“قرش” أحمد حسين ومصنع الطرابيش
كتبت/ خلود طه
مع مرور الزمن اشتعلت معركة الطربوش على خلفية معركة أخرى أعم وأشمل بحثًا عن هوية مصر: هل هى فرعونية؟ أم إسلامية؟ أم أنها تنتسب للبحر الأبيض المتوسط ؟ فاكتسب الطربوش فى هذا المناخ دلالة خاصة «قومية» باعتباره رمزًا فى مواجهة قبعة الأوربيين الغزاة. وانبرى سلامة موسى (1887 – 1958) على صفحات «المجلة الجديدة» يذكر المصريين بأن الطربوش من بقايا تبعية مصر للحكم التركي، بينما انقض غيره فى صحف أخرى يلعنون القبعة الغربية ومَنْ يرتديها.
وأصبح الطربوش فجأة تيارًا سياسيًا له هيبة فى الشارع المصري، وفى هذه اللحظة ظهر سياسى شاب هو «أحمد حسين» (1911 – 1982) الذى أنشأ جماعة للشباب الحر تحولت فيما بعد إلى «جمعية مصر الفتاة»،وغايتها: «أن تصبح مصر فوق الجميع»، ودعا إلى مقاطعة السلع الأجنبية واستقلال مصر الاقتصادي. وفيما بعد ألف تشكيلاً عسكريا باسم «القمصان الخضر». لكن برامج أحمد حسين خلت من أية كلمة عن الدستور والحريات أو إنهاء الاحتلال البريطاني، مما أثار التساؤلات حول نشاط أحمد حسين. وقام أحمد حسين وهو طالب فى السنة الثانية بكلية الحقوق بطرح «مشروع القرش»، وكانت الفكرة أن يتبرع كل مواطن بقرش صاغ واحد ليبنى بالحصيلة مصنعًا للطرابيش. وقد اعتمد فى دعوته للمشروع على أنه عار على المصريين أن يستوردوا لباس رأسهم القومى من الخارج. ووجد المشروع إهمالاً من الصحف إلى أن تبناه إسماعيل صدقى باشا رئيس الوزراء، وأصدر تعليماته بأن تقدم الحكومة للمشروع كل التسهيلات. لكن حزب الوفد المصرى اتخذ موقفًا معاديًا للمشروع وقال طه حسين (1889 – 1973) إنه يخشى أن يكون هذا النشاط الشبابى «هروبًا من ثورة الفكر».
وبلغت حصيلة مشروع القرش فى العام الأول نحو 17 ألف جنيه، وفى العام التالى نحو 13 ألف جنيه وهى مبالغ خرافية بمقاييس الثلاثينيات. وأسفر هذا المشروع فى نهاية الأمر عن إنشاء مصنع للطرابيش بالفعل فى حى العباسية بالتعاقد مع شركة ألمانية، وتم افتتاحه فى 15 فبراير 1933.