قراءة في مشهد مباراة الأهلي والاتحاد والعقوبات الصادرة

 

شهدت مباراة الأهلي والاتحاد في دوري المرتبط لكرة السلة حدثًا غير مسبوق بعد أن تحولت أجواء المنافسة إلى حالة من التوتر الميداني الحاد، انتهت بعدم اقامة المواجهة بين الفريقين وصدور عقوبات صارمة من اتحاد كرة السلة تجاه عدد من اللاعبين.

بقلم دكتور / عبدالله أحمد

وبين ردود الفعل الغاضبة والجدل الجماهيري المحتدم، تظهر زاوية مهمة قد لا يلتفت إليها الكثيرون: ما الذي يحدث نفسيًا داخل عقل اللاعب حين تتحول لحظة الضغط إلى سلوك خاطئ؟ وهل يمكن أن تُشكّل العقوبات بداية لإعادة ضبط الحالة النفسية للمنظومة الرياضية؟
ومن منظور الدكتور عبدالله أحمد، استشاري العلاقات الأسرية والتنمية النفسية للرياضيين، فإن ما جرى لا يمكن قراءته فقط كواقعة تحكيمية أو سلوكية، بل يجب النظر إليه كـ مشهد نفسي كامل الأركان يكشف حجم الضغط الذي يتعرض له اللاعب في مباريات القمة.

التوتر في مباريات القمة… ضغط يتجاوز حدود الملعب.
ويرى د. عبدالله أن مثل هذه المواجهات تدخل بطبيعتها محاطة بثلاثة أنواع من الضغوط:
ضغط الجمهور الذي يرفع سقف التوقعات، وضغط المسؤولية المرتبط بسمعة النادي وشعاره، ثم ضغط الذات المتمثل في رغبة اللاعب في الحفاظ على مكانه وإثبات جدارته.
ومع سرعة المباراة وتصاعد الاحتكاكات، يبدأ الجهاز العصبي بإفراز مستويات أعلى من الأدرينالين، فيرتفع الإيقاع الانفعالي ويضعف القرار العقلي. وهنا، قد تتحول لحظة خاطفة إلى نقطة انفلات غير محسوبة، تمتد آثارها إلى مصير مباراة كاملة.

اللاعب تحت الانفعال… ما الذي يحدث نفسيًا؟

يوضح د. عبدالله أن اللاعب يمر خلال لحظات الانفعال بأربع مراحل نفسية متتابعة:
فقدان التركيز اللحظي وانحصار الانتباه على موقف واحد مستفز.
تضخم الشعور بالتهديد ولو كان بسيطًا.
إستجابة دفاعية أو هجومية تكون عادة غير محسوبة.
عودة الوعي والندم بعد انتهاء الانفعال.
ويؤكد استشاري العلاقات الاسرية أن هذا المسار طبيعي لكنه غير صحي، وأن الحل يكمن في تدريب اللاعب نفسيًا على إدارة الضغط بنفس قدر تدريب مهاراته داخل الملعب.

 

العقوبات… هل هي ردع أم علاج؟

من وجهة النظر النفسية، تحمل العقوبات وظيفتين أساسيتين:
الأولى تنظيمية لحماية اللعبة ومنع الفوضى، أما الثانية فهي تربوية نفسية تهدف إلى توجيه رسالة واضحة مفادها:
“السيطرة على النفس جزء من الاحتراف.. وليست رفاهية.”
العقوبة هنا ليست نهاية، بل نقطة بدء لمراجعة السلوك، سواء من اللاعب نفسه أو الجهاز الفني الذي يجب أن يعيد النظر في أدوات احتواء الضغوط.

 

الاعتذار العلني… قيمة نفسية لا يراها الكثيرون

يعتبر د. عبدالله أن اعتذار اللاعبين خطوة شديدة الأهمية، لأنها تمثل عملية تصالح نفسي قبل أن تكون خطوة إعلامية. فاللاعب يهدئ داخله، ويستعيد صورته أمام الجمهور، ويرسل رسالة لبقية الفريق بأن الخطأ وارد… لكن الإصلاح واجب.

كيف نمنع تكرار المشهد؟

يشدد د. عبدالله على أن الحل لا يكمن في العقوبة وحدها، بل في بناء لاعب قادر على مواجهة الضغوط. ويتحقق ذلك من خلال:

جلسات تفريغ انفعالي منتظمة.

وجود متخصص نفسي داخل كل فريق.

تدريب اللاعبين على سيناريوهات الضغط.
تعزيز ثقافة العمل الجماعي التي تجعل اللاعب يدرك أن رد فعله الفردي قد يهدم جهد منظومة كاملة.

يختتم د. عبدالله أحمد تحليله بأن ما حدث في مباراة الأهلي والاتحاد، رغم قسوته، يسلط الضوء على ضرورة الاهتمام بالجانب النفسي للرياضيين، جنبًا إلى جنب مع التأهيل المهاري والبدني. فالرياضة الحديثة لم تعد تعتمد على القوة والمهارة فقط، بل على قدرة اللاعب على إدارة نفسه قبل إدارة الكرة.
ويبقى السؤال الأهم الذي يجب أن تتوقف أمامه كل منظومة رياضية:
هل نكتفي برد الفعل بعد وقوع الأزمة؟ أم نبدأ في بناء ثقافة نفسية تمنع تكرارها مستقبلًا؟

قد يعجبك ايضآ
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.