في رحاب الكهف 4 بقلم د. رحاب أبو العزم

في رحاب الكهف 4 بقلم د. رحاب أبو العزم

تحذير إلهي
ما زال لنا في الكهف أسرار ومواعظ وتأملات؛ فكتاب ربنا قانون ونظام للحياة بجميع ألوانها. قال تعالى: ﴿ فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا ﴾؛ تأتي “لعل” للترجي، وفي الآية تحذير إلاهيّ من الله تعالى إلى رسوله صلى الله عليه وسلم بألا يحزن، وألا يجزع، وألا يتأسف على عدم إيمان بعض قومه؛ وهؤلاء الذين ارتجى المصطفى إيمانهم. فإن كان التحذير لسيد الخلق صلى الله عليه وسلم فينتقل -تبعًا- التحذير إلينا ألا نتأسف على من ارتفعت سقف آمالنا فيهم وأساءوا إلينا بلا وجه حق.
ارتفاع سقف الآمال في الحياة الزوجية
في بعض حياتنا نقابل من ترتفع سقف أحلامنا تجاهم؛ مثلما يظن المعلم من جميع الطلاب عظيم التفوق، ولا ينتبه أنهم متفاوتون في الاستيعاب. وتظن الزوجة في زوجها كثيرًا من الحسنات ويظن الزوج في زوجته كثيرًا من التحمل، ولا يصدق كل منهما بشرية الطرف الآخر. ويرى الصديق في صديقه عظيم الخلق ظنًا خاطئًا بملائكيته؛ لتأتي النتيجة مخذلة لجميع الأطراف وبالأخص في تلك الرابطة المقدسة التي وثقها كتاب الله بالميثاق الغليظ. ولقد خصصتُ الحياة الزوجية دون بقية الروابط الاجتماعية نظرًا لأهميتها في تكوين وبناء الذرية وأجيال المستقبل، وكون فشلها بداية لتأسيس أجيال مريضة وهزيلة.
إن قِصَر العمر مهما طال يدفعنا لترتيب الأولويات في جل حياتنا؛ وبالأخص في تأسيس وبناء سقف آمالنا فيمن حولنا؛ وللزوج الحق أن يندفع بآماله وأحلامه تجاه زوجته شرط أن يمنح لها عظيم ما تتمناه متخليًا عن أنانيته الذكورية وجوبًا لا استحسانًا. وللزوجة مطلق الحرية أن تبني آمالًا وتطمح في زوجها ما تشاء شرط أن تتنازل عن فكرة “السوبرمان” تنازلًا وجوبًا لا فضلًا، وشرط أن تمنح له جميع ما يتمناه في الأنثى وإن رأت ذلك مستحيلًا فلتطرح الأمنيات جانبًا وجوبًا لا استحسانًا. من أجل هذا صار ترتيب الأولويات في بناء سقف آمالنا تجاه الطرف الآخر في الحياة الزوجية فرضًا علينا إن تمنينا حياة زوجية هادئة مستقرة تبني لنا أطفالًا وشبابًا أسوياء نفسيًا وبدنيًا.
يعود النبلاء إلى الحق
﴿وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِن بَعْدِيَ أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ وَأَلْقَى الأَلْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ﴾ من شدة غضبه ألقى بتلك الألواح المقدسة التي سُرد عليها كلمات مقدسة؛ هو نبي من أولي العزم…غضب غضبًا شديدًا لأن الفطرة البشرية غلبته، ولأنه نبي ورسول أي أنه قد اجتمعت فيه جل الصفات الكريمة عاد إلى الصواب، وأصلح ما أفسده؛ إذ أن النبلاء يبنون ما أهدموه ويصلحون ما أفسدوه، ويرممون ما دمروه. وإن عاد الزوج النبيل إلى الحق فلنزل بسقف الغضب إلى التسامح؛ فالمؤمن كيس فطن يعلم متى يتغافل ليصلح ومتى يتعنت ليصلح.

 

قد يعجبك ايضآ
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.