في ذكرى رحيل سندريلا الشاشة سعاد حسني… زهرة البرية التي ذبلت و انطفأ نجمها
ذكرى رحيل سندريلا الشاشة .. في مثل هذا اليوم من عام 2001، غادرتنا سندريلا الشاشة العربية سعاد حسني، تاركة وراءها إرثًا لا يُنسى من الجمال الفني، والموهبة الفطرية، والحضور الآسر الذي لا يزال يسكن ذاكرة السينما والمشاهدين.
كتبت: ماريان مكاريوس
توارت النجمة خلف ستار الغياب الجسدي، لكن وهجها لا يزال يشعّ في وجدان أجيال تربّت على أفلامها، وغنّت كلماتها، وبكت لآلامها، وفرحت بضحكتها التي كانت تبدو كأنها تخرج من قلب طفلة لا تعرف من الحياة إلا البراءة.
ولدت سعاد في بيت فني بسيط أطلّت على الدنيا يوم 26 يناير 1943، ولم تكن تدري أن هذا الوجود القصير سيكون كفيلاً بأن يجعلها واحدة من أعظم النجمات في تاريخ الفن العربي. لم تلتحق سعاد حسني بالمدارس النظامية، بل تعلّمت في منزلها، حيث اختلط التعليم بالموهبة، والنشأة بالانطلاق الفني. كانت شقيقتها من الأب، المطربة نجاة الصغيرة، هي أول من أضاء أمامها درب الفن، لكن سعاد نسجت لنفسها طريقًا منفردًا سرعان ما جعلها تتفوق على قريناتها.
كان أول ظهور لها في برنامج الأطفال مع بابا شارو، ثم كانت انطلاقتها الكبرى عبر فيلم “حسن ونعيمة” عام 1959، أمام المطرب محرم فؤاد. في هذا الفيلم، لم تكن مجرد فتاة جميلة تؤدي دورًا رومانسيًا، بل ظهرت ممثلةً من طراز نادر، تمزج بين التلقائية والصدق
أدوار متنوعة اجادتها جميعا مثلت الفتاة الحالمة و البنت الشقية و الفلاحة القوية و جذبت الانذار بأدوار مثل إحسان في القاهرة ثلاثين
و الطفلة الكبيرة في صغيرة على الحب و ادوراها السياسية التي قدمتها بعناية مدروسة مثل فيلم غروب و شروق و الكرنك.
وفي الستينيات والسبعينيات، أصبحت سعاد حسني نجمة الشباك الأولى بلا منازع. في “الزوجة الثانية”، جسدت شخصية “فاطمة” بعمقٍ جعل الفيلم مرجعًا في دراسة المرأة الريفية القوية، وفي “أين عقلي” جسدت الدراما النفسية بمهارة و سلاسة، وفي “خلي بالك من زوزو” صنعت أيقونة شبابية لا تزال حية في الذاكرة. لم تكن مجرد فنانة، بل كانت مدرسة تمثيلية قائمة بذاتها، قادرة على مزج البساطة بالتعقيد، والفرح بالحزن، والجرأة بالرقة.
اقرأ ايضا: مكبل اليدين .. العثور على جثمان طبيب شهير مسن داخل منزله بالغربية
غنت سعاد أيضًا، وأتقنت الأداء الاستعراضي، فأبهرت في أغاني مثل: “يا واد يا تقيل”، “البنات ألطف الكائنات”، و”الحياة لونها بمبي”، تلك الأغاني التي لم تكن مجرد كلمات وألحان، بل كانت مرآة لحياتها التي حاولت أن تلونها وسط عواصف القلق والضغط والخذلان.
وعلى الرغم من بهجة أدوارها، كانت حياة سعاد الشخصية بعيدة كل البعد عن الاستقرار. تزوجت اكثر من مرة و لكن لم تكن سعيدة حظ في الزواج!
ومع مطلع الثمانينيات، بدأت حالتها الصحية تتدهور. أصيبت بتآكل في فقرات العمود الفقري، ومرت بعمليات دقيقة، وسافرت إلى فرنسا ثم إلى لندن للعلاج. عانت من الشلل المؤقت، والتهاب العصب السابع، وزادت جرعات الكورتيزون من وزنها، وقضت سنواتها الأخيرة في عزلة صحية ونفسية، خاصة بعد وفاة والدتها، التي مثلت لها السند العاطفي الأخير.
رغم هذا، لم تتخلَّ سعاد عن شغفها بالفن. شاركت في فيلمها الأخير “الراعي والنساء” عام 1991، إلى جانب أحمد زكي ويسرا، وقدمت فيه دورًا عميقًا يجمع بين الضعف والقوة، كأنه كان وصيتها الفنية الأخيرة.
اقرأ ايضا: جاسكو تنفذ خطة شاملة لتوفير الامدادات من الغاز الطبيعي .. تعرف عليها
وفي 21 يونيو 2001، سقط الخبر كالصاعقة: سعاد حسني توفيت في لندن، بعد أن وُجدت جثتها ملقاة من الطابق السادس في مبنى “ستيوارت تاور”. وحتى اليوم، لا تزال قضية وفاتها مثار جدل، بين من يقول إنها سقطت منتحرة، ومن يرى أنها تعرضت لعملية قتل مدبرة، نظراً لعلاقتها ببعض الشخصيات السياسية والفنية في فترات حساسة. لكن وسط هذا الغموض، بقي المؤكد الوحيد: أن سعاد كانت ضحية في حياة لم تمنحها قدر ما أخذت منها، وأن الفن كان ملاذها الوحيد في مواجهة وحدةٍ لم يشعر بها إلا القريبون منها.
رحلت سعاد حسني قبل أن تبلغ الستين،هي في الذاكرة كما في أفلام الأبيض والأسود. تضحك، تبكي، تغني، ترقص، تثرثر، تصمت، لكنها لا تغيب.
سعاد لم تكن مجرد “حلوة السينما المصرية”، بل كانت ملامح مصر في تقلباتها: أنثى تشبه نهر النيل، فيها نقاء الريف وصخب المدينة، فيها الحنين والحزن والحلم، فيها قضايا مجتمع كامل من خلال دورٍ واحد تؤديه بإخلاص لا يُشبه إلا قلبها.
وفي ذكرى رحيلها الرابعة والعشرين، نقف إجلالاً لصوتٍ خافتٍ ظلّ يدندن:
“الدنيا ربيع… والجو بديع…”
لكن الربيع لم يعد كما كان بعد غيابها.