قارب بلا شراع … بقلم: سعيد إبراهيم زعلوك

قارب بلا شراع                                   

بقلم: سعيد إبراهيم زعلوك

قاربٌ بلا شراع
يجتاز أمواج الصمت،
ولا يطرق أبواب المدن المهجورة،
ولا يطرد ظلّ نسماتٍ مرت من جانبه.
يسمع ما لا يُقال،
يحفظ ما لا يُرى،
ويوازن بين قلبٍ وروحٍ،
بين كلمةٍ لم تُولد
وصمتٍ يختبئ في زاوية الضوء.
يترك مساحة للريح،
ولا يزيح من طلب دفءٍ بين الحروف،
كي تبقى المسافة رحمة،
والخط الفاصل حكمة.
العطاء طقس داخلي،
والصمت حارسٌ للكرامة،
والنور في الأمواج يعلّم القلب كيف يفتح أبوابه.
إن جاءه من يحمل كراهية،
يحتمل الليل في عينيه،
ويصغي للصمت قبل أن يصرخ في الهواء،
ويبقى القارب بلا شراع.
كل موجة تمر،
تترك أثرًا من نور في الماء،
وأثرًا من سكون في القلب.
والأفق ينظر إليه بعينٍ صامتة،
كما لو كان ينتظر أن يكتب القارب رسالته في الماء.
في الليل،
حين تتساقط النجوم على ظهر البحر،
يهمس القارب للأمواج،
يحكي لها عن أحلامٍ لم تنجح في الوصول،
عن كلماتٍ اختبأت خلف جدران الروح،
عن وجوهٍ رُسمت في الذاكرة ولم تشرق على الواقع.
وفي النهار،
حين تتسرب الشمس عبر الشقوق،
يتعلم القارب كيف يبتسم رغم الغياب،
كيف يحضن الصمت كصديقٍ قديم،
وكيف يجعل من كل موجةٍ عابرة، درسًا للحياة،
وعبارة حبٍ لأولئك الذين لم يعرفوه.
القارب بلا شراع،
لكنه يحمل في داخله محيطًا من الحكايات،
ونهرًا من الأمل،
وعاصفة من الصبر.
كل خطوةٍ على الماء،
كل انعكاس للضوء على الأمواج،
يخبرنا بأن الفقد لا يعني النهاية،
وأن الرحيل لا يقتل الذاكرة،
وأن الحياة تترك أثرها حتى في الأجساد الغريبة عن الميناء.
وفي النهاية،
حين يهدأ البحر،
ويصمت الضوء،
ويغفو الزمان في زاويةٍ بعيدة،
يبقى القارب بلا شراع،
لكن قلبه ممتلئ بالنور،
وروحه ثابتة على سكينةٍ لا تهتز،
وأثره يبقى في كل موجة،
وفي كل صمت،
وفي كل نفسٍ يمرّ فوق الماء.
قد يعجبك ايضآ
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.