائِد مِثْل الشَّخْص الْأَصْلَع، فَكُن مَعَ اللّٰه يَكُن مَعَكَ كُلَّ شَيْء.