فؤاد المهندس: أستاذ الكوميديا ورسام الابتسامة في تاريخ الفن المصري

أسطورة فؤاد المهندس: كيف أصبح معلم الكوميديا ومصدر إلهام الأجيال

فؤاد المهندس… الأستاذ الخالد في عالم الكوميديا المصرية

كتب باهر رجب

يعتبر فؤاد زكي محمد المهندس (1924-2006) أحد أبرز أعمدة الكوميديا في تاريخ الفن المصري والعربي، و صانعا من صناع البهجة والضحك الراقي الذي ترك بصمة خالدة في قلوب الملايين عبر أعماله الفنية المتنوعة في المسرح والسينما والتلفزيون والإذاعة.

الميلاد والنشأة

ولد فؤاد المهندس في السادس من سبتمبر عام 1924 في حي العباسية بالقاهرة، وسط عائلة مثقفة و متيسرة. كان والده الدكتور زكي محمد المهندس من أبرز علماء اللغة العربية وعميد كلية دار العلوم ووكيل المجمع اللغوي، مما جعل البيت مشبعا بحب الثقافة واللغة العربية الفصحى.

ترتيب فؤاد في الأسرة كان الطفل الثالث بين أشقائه الأربعة، بعد أختيه صفية المهندس (الإعلامية الشهيرة) و درية، وأخيه الأصغر سامي المهندس. نشأ في مدارس العزب التركية التي ساهمت في تكوين شخصيته الصلبة و انضباطه الذي لازمه طوال حياته.

الحياة العاطفية والعلاقات الأسرية

الزواج الأول من عفت سرور

تزوج فؤاد المهندس عام 1950 من السيدة عفت سرور نجيب من عائلة السرجاني الشهيرة. كانت عفت جارة المهندس في حي العباسية، وقد جذبته بشبهها الشديد بالفنانة أم كلثوم التي كان معجبا بها. أنجب من زوجته الأولى ولدين هما محمد وأحمد المهندس.

استمر هذا الزواج 13 عاما وانتهى بالطلاق عام 1963، حيث كانت عفت تخشى من الوسط الفني ولا تتفهم طبيعة عمل زوجها، بينما كان فؤاد شديد التعلق بالفن. رغم الطلاق، ظلت علاقتهما محترمة و ودودة، وحافظ على رعايتها حتى وفاتها عام 2005.

الزواج الثاني من شويكار

في عام 1963، التقى فؤاد المهندس بالفنانة شويكار في مسرحية “السكرتير الفني“، وسرعان ما نما الحب بينهما. في مسرحية “أنا وهو وهي“، فاجأ المهندس الجميع بخروجه عن النص وطلب من شويكار الزواج على خشبة المسرح قائلا “تتزوجيني يا بسكوتة؟”، فوافقت قائلة “ومالو“.

تزوجا في آخر مشهد من فيلم “هارب من الحياة” بنفس ملابس العرض، واستمر زواجهما 20 عاما كونا خلالها أشهر ثنائي فني في تاريخ الفن المصري. انتهى الزواج بالطلاق عام 1980، لكن علاقتهما الفنية والإنسانية استمرت حتى وفاته.

 

الحياة الاجتماعية والاقتصادية

عاش فؤاد المهندس حياة اجتماعية متوازنة، حيث كان محبوبا من زملائه و معروفا بأخلاقه الرفيعة وتواضعه. أما اقتصاديا، فقد حقق نجاحا ماليا من خلال أعماله الفنية المتنوعة، خاصة مع شهرة برنامجه الإذاعي “كلمتين وبس” والأعمال المسرحية والسينمائية.

كان المهندس حريصا على تربية أولاده وتعليمهم، و تنقلوا بين بيتي والديهم بعد الطلاق الأول، حيث حرص على متابعة دراستهم وتربيتهم تربية سليمة.

 

الأعمال الفنية و التعاونات

التعاون مع الفنانين

شكل فؤاد المهندس مع عبد المنعم مدبولي ثنائيا فنيا مميزا استمر 47 عاما، و كونا معا فرقة “الفنانين المتحدين“. قدما العديد من المسرحيات الناجحة مثل “أنا وهو وهي” و”حالة حب“.

كما تعاون مع يوسف وهبي في عدة أعمال منها “اعترافات زوج” و”شنبو في المصيدة“، وكانت تربطهما صداقة قوية أثرت على نجاح أعمالهما المشتركة.

التعاون مع الفنانات

بجانب شويكار، تعاون المهندس مع نجمات عديدات مثل سميحة أيوب في “أرض النفاق“، وميرفت أمين في “أخطر رجل في العالم“، ولبنى عبد العزيز وأمينة رزق في مسرحيات مختلفة.

أدواره في المسرح

المسرح كان أحب الفنون إلى قلب فؤاد المهندس، وقدم عليه أشهر أعماله:

– مسرحية “سيدتي الجميلة” (1969): مع شويكار، مقتبسة عن “بجماليون” لجورج برنارد شو

– “أنا وهو وهي“: التي قدم فيها عادل إمام لأول مرة

– “السكرتير الفني“: مع شويكار وعبد المنعم مدبولي

– “حواء الساعة 12“: من إخراج عبد المنعم مدبولي

– “إنها حقا عائلة محترمة“: قدمها وهو مصاب بجلطة في القلب

 

أدواره في التلفزيون

قدم المهندس 10 أعمال تلفزيونية مهمة خلال 30 عاما:

– “أرض النفاق” (1975): من إخراج إبراهيم الشقنقيري

– “لما الدنيا تلف” (1977): 7 حلقات مع شويكار

– “و سعيكم مشكور” (1998): جسد دور الأستاذ شوكت

– “أحلام العصافير” (1998): مع شيرين وماجد المصري

– “روبابيكيا” (2000): من أواخر أعماله

 

أدواره في الأفلام

قدم فؤاد المهندس حوالي 70 فيلما سينمائيا، بدأ ببطولة فيلم “غلطة عمر” (1953). في البدايات، اضطر لأداء أدوار ثانوية كوميدية لمدة عشر سنوات قبل أن يحقق نجوميته.

من أهم أفلامه:

– “أرض النفاق” (1968): مع شويكار و سميحة أيوب

– “أخطر رجل في العالم”: مع ميرفت أمين

– “الراجل ده هيجنني” (1967): مع شويكار

– “العتبة جزاز” و”شنبو في المصيدة”

– “اعترافات زوج” و”أيوب”

– “عائلة زيزي”: مع أحمد رمزي وسعاد حسني

– “البيه البواب” (1987): مع أحمد زكي

أهم الأعمال الفنية

الإذاعة

برنامج “كلمتين وبس” كان أشهر أعماله الإذاعية، والذي قدمه منذ 1968 وكان ينتظره الملايين يوميا في الثامنة صباحا. كما شارك في البرنامج الكوميدي “ساعة لقلبك” الذي كان بداية شهرته.

 

الأطفال

قدم للأطفال “فوازير عمو فؤاد” التي كانت تعرض في شهر رمضان وحققت نجاحا كبيرا. كما قدم مسرحية “هالة حبيبتي” التي تناولت مشاكل الأطفال في الملاجئ.

 

الأصدقاء والعلاقات الفنية

أقرب الأصدقاء

عبد المنعم مدبولي كان أقرب أصدقائه، واستمرت صداقتهما 47 عاما حتى وفاتهما في نفس العام 2006.

صلاح ذو الفقار كان جاره وصديقه منذ الطفولة ولعب دورا في دعم خطواته الفنية الأولى.

يوسف وهبي أيضا كان صديقا مقربا و شريكا في أعمال فنية مهمة، وكانت صداقتهما سر نجاح تعاونهما الفني.

 

التأثيرات والقدوة الفنية

نجيب الريحاني – الأستاذ الأول

كان نجيب الريحاني أعظم تأثير في مسيرة المهندس الفنية. بدأت العلاقة عندما أجرى المهندس حوارا صحفيا معه وطلب منه إخراج مسرحية للجامعة. تتلمذ على يديه وتعلم منه أصول الكوميديا وعدم الأنانية في العمل.

قال المهندس عن الريحاني: “لم أتمرد يوما على الريحاني ولم أخرج عن عباءته، فهو من وضع القواعد التي يسير عليها مدبولي وعادل إمام والجميع دون استثناء”.

 

تشارلي شابلن – الإلهام العالمي

تأثر المهندس بشارلي شابلن واعتبره قدوة في الكوميديا العالمية. تعلم منه كيفية صناعة الكوميديا من خلال المواقف و التعبيرات دون الاعتماد على الكلام فقط.

 

قبل الفن وبعده

حيث قبل دخوله الفن، درس المهندس في كلية التجارة وحصل على البكالوريوس، كما عين موظفا في إدارة رعاية الشباب. لكن عشقه للفن جعله يقدم استقالته ليتفرغ للعمل الفني.

كذلك بعد دخوله الفن، تحول من موظف عادي إلى أيقونة كوميدية ألهمت أجيالا من الفنانين. أصبح يلقب بـ”الأستاذ” تقديرا لدوره في تعليم فن الكوميديا.

استراتيجيته وطموحاته

كما آمن المهندس بأن الفن له “رسالة سامية“وهي خدمة المجتمع. كان يبحث دائما عن أعمال تحمل رسالة اجتماعية، مثل مسرحية “هالة حبيبتي” التي تناولت مشاكل الأطفال، ومسرحية “سك على بناتك” التي عالجت مشاكل الأبناء.

 

علاوة على ذلك طموحه كان تقديم كوميديا راقية تجمع بين الترفيه والتعليم، وهو ما حققه في أعماله التي مازالت تدرس في معاهد الفن.

أهدافه ومبادئه الفنية

حيث هدف المهندس إلى:

– تطوير الكوميديا المصرية ورفعها عن الابتذال

– تعليم النجوم الشباب أصول المهنة

– تقديم رسائل اجتماعية من خلال الفن

– الحفاظ على الهوية المصرية في أعماله الفنية

 

الإيجابيات والسلبيات

الإيجابيات

– الانضباط والجدية في العمل

– التواضع وحب مساعدة الآخرين

– الإتقان اللغوي والثقافة الواسعة

– صنع نجوم مثل عادل إمام ومحمود الجندي

– الالتزام بالمواعيد وآداب المهنة

التحديات

– الحساسية المفرطة تجاه النقد

– الانزواء في أواخر حياته بسبب الاكتئاب

– صعوبة في التعامل مع التغييرات في الوسط الفني

تأثيره على الأجيال

عادل إمام – التلميذ البكر

كما منح المهندس الفرصة الذهبية لعادل إمام في مسرحية “أنا وهو وهي”، واصفاً إياه بـ”تلميذي البكر“. اختاره من بين 20 متقدما لدور “دسوقي أفندي“، والذي أصبح فيما بعد إحدى شخصيات عادل إمام الشهيرة.

محمود الجندي وآخرون

كما تتلمذ على يديه العديد من النجوم مثل محمود الجندي وشريهان، و عرف بأنه “صانع النجوم“.

 

الوفاة والظروف المحيطة بها

أحداث عام 2006 المؤلمة

شهد عام 2006 سلسلة من الأحداث المؤلمة التي أثرت على المهندس:

– وفاة سناء يونس في مايو، التي كانت بمثابة ابنته

– وفاة صديقه عبد المنعم مدبولي في يوليو

– حريق شقته في الزمالك الذي افقده كل مقتنياته و مذكراته

الاكتئاب والوفاة

كذلك دخل المهندس في حالة اكتئاب شديد بعد هذه الأحداث، خاصة بعد رؤية النيران تلتهم تاريخه الفني أمام عينيه. توفي في 16 سبتمبر 2006 عن عمر 82 عاما إثر أزمة قلبية حادة، بعد شهرين فقط من وفاة مدبولي.

قال ابنه محمد: “والدي لم يكن واعيا بما يدور حوله بعد حريق البيت، زهد في الدنيا وظل النوم وحيدا حتى لفظ أنفاسه الأخيرة”.

عبدالسلام النابلسي “الكونت” الذي لم يمت: إفيهات خالدة وقصة إنسانية ترويها الأجيال

الإرث الخالد

ترك فؤاد المهندس إرثا فنيا ثريا يضم:

– حوالي 70 فيلما سينمائيا

– عشرات المسرحيات

– 10 أعمال تلفزيونية

– برامج إذاعية مؤثرة

– فوازير للأطفال لا تنسى

– مدرسة فنية خرجت أجيالا من النجوم

علاوة على ذلك يذكر المهندس بلقب “الأستاذ” الذي حمله بجدارة، فقد كان معلما حقيقيا للكوميديا الراقية، و صانعا للبهجة الهادفة، وكذلك نموذجا للفنان المثقف المؤثر في مجتمعه. كما مازالت أعماله تعرض على الشاشات وتحتفظ بجمهورها عبر الأجيال، مؤكدة أن فؤاد المهندس لم يكن مجرد ممثل، بل كان ظاهرة فنية واجتماعية فريدة في تاريخ الفن العربي.

قد يعجبك ايضآ
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.