غلاء الأسعار بقلم فضيلة الشيخ أحمد على تركى
غلاء الأسعار بقلم فضيلة الشيخ أحمد على تركى
مدرس القران الكريم بالأزهر الشريف
هناك موجة من الغلاء تجتاح أسواق العديد من البلاد العربية والإسلامية ، ارتفعت فيها أسعار المواد الغذائية ارتفاعاً فاحشاً ، مما أدى إلى إنهاك جيوب الشرائح الاجتماعية من ذات الدخل المحدود حيث تضاعفت الاسعار .
غلاء الأسعار
وغلاء الأسعار له نتائج ظاهرة من خلال عجز الناس عن توفير حاجاتهم الأساسية والقدرة على شرائها، وله نتائج غير مباشرة من تحول نسبة كبيرة من الطبقة متوسطة الدخل إلى الطبقة الفقيرة وسعي بعض الناس للحصول على المال بطرق غير مشروعة كالسرقة والرشوة .
والله قد أخبرنا أنه لا تصيبنا مصيبة إلا بما كسبت أيدينا ولكن هذا يُدفع بالتوبة ويدفع كذلك بمعرفة الأسباب وعلاجها .
فغلاء الأسعار كظاهرة من مظاهر الفساد لا يظهر عبثاً ولا يقع مصادفة إنما هو تدبير الله وسنته
كما قال الله تعالى :
لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا
فإذا وُجد الجشع والطمع من بعض التجار فلا بد من علاجه ، وإذا ضعفت المراقبة فلا بد من تعزيزها وإذا تقلّص دعم المواد الأساسية فلا بد من زيادته .
ودور التاجر المسلم في معالجة الظاهرة
ونظرة إلى الواقع الإسلامي لحال التجار في عهد السلف ، تبيّن لنا كيف ينبغي أن يكون موقف التاجر المسلم في مثل هذه الأحوال .
إن محبّة الخير للمسلمين أمرٌ أساس وقد كان الواحد يحذر أن يزداد ربحه على حساب معاناة الآخرين .
والتاجر المسلم يتحلّى بحسن النية والرفق بالمسلمين وتوفير الجيد لهم بالثمن المناسب لهم وأن يكون أميناً .
وينبغي أن يكون سمحاً في المعاملة ، سمحاً في القضاء والاقتضاء ، سمحاً في البيع والشراء .
وقد قال ﷺ :
رحم الله رجلاً سمحاً إذا باع وإذا اشترى وإذا اقتضى .
وأن يكون سخياً بالصدقات ويجودون على فقراء المسلمين ولا يستغلّون مثل هذه الفرص لكي يرفعوا الأسعار ويحتكروا الأطعمة ليبيعوا على الناس بالغلاء ، إن الرفق بالمسلمين والحرص على مصلحتهم أمرٌ حسن.
وعلى الواحد منا مراعاة الأولوية في الإنفاق وقد جاءت الشريعة بالحكمة ، والحكمة وضع الأشياء في مواضعها.
وعلى الواحد منا الاقتصاد في المعيشة والتوسط في النفقة .
يقول الله عز وجل :
وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا
سورة الإسراء
ويقول سبحانه وتعالى:
وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ
سورة الأعراف
وعليه ترشيد الاستهلاك والحرص على أن يصرف المال في محله وعليه أن يتحلي بخلق القناعة والنبي ﷺ أوصانا في أمور الدنيا أن ننظر إلى من هو دوننا، وليس إلى من هو فوقنا فقال:
انظروا إلى من أسفل منكم، ولا تنظروا إلى من هو فوقكم ، فهو أجدر ألا تزدروا نعمة الله .
وقال ﷺ :
قد أفلح من أسلم ورزق كفافاً ، وقنعه الله بما آتاه .
إذا نظرت إلى من هو دونك في المعيشة حمدت الله على النعمة ، أما إذا كنت ترمق من هو فوقك دائماً لا تستريح .
والعلاج لهذه للقضية التوبة والرجوع إلى الله .
قال تعالى :
ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ
سورة الروم
فإذا ظهرت المنكرات في المجتمع وعم الفساد أتاهم الله بأنواع البلاء وهكذا ما من مصيبةٍ إلا وسببها الذنوب والمعاصي .
قال تعالى :
وما أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ
سورة الشورى
وما نزل بلاء إلا بذنب ، ولا رفع إلا بتوبة والاستغفار من أسباب الازدهار .
قال تعالى :
فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَاراً
سورة نوح
وعلينا عدم نسيان الفقراء حيث تقوم الجمعيات والمؤسسات الخيرية والأفراد بإيجاد الحلول على جميع المستويات لهؤلاء المساكين .
قال تعالى :
وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ
سورة البقرة
وعلينا أن نتذكر قول الرسول ﷺ :
يا ابن آدم أَنفق أُنفق عليك .
وعلينا أن نتذكر قول الله تعالى :
وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللَّـهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ
وعلينا التوجه إلى الله عز وجل بالدعاء المتواصل والرجاء فيما عنده سبحانه وتعالى ومع كثرة الإلحاح والدعاء يكون الفيض والعطاء ومع الانتظار والرجاء يكون الخير والرخاء .
والله نسأل أن يرفع عنا البلاء والغلاء .