في مسابقةأمر الشعراء بابوظبي

المصري حسن عامر والسعودي طارق الصميلي للمرحلة النهائية

متابعه: إبراهيم عمران

كانت أمنية كل واحد من الشعراء الأربعة (طارق الصميلي من السعودية، آلاء القطراوي من فلسطين، علي العبدان من الإمارات، وآمنة حزمون من الجزائر) أن يكون تصويت الجمهور إلى جانبهم كي يستمروا في التنافس من أجل الفوز باللقب، وبعد انتظار أسبوع كامل تمكن السعودي طارق الصميلي من تحقيق حلمه، بحصوله على 80%، فيما خرجت حزمون بـ53%، والقطراوي بـ47%، والعبدان بـ42%.

ومع خمسة شعراء جدد بدأت الأمسية السابعة من “أمير الشعراء” في مسرح شاطئ الراحة بأبوظبي، بحضور أعضاء لجنة التحكيم د. عبدالملك مرتاض، د. صلاح فضل، ود. علي بن تميم الذي تحدث عن موضوع قصيدة الارتجال، وهو اتحاد الإمارات الذي كان أعز أحلام المغفور له الله الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان التي تحققت، مشيراً أنه علينا استذكار أهمية الاتحاد في زمن الفرقة. فالاتحاد يصبح ضرورة في سبيل التعدد الخلاق، ووسيلة جوهرية للتقدم نحو المستقبل، وبالتالي المطلوب من الشعراء كتابة ثلاثة أبيات عمودية حول ذلك الموضوع.

ابن النيل يحتل الصدارة

ليلة أمس استمع جمهور الشعر إلى خمس قصائد لخمسة شعراء، وقد استطاع أن يتقدمهم الشاعر المصري حسن عامر بعد حصوله على أعلى درجات لجنة التحكيم، والبالغة 47 درجة من خمسين درجة، تلاه عمر عناز من العراق بـ46 درجة، ثم إباء الخطيب من سوريا بـ44 درجة، وحل رابعاً شيخنا عمر من موريتانيا بـ42 درجة، وأخيراً قيس قوقزة من الأردن بـ41 درجة. ليتأهل حسن بذلك إلى المرحلة الأخيرة من المسابقة، متخطياً محنة انتظار نتائج التصويت التي سيعيشها على مدار أسبوع كامل زملاؤه الشعراء.

رؤية كونية

تابع محبو الشعر بداية الشاعر حسن عامر ، الذي ألقى قصيدته (هذه ربابتي، وهكذا أغني)، والتي حظيت إعجاب لجنة التحكيم، فقال حسن:

من طين قريتنا

ومن أحجارها

مما أباح الليل من أسرارها

من شال سيّدة هناك فقيرة

بداية تحدث د. صلاح فضل عن القصيدة، وقال إنها تمضي في استكناه الذات الشاعرة بلون من السلاسة العذبة والتدفق الجميل، بما فيها من صور عذبة للطين والأحجار وشال المرأة، ليصل الشاعر إلى صورة مركبة مستحيلة وجميلة تمثلت في الشطر (نامت عيون النهر ملء جرارها)، فأن يكون (النهر له عيون) فهي صورة تنبع من الجنة في ظل وجود النيل والنهر، غير أن تلك العين تنام، وتملأ جرار السيدة، وهذا ما وجده د. صلاح غريباً لا يُفهم للوهلة الأولى، لكن في طياته يكمن الشعر. كما يرى الشاعر ذاته

د. علي بن تميم وصف النص بأنه غنائي جميل، تنساب مفرداته بسلاسة، أما العنوان تفسيري لا تعبيري، والشطر الأول من النص يقدم الربابة، وآخر يشرح طريقة الغناء، ومع ذلك فهو لا يصادر عذوبة وجمال ورقّة النص البريء. تلك البراءة التي تنسب للريف أكثر من المدينة، ووجد د. بن تميم أن البراءة في نص حسن مركبة، تمزج بين الشاعر والمكان بكل عناصره، وتصنع مصادر الإلهام، فالشاعر يبني يوتوبيا عذبة، ويجسد للحظة جميلة منبثقة من لحظة غنائية تامة (وتشب أرض الله عن أسوارها)، إلى جانب المزج الجميل بين رمزية الدلالات المسيحية والإسلامية.

في حين أشار د. عبدالملك مرتاض إلى أن العنوان أقرب إلى كونه تقريرياً، وربما كان على الشاعر الاكتفاء بعبارة (هذه ربابتي). والقصيدة – كما رآها – بدأت بسيطة تكاد شعريتها تختبئ، لكن كلما تقدم بها المسار كانت تتقدم حتى البيت الخامس، فجاءت متقاربة المستويات، وقد انتقيت برفعة من العناية،

فصاحة وبلاغة

شيخنا عمر أهدى نصه (شهقة الناي) إلى دار الحلم، جنة الشعراء أبوظبي في عرسها السابع، حيث قال:

لأنّ شهقة ناي فيك تحترق

حملت للعشق في كفّيك من عشقوا

د. علي بن تميم أشار إلى أن شيخنا عزف على الناي، وكان وحسن عامر يبنيان عالماً جميلاً، إذ رسم شيخنا صورة جميلة لعاصمة الثقافة العربية أبوظبي، وللشعر الذي يتألق في رحابها من خلال ما قاله في البيت

فيما قال د. عبدالملك مرتاض جاء الإهداء تسطيحاً للنص، في حين أن الشعر تكثيفاً وإشارات. أما العنوان فهو جميل، وإن كان شعراء هذا الموسم قد أكثروا من استخدام الناي. وحول استعمال مفردة (ينزلق) لم يجد د. مرتاض سوى في كتاب “أنساب الأشراف” للبلاذوري، لكن أول من أعطى المفردة شرعيتها الشعرية هو شيخنا، مضيفاً أن البيت الثامن من أجمل أبيات النص.

د. صلاح مرتاض قال موجهاً كلامه لشيخنا: جميل أن تبدأ قصيدتك بالحرارة، لكن لم نكن نتمنى الاحتراق في البيت الأول. أما مفردة (منسأة) التي استخدمها الشاعر فقد جاءت نتيجة استخدامه التفاصح الجميل،

مخاتلة وإغواء

إباء الخطيب ألقت قصيدتها (بأي توق أهمسك!؟) التي امتدحها د. عبدالملك مرتاض بدءاً من العنوان الذي وجده بديعاً، ففيه توق ونزاع وهمس ونجوى، وعن لغة النص قال: خرجت دلالاتها إلى الاستعمال الشعري كما الأمر بالنسبة للبيت (هو الشعر أغواني فكنت فراشة)، فأنشدتنا الشاعرة قصيدة جميلة، فيها شغل ومعاناة

لأنّك مائي، لم أزل متدفّقة ضفافك نشوى، والحروف محلّقة

كأنّي على أفق ابتهالك كوكب يدور بأعتاب البهاء لتعتقه

د. صلاح مرتاض قال إن هذا نوع من الشعر الرؤيوي، تتراقص فيه الظلال حتى توشك أن تنحل في الشعر والحبيب. وإباء كانت تركب بين البوح والتحفظ

د. علي بن تميم رأى أن الشاعرة من العنوان توقظ القارئ، لتعرفه إلى نص جميل وإن كان مخاتلاً بين الشعر والحبيب، وهذا المزج لا يحتاج إلى تأويل، ولا نخلع عليه شؤون الفحولة، ففي النص تتنامى لغة الاعتراف بالغواية اللذيذة. حيث أن الشاعرة تبدأ شرنقة ثم فراشة، فعسلاً، إلى أن تصير غوالة، فقبلة. معبّراً د. بن تميم عن جمال ذلك الارتقاء،

بريدُ العراق هل سيصل

(بريد ما بين النهرين) عنوان قصيدة عمر عنّاز التي أذهلت النقاد بما فيها من حزن، وما يثيره العراق من ذكريات، حيث قال:

قالوا: العراق.. فقلت أذكره إنّ الجميع إليّ يعبره

يوماً لثغت به فأورق في عينيّ حلماً، لا أفسّره

د. علي بن تميم قال إن نص عمر باذج بالجمال، يشد المتلقي إلى لحظة الدمار الرهيب الذي صوره. وأضاف أننا نعثر على البريد في الشعر مرتين، مرة من زمن المتنبي حين انكسر قلبه على حبيبته خولة أخت سيف الدولة،

د. عبدالملك مرتاض قال إن هذا البريد يعد قعقعة بين النهرين، لكنه لا يصل إلى ذويه، ولا يصل إلى البصرة، كما لا يصل إلى الكوفة أو إلى بغداد. وعن لغة عمر الشعرية وصفها د. مرتاض بأنها حلوة وعالية،

كدٌّ ذهني وجزالة

قيس قوقزة أهدى نصه (احتمال ثالث لسقوط الظل) إلى من صهرت الظلمات أجنحتهم، وهم منشغلون برصد الاحتمالات الكثيرة للحقيقة، ولم يخلعوا أسماءهم على شاهدة قبرهم، إلى من وقفوا على أقبية لا يسبر حزنها، سوداء ولكنها مضيئة، دالّاً على مقطوعتي الحلاج “الاحتمال الأول والاحتمال الثاني”، وقصيدتي الظلمات وشكوى إيكاروس لبودلير في “أزهار الشر”

الفكرة الأولى تدور بحدسه والطلقة الأخرى تمر برأسه

وإذا استدار إلى الوارء لربما خرجت إليه رصاصة من نفسه

د. علي: قال عن البيتين الأولين إنهما فيلم رعب، وفيهما غموض كثيف، ذلك الغموض الذي بدأ من العنوان، وقد وجد د. بن تميم أن الظل لم يتبلور في القصيدة، ولم يتشكل له معنى في ذلك النص الذي بني من الكد الذهني من المفردات

فيما أشار د. عبدالملك مرتاض إلى أن الشاعر عندما يدخل في تبرير لغته يبتعد عن الشعرية. أما العنوان فهو غير موفق، وثمة مسافة جغرافية بعيدة ومدى زمنياً طويلاً بين زورق رامبو والحلاج. وبالنسبة لمطلع القصيدة فهو لا يليق بمستوى قيس، إذ كان يمكن أن يدهش المتلقي بمطلع مثير.

د. صلاح فضل من جانبه أشار إلى أن القصيدة تثير مشكلة بين التراث والشعر، إذ لا بد أن تكون العلاقة في إطار الاتصال والانفصال معاً، ومع ذلك لا بد أن تستقل القصيدة.

ارتجال.. غناء.. اتحاد وتاريخ

الشعراء الخمسة ومثلما ألقوا قصائدهم؛ كذلك ألقوا أبيات الارتجال التي كتبوها، وحسب لجنة النقاد فقد أتقنوا وأجادوا وبرهنوا على أنهم يملكون إلى جانب موهبة الشعر سرعة البديهة، ونزعة شعرية طافحة، وحباً وألقاً، وجمالاً وخيالاً، وكذلك اختراع القوافي، والإجادة والبيان، فكان شعرهم ينساب كالماء النمير.

قد يعجبك ايضآ
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.