فئة خلف الستار بقلم: د. رحاب أبو العزم

فئة خلف الستار

بقلم: د. رحاب أبو العزم

   قد يظن بعض رجال الأعمال أن العامل ما هو إلا آلة لتنفيذ مشروعاتهم التي رسموها واختطوها على بعض الأوراق، وتناسى البعض منهم أن لولا تلك السواعد الغنية بقوتها وعزة نفسها وكيانها الفتيّ؛ لولا تلك السواعد الذكية ما تحولت الرمال والأحجار إلى مبان عملاقة، وما تحولت الآلة إلى نسيج من القماش وملابس تُباع وتُشترى وتحقق الربح الوفير لأرباب المصانع، ولولا تلك الأيادي الذهبية ما صُنعت وسائل المواصلات، وما نُفذت وسائل الاتصال، وما بُنيت الوحدات السكنية، وما شُيدت المؤسسات العلاجية والتعليمية. تلك الفئة التي اختبأت وراء ستار الطبيب والمهندس والمعلم ورجل الأعمال وكأن الجميع قد تناسى أن كل فينا يخدم بلده ومجتمعه بمهنته وأن الطب والهندسة والعلم يتكاتفون مع العمال لبناء المجتمعات البشرية.

تكريم العامل عالميًا

   وفي الأول من شهر مايو (أيار) من كل عام يحتفل العالم بعيد العمال؛ ليتم تكريم وتقدير هذه الفئة المختفية وراء أستار البناء والتعمير، ولا توفي الكلمات حقهم، ولا يوفي التكريم العملي حقهم، فهم إن أخلصوا في أعمالهم ارتفع شأن الأوطان بهم، وهم إن اجتهدوا بصدق عُمرت الدنيا لهم، وهم القاموس الذي نتعلم منه ترجمة الحضارة والتشييد، ويترجم لنا حقائق السواعد البنّاءة. 

تكريم الإسلام للعامل

   لقد شرع الإسلام الإجارة والعِمالة؛ لأن الناس في حاجة إليها لاختلاف درجاتهم العلمية والفكرية، وتباين مواهبهم وإمكانياتهم. وتحقيقًا للتكامل والتعاون بين كل فئات البشر. لقد بُعِث النبي ﷺ ليُتَمِّمُ أحوال الناسِ ويُحقق المصالح بينهم، ويحث على التراحم والتعاطف بين المسلمين؛ فقال ﷺ: ((قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ثَلاَثَةٌ أَنَا خَصْمُهُمْ يَوْمَ القِيَامَةِ: رَجُلٌ أَعْطَى بِي ثُمَّ غَدَرَ، وَرَجُلٌ بَاعَ حُرًّا فَأَكَلَ ثَمَنَهُ، وَرَجُلٌ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا فَاسْتَوْفَى مِنْهُ، وَلَمْ يُعْطِهِ أَجْرَهُ.)) فمن استحقر عاملًا، أو نقص أجره، أو تهاون وتباطأ في إعطائه حقه فالله خصمه يوم القيامة وما أشدها عقوبة، وما أعظمها كارثة. ولقد أمرنا نبي الله ﷺبما عجزت عنه أرقى الحضارات؛ فقال: ((إخْوَانُكُمْ خَوَلُكُمْ، جَعَلَهُمُ اللَّهُ تَحْتَ أيْدِيكُمْ، فمَن كانَ أخُوهُ تَحْتَ يَدِهِ، فَلْيُطْعِمْهُ ممَّا يَأْكُلُ، ولْيُلْبِسْهُ ممَّا يَلْبَسُ، ولَا تُكَلِّفُوهُمْ ما يَغْلِبُهُمْ، فإنْ كَلَّفْتُمُوهُمْ فأعِينُوهُمْ.)) فإن كانت الحكمة الإلاهية تقتضي أن يكون بيننا الأغنياء والفقراء، وأرباب المال والأعمال، والخدم والعمال فقد جاءت شريعتنا الغراء بالأوامر النبوية التي تحفظ للأجير كرامته وعزته بأن يُطعم ويُلبس مثل صاحب العمل والبيت، وألا يُكلف فوق طاقته، ونمد له الأيادي بالتعاون وليس بالإهانة.

  نحن نحتاج لبناء الأوطان والمجتمعات الراقية لتعاون إيجابي وبنَّاء بين جميع الفئات؛ فإن أدى كل واجبه وقام بحقه على أكمل وجه تحقق الائتلاف والرقي، وارتسم لنا الطريق إلى التشييد والعمران.

قد يعجبك ايضآ
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.