فن الممكن ونظرة الأعور… بقلم : مدحت شنن

فن الممكن يقتضي تنفيذ المهام بما هو متاح من موارد وليس بما ينبغي أن يتاح, وذلك من خلال استغلالها واستثمارها بكفاءة وموضوعية, ولا مانع من البحث عن المزيد بشرط الاهتمام بما تحت أيدينا من موارد فعلية تحتاج إدارة واعية ومسئولة.
واختيار التوقيت المناسب هو أحد الركائز التي يقوم عليها فن الممكن. فقد يكون القرار صحيحا في ذاته ولكن اختيار وقت تنفيذه غير مناسب, حينها يفقد قيمته وتتبدد فوائده ويصبح دون جدوى وقد يتطور الأمر فيرتب أثرا عكسيا لم يكن في الحسبان.
ومن وقت لآخر تتحفنا هذه الحكومة بقرارات لا ندري من أين تأتي بها. تارة يخرج علينا المسئولون عن التعليم ليعلنوا إلغاء التعليم التجريبي بصورته الحالية فيثور أولياء الأمور حتى يتراجع سيادته عن افتكاساته, وأخيرا يخرج علينا مسئولو النقل ليزفوا للمصريين خبر زيادة تذكرة المترو فيمتعض الناس ويثور ركابه ويعلنوا الإضراب في المحطات, والبلد تحتاج استقرارا لا بلبلة وهذه القرارات غير المدروسة مصدر كثير من البلبلة التي تهاجم استقرارنا من وقت لآخر.
لا بد وأن تعلم حكومتنا الرشيدة أن مثل هذه القرارات التي تتعلق بجيوب الناس تحتاج بيئة خارجية مهيئة لاستيعابه ومجتمع مستعد للالتزام وحسن التجاوب والتفاعل من أجل التنفيذ.
الاصلاح مهم ونؤيده حتى النخاع ولكن التطبيق أهم فهو الذي يجعل منه واقعا ممكنا, والرأفة بالبسطاء واصلاح شؤنهم وسد حوائجهم هو ضمانة التنفيذ الحقيقية. وهناك موارد عديدة فقط تحتاج لحسن إدارة وحسن استغلال, حينها تسد حوائج الميزانية بدلا من النظر بعين الأعور نحو الحل فلا يرى إلا جيوب الناس لتحقيق إيرادات تحتاجها مؤسسات الدولة ومرافقها. نحتاج لحكومة تنظر بعينين وتحقق العدالة المجردة, تميل قليلا على من امتلأت كروشهم حتى التخمة ليشاركوا في سد العجز ونترك البسطاء بعض الوقت ليلتقطوا أنفاسهم بعد أن طال بهم الجري هربا من غول الأسعار وصب الحكومة كل خميس في مصلحتهم.
إن هناك من يكتسب النذر اليسير من عمله, وهناك بطون خاوية تحلم بالشبع, وهناك من ضيق عليهم الفقر الخناق, ومن كبلتهم قلة الحيلة بقيد العجز, حتى تألموا ومازالوا, وكل ما نخشاه أن تسوقهم حوائجهم عميانا نحو المجهول, حينها لا ندري ما العواقب, فكلما زادت آلامهم تداعت فضيلتهم, وحينها ستحل الكارثة. اللهم بلغت اللهم فاشهد.

قد يعجبك ايضآ
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.