قبل سقوط ضحايا آخرين ؟! بقلم عماد رحيم

يظل شبح المخالفات متحفزًا شامخًا؛ لا يخشى لائمة ولا عقابًا؛ برغم الحرب الضروس التي أطلقها الرئيس للقضاء على الفساد؛ باعتباره الرافد الأساسي لحدوثها.

ما بين جهود مضنية تبذلها الدولة متمثلة في وزارة الإسكان والأجهزة التابعة لها؛ من أجل سد الفجوة بين الواقع الذي يؤكد أن كثيرين من المصريين؛ يحتاجون إلى مسكن آمن وصحي، ومناطق عشوائية كثيرة تدل على ذلك؛ وواقع أيضًا يؤكد أن هناك كمًا مهولًا من مخالفات البناء، التي تمت بشكل صارخ في العقود الأخيرة، وزادت معدلاتها بعد يناير 2011؛ يظل مسرح الأحداث اليومية فيما يتعلق بمشكلات البناء حافلاً بالأحداث الدرامية.

فمؤخرًا أصدر د.أحمد الشعراوي؛ محافظ الدقهلية؛ قرارًا بالإخلاء الإداري لجميع سكان العقار؛ الكائن بشارع سعد زغلول بمنطقة توريل في المنصورة؛ والمكون من دور أرضي و9 أدوار علوية؛ بسبب ظهور ميل خطير للعقار المنشأ عام 85، وهذه الواقعة تذكرنا بعقار الإسكندرية الشهير بحي الأزاريطة.

برغم صدور القرار الهندسي رقم 64 لسنة 94؛ لإزالة عقار “المنصورة” حتى الأرض؛ وهو ما لم يحدث حتى الآن؟

أي أن قرار الإزالة تم اتخاذه قبل أربعة وعشرين عامًا؛ كان يمكن في أي لحظة خلالها حدوث كارثة؛ لو انهار العقار؛ وهو ما يدعونا لفتح ملف مخالفات البناء وما يتعلق به؛ وذاكرتنا تستعيد بعض الأحداث المؤسفة؛ نتيجة تراكمها؛ مثل انهيار عقار المنشية في 22 فبراير الماضي؛ الذي راح ضحيته 12 مواطنًا؛ كما خلف 19 مصابًا؛ ويمكن ضرب أمثلة بآلاف الحالات في مختلف المحافظات؛ حدثت على مر السنين القليلة الماضية!

وفي محاولة لحصر عدد المخالفات الموجودة في مصر يتضح الآتي؛ بحسب البيانات المنشورة؛ وصل عدد العقارات المخالفة لـ 2.8 مليون عقار؛ قدر البعض عدد الوحدات المخالفة فيها بما يقرب من 20 مليون وحدة!!!
تقريبًا ما يقدر نصف الثروة العقارية الموجودة؛ تخيلوا أن نصفها مخالف وبنص القانون الحالي، لابد من إزالتها؛ سنوات تجر سنوات؛ تم خلالها بناء هذه العقارات؛ وأجهزة الدولة لا تتحرك قيد أنملة لإيقافها؛ فاسدون تربحوا؛ ومساكين قطنوا بها ومنهم لا يعلمون بأنها مخالفة؛ ليعيشوا مكلومين؛ لا يستطيعون توصيل الكهرباء بشكل قانوني؛ ليكونوا عرضة للمسألة؛ حياة غير مستقرة؛ خاصة أن عدد المخالفات كبير جدًا “20 مليون وحدة”.

وهذا رقم مفزع؛ لاسيما أن من بينها عددًا غير معروف تقطنه أسر؛ وآخر شاغرًا؛ وبعيدًا عن ذكر أسباب وصول المخالفات إلى هذا العدد؛ يكون من الأهمية الحديث عن كيفية التعامل معها؛ ونحن ننتظر صدور قانون التصالح في مخالفات البناء المنظور أمام مجلس الشعب؛ الذي يسعى لبحث كل المخالفات من خلال لجان هندسية؛ ترى إمكانية استمرار المخالفة والتصالح معها من عدمه؛ وفقًا لاشتراطات هندسية سليمة ومتفق عليها.

المخالفات لا تتعلق ببناء أدوار مخالفة فقط؛ ولكنها تمتد لجراجات تحولت في غفلة من الزمن لمحال تجارية؛ كانت أهم أسباب انسداد الشوارع، وحدوث تكدسات مرورية نحن في غنىً عنها؛ هل سيتعامل قانون التصالح في مخالفات البناء مع هذه الحالات؟ وكيف سيتعامل مع باقي المخالفات المتعلقة بمقرات تم تشغيلها بدون ترخيص، سواء كانت مقاهي أو مطاعم أو ما شابه!

هل سيراعي هذا القانون؛ دراسة تلك الحالات وتوافقها مع الاشتراطات البيئية والصحية التي تؤمن حياة الناس؟

هل سيراعي كم الإزعاج الذي تسببه للمواطنين؟ أم أن هذا شأن آخر تتم مناقشته آنفًا؛ لنحل جزءًا ونترك آخر معلقًا بين السماء والأرض؛ ويلهث المتضررون خلف الأجهزة المعنية؛ بحثًا عن حل لمشكلاتهم.

إن الأمر جلل – بلا مبالغة – ويحتاج لحسم تلك الملفات المعلقة بحرفية وعدالة؛ فصبر الناس أوشك على النفاد؛ ويجب ألا ننسى لفت النظر لسد كل الفجوات التي سمحت بحدوث هذه المخالفات؛ بل استمرارها حتى الآن.

لأن قرار الإزالة تقع مسئولية تنفيذه على عدة جهات؛ أهمها وزارة الداخلية التي يتوجب عليها عمل دراسة أمنية للتنفيذ؛ وفي عدد لا بأس منها تكون نتيجة الدراسة استحالة التنفيذ؛ لبعض الأسباب؛ قد يكون أحدها وجود قاطنين يشغلون الوحدة المخالفة؛ وقبل أن تمر الأيام لنصحو على خبر مفاده؛ انهيار عقار ووفاة بعض من المواطنين الذين قرروا عدم مغادرته؛ رغم تيقنهم بخطورة الإقامة به؛ فهم لا يملكون ملجأ آخر يسترهم!!

ينبغي التحرك سريعًا؛ واضعين نصب أعيننا؛ مصالح الناس وأمنهم؛ دون تمييز أو تفرقة بينهم؛ كفانا تسترًا على فساد أضنى الناس وأنهكهم؛ والتحفوا بالصبر، آملين نهايته!
نقلا عن بوابة الاهرام

قد يعجبك ايضآ
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.