في قلبي وطن لم يُكتشف بعد
أنا هناك… حيث لا أحد يعرفني…
بعيدة عن موطني..
عن الوجوه المألوفة..
عن الأصوات التي كانت تهمس يومًا في أذني ثم اختفت
بقلم: ريهام طارق
وحيدة؟ ربما.. وقلبي وطني المنفي
لكنني لست مكسورة، ولا تائهة…
بل أنا هنا، في حضرة ذاتي، أكتشفني من جديد.
ابتعدتُ لا هربًا، بل نجاة..
نجوتُ من كل من حاول اغتيال روحي..
من كل من دسّ شوكة في طمأنينتي..
ومن كل من ظن أنني لا أقوى على البعد.
أنا الآن بعيدة… نعم…
لكنني أقرب إلى نفسي من أي وقت مضى..
أتنفس بعمق… هواء لا يخنقني..
لا يعلو صوت فوق صوتي..
قلبي ينبض بسلام لا يشاركني فيه أحد.
في وحدتي، أسمع أغنيتي..
أرقص دون شهود..
أبتسم دون سؤال.
هنا… أعيش لنفسي
أرتب حروفي، وأرسم غدي بلا ضجيج..
لم يعد صدري يخشى الانكسار…
في صدري سلام تعلّم أن يحمي نفسه..
ممتلئ بحرية تشبه بحر
ثائر علي كل ما يأتي عكس تياري.. لتأتي جميع سفنه كما أشتهي.
أنا لا أحتاج هنا الكثير…
فقط نفسي وسماء مفتوحة وأمل خافت يلوح لي من بعيد، كأنّه لا يملك الشجاعة ليأتي كأنه يختبر صبري
لم أعد أرتبك من الصمت…
فالصمت هنا لا يخيفني بل يحتضنني كأغنية ناعسة في آخر الليل..
علّمني أن أسمع صوتي بلا خوف..
علمني أن أقول رفقا بقلبي ..
أن أتفهم جنوني حين يثور.
وأُربّت عليه حين يبكي..
أمسح دموعه التي لا يراها أحد
وأصمت معه حين يعجز عن البوح
أنا امرأة كتبتها الغربة بحبرٍ دافئ… لا أنتمي إلا لنفسي..
لا أرجو من العالم شيئًا سوى أن يمر بلطف..
فقد اكتفيت من العتب..
اكتفيت من سؤال لا يجاب، ومن وجع لا يشفى..
أعيش في مكان لا يعرفني فيه أحد..
لكن يكفيني أنني أعرفني جيدًا..
أُدللني كما لم يفعل أحد..
وأغفر لنفسي كل ما عجز غيري عن فهمه.
اكتبني على جدران الهدوء، وأعلق قلبي على نافذة تطل على اللاشيء، وأبتسم…
ليس لأن الحياة صارت أسهل… بل لأنني صرت أقوى.
تعلمت أن أخلق الفرح من فنجان قهوة..
أن أداوي اشتياقي برسالة أكتبها ولا أرسلها..
وأن أقول لنفسي كل صباح: “أنتِ هنا… وهذا كافٍ جدآ.
بعيدة؟ نعم…
لكنني حين أغلق عيني، أرى الكون كله في داخلي.
سماء.. بحر.. ومكان آمن، لا يدخله إلا النور.
اقرأ أيضاً:
ورغم كل هذا البعد…
ما زلت أؤمن بالحب لا ذلك الذي يطرق الأبواب ويطلب إذن الدخول..
بل ذاك الذي يتسلل كضوء شمسٍ على استحياء، يملأ القلب دفئًا دون ضجيج..
يُزهر المساحات الباردة داخلي دون أن يطلب شيئًا.
أؤمن بأنه سيأتي…
لا ليأخذني من وحدتي، بل ليجلس جواري فيها..
لا ليكملني..
بل ليغوص في أعماق روحي ويكتشف شروخًا تلمع كجواهر مخفية
ليشاهد كيف ينبت الجمال من بقايا الأحزان
لا ليصنع لي جناحين..
بل ليطير بي على جناح قلبه.
سأعرفه من صوته..
حين يناديني كما لم يناديني أحد
حين يشعر بحزني كأنه يعتصر قلبه.
وحين يراني كما أنا… لا كما يتوقعون.
وحتى يأتيني..
سأظل هنا، أروي قلبي كل مساء..
أخبئ له مساحة في روحي..
وأبقى على وعدي لنفسي…
أن لا أتنازل عن سلامي النفسي ..
ولا أفتح بابي إلا لمن يطرق بلطف..
ويهمس:أنا هنا لأكون قلبك الذي لا يهاجر
أنا هنا.. لا لأغنيك عن وطن، بل لأكون موطنك وملاذك الأبدي.
اقرأ أيضاً: ريهام طارق تكتب: ذكريات من صفحات التاريخ نتذكرها في اليوم العالمي للإذاعة