في رحاب الكهف٣ بقلم د. رحاب أبو العزم
في رحاب الكهف٣
(لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا)
*مفهوم أحسن عملًا*
قال ابن عطية : كان أبي – رضي الله عنه – يقول في قوله أحسن عملًا : أحسن العمل هو أخذ بحق وإنفاق في حق، وقال الإمام القرطبي تعليقًا على قول ابن عطية : هذا قول حسن ، وجيز في ألفاظه بليغ في معناه ، وقد جمعه النبي – صلى الله عليه وسلم – في لفظ واحد وهو قوله لسفيان بن عبد الله الثقفي لما قال : يا رسول الله ، قل لي في الإسلام قولًا لا أسأل عنه أحدًا بعدك، قال : قل آمنتُ بالله ثم استقم..
في رحاب الكهف٣ ومفهوم الاستقامة
الاستقامة هي عمل صالح نحسن فعله بإخلاص في الوقت المناسب، و هي عمل صالح نؤديه بعد دراسة مآلاته، وذلك ليس بالكثرة فلم تأت الآية ( لنبلوهم أيهم أكثر عملا) لأن العمل ليس بكثرته، وليس بضخامته، إنما بحسنه، والعمل الأحسن يرتبط بوقته المناسب، ومكانه الصحيح فليس من الفطنة – مثلًا-أن يتاجر المسلم في العنب في بلدة لا تصنع إلا الخمور.
*معنى لنبلوهم*
لنبلوهم: كما قال الشيخ الشعراوي: إن البلاء يعني: الاختبار والامتحان، وليس
كما يظن البعض؛ لأن المصيبة تكون على من أخفق في الاختبار….إذن معنى: {لِنَبْلُوَهُمْ..} أي: بلاء شهادة منهم على أنفسهم.
المسلم بأعماله الصالحة مُبتلى؛ فهو في اختبار دائم حتى أثناء تأديته للعمل الصالح، وهو بعمله إما يرتفع الثواب، ويسجل في سجل الحسنات، وإما هباء منثورًا من نسيج خيالاته وخطأ فهمه.
*سياق بداية الكهف مع الخاتمة*
وتُختَم سورة الكهف بما يشابه سياق بدايتها (( فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا )) ، وصلاح العمل لا يقاس بالاعتبارات البشرية التي تجري وراء الهوى، وإنما مقصود صلاح الأعمال مرتبط بما كان موافقًا لشرع الله، وموافقًا للمصالح ودرء المفاسد، وباعتبار المآلات الصادرة عن العمل الصالح؛ فرُبَّ زكاة تفسد الفقير، ورب رأفة تفسد من تعاطفنا معه، ورب كلمة طيبة تنصر ظالمًا على المظلوم، ورب زيجة ثانية تهدم البيت الأول، ورب ذرية طالحة بسوء التربية وشدة الإهمال، ورب مِسك يُهدَى فيُمرِض صاحبه، ورب صيام نافلة يهلك صاحبه، ورب حج نافلة يأخذ المال فيمنع زواجًا مثلًا أو سداد دين…..
*فطنة المسلم وقياس الأولويات*
إن قياس الأولويات، ودراسة المفاسد التي درؤها مقدم على جلب المصالح من اعتبارات وضوابط ( أحسن عملًا)، ومهما قدمنا من أعمال صالحة- من منظور الهوى- فلا يقبل منها إلا ما كان موافقًا لمقاصد الشريعة وأولوياتها ومصالحها.