فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا ” مقاصد مشروعية السفر”
فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا
” مقاصد مشروعية السفر”
بقلم : د. رحاب أبو العزم
إن السير في الأرض له مقاصد معتبرة من أهمها:
اكتساب المعيشة وطلب الرزق؛ حيث يلجأ الشخص الذي ضاقت أمامه سبل الرزق في بلده إلى السفر بحثًا عن سبل المعيشة المريحة، وقد يهبه الله أبواب واسعة من الرزق، وفرصًا ذهبية ثمينة في عمله. وقد يسافر الشخص طلبًا للعلم والمعرفة، وطلبًا لتخصص نادر في بلاده مثل بعض مجالات للطب والهندسة، فلا يخفى على أحد أهمية الاستزادة في العلم والمعرفة أمام عالمنا المعاصر الذي لا حياة فيه للجهال. وقد يلتقي الإنسان في سفره بعلماء الدين أو سفراء الآداب المتنوعة أو أصحاب العقول الفلسفية فيستزيد من التحصيل الديني والأدبي جراء مصاحبتهم في أسفارهم. ومما لاشك فيه أهمية السفر في الترويح عن النفس البشرية؛
حيث يهرب الإنسان من همومه والضغط الحياتي والمعاناة من الملل إلى السفر للمناظر الطبيعية الخلابة، والأماكن الهادئة فتدخل البهجة إلى قلبه ويتحفز عقله إلى التفكير بإيجابية، ويكون التغيير له وسيلة لحل مشاكله. ومن مزايا السفر مقابلة الأصدقاء الجدد، والتعرف على فئات مختلفة من البشر وثقافات جديدة متنوعة، بل وأحيانًا ما يتعرف المرء في سفره على شريك حياته،
ويبدأ معه حياة ورباط غليظ، ويسري الحب في القلوب سريان الدماء ليسعدها ويهون أزمات الغربة.
*ومازال الحب يسري*
تتنوع وسائل السفر؛ نمشي في مناكب الأرض، ونسافر لننتقل بين قطار وسيارة وبين باخرة وطائرة تتنوع الوسائل وتختلف المشاعر؛ تضارب بين اللهفة والتراجع، وبين الشوق واللا رغبة، تفرض سنن السفر علينا الفراق فنفترق لكننا محال أن نفترق، نسافر بأبداننا وتظل القلوب ساكنة هناك في أرض الأحباء أينما كانوا. لم تكن الكارثة في فراقهم فلقد فارقتنا أبدانهم وانتهى وجودهم البدني، إنما الكارثة في فراق قلوبنا إليهم، نعم أيها الأحباء؛ لقد فارقتنا القلوب
إليكم فما عاد للعين لمعة، وما عاد للأنامل رعشة،
وما عاد للنظرة بريق، نعم ما عاد للحياة معنى. لقد جاء السفر الطويل وفرض حزنه على القلوب، أتانا سفر بلا نهاية فأطال الفراق وصارت اللقيا من المحال وصار العالم من حولنا في زوال، قد ذهبت الأبدان وما زال الحب يسري في الفؤاد، لقد أحال فراقكم العالم إلى قاع حزن غريب، بحزن فراقكم يصعب علينا تذوق الفرحة، ويصعب علينا رؤية الجمال، ويصعب علينا الانبهار بالجديد، بل ويصعب علينا الإحساس بحب آخر، نعم يصعب علينا أن نمضي بلا أنفاسكم، نحن فقط نترك الزمان بنا يمضي…فليمضي.