دكتور نفسانى..رواية لــ ولاء الدسوقى

دكتور نفسانى

ولاء الدسوقى

قوللى يا دكتور…مما أعانى؟!

إننى أملك كل شيء تقريبا.لدى أسرة يحسدنى الجميع عليها ..أشغل مركزا مرموقا..وأنعم بثروة لا بأس بها…لكننى..رغم كل ذلك..لست
أستشعر نعمة الحياة ..لا أجد أحدا أنتمى إليه…كل شيء باهت…كل الوجوه شاحبة…ربما أعانى الملل…لكن الملل لا يدفع أبدا للانتحار..
لقد حاولت قتل نفسي مرتين…وتلطفت بي الأقدار…قلي يا دكتور..لما أنا على قيد الحياة ؟!..
ما هذه الدائرة التى أدور فيها؟!
إن الأحداث هى التى تدفعنى..لا أنا الذى أدفعها…ما دورى؟!
يقولون أنى زوج رائع وأب حنون…
لكننى أفعل الواجب يا دكتور…وفى العمل أؤدى واجبي..لم يحدث مرة أن سمحت لنفسي بالخطأ…إننى لم أعرف التجربة…ولا روح المغامرة…كنت دوما مشفوعا بواجبي..أن أؤديه بإخلاص…
كنت أظن أن ضميرى هو ما يدفعنى لذلك ويحثنى عليه ..لكن فى لحظة صدق لا تتكرر كثيرا..تبين أن الخوف هو ما كان يدفعنى…خشية القيل والقال…ألا يرانى الجميع فى الصورة المثالية …أن يتوقف الجميع عن الانبهار والتصفيق..ألا يشار إلى بالبنان…أن يتوقفوا عن ثنائى والإشادة بإنجازاتى…ياه يا دكتور
كم كنت سعيدا فى البداية…وبذلت المزيد من الجهد…كى أحوز الثناء وحسن التقدير…إلى أن لاحظت…أننى تحولت إلى مهرج…يفعل ما يسعد الجمهور ويضحكه….حتى وإن كان يئن من الداخل
لكننى..حتى بعدما تبين لى..ركاكة دورى..لم أحرك ساكنا
وظللت سعيدا بالدور..أو تظاهرت بالسعادة
فزوجتى الرائعة..قد رشحتها لى أمى…وتجاهلت…رغبتى بالزواج…من فتاتى التى عشقتها حد الجنون
ولأننى لا أجرؤ على إغضاب أحد…أو بالأحرى حريص على أن يرضى الجميع عنى..وأن أظل دوما فتى مطيع…فقد خذلت فتاتى..وأذعنت لرغبة أمى
إن زوجتى رائعة يا دكتور .. أؤكد لك…لكنى لم ألتقيها مرة واحدة..لا هى تعرفنى ولا أنا…إن لنا أربعة من الأبناء…لكننا نحيا كالغرباء…
وأبنائى..إنى أحبهم…لكنهم لا يحادثوننى إلا لطلب المال…إننى لا أضن بروحى لأجلهم…لكن وددت لو نتحدث قليلا فى شأن غير المال…إنهم يحبون أمهم جدا…لعلنى أنا المخطىء..لست أستطيع احتوائهم
يوه يا دكتور…ما أقول لك…إننى حتى فى العمل..يشهد لى الجميع بالفضل…فأنا مثال للموظف المطيع المتفانى فى عمله..
لكننى وددت فى أعماقى…لو قلت لا ولو مرة واحدة..
أحيانا أجدنى فى المنام… أتخيل فتاتى القديمة..وقد ثرت لأجلها..وأصررت على الارتباط بها…
لكننى فى المنام أيضا لا أكون سعيدا…فنظرات أمى فى الحلم…تقتلنى…وأشعر بالذنب الذى يكدر فرحى بفتاتى…فأستيقظ…
كأن شبحا ثقيلا يجثم على صدرى…وأتعوذ بالله من الشيطان
وأحمد الله..على أنه كان حلما ..وأننى لم أغضب والدتى..وأتذكر…حديث أمى..عن طاعة الوالدين…فأثوب إلى رشدى…وأطرد من رأسي ..ذلك الكابوس
إن الوحيد الذى أقول له لا …هو كلبي…عندما يبدأ فى العبث بأزهار الحديقة…إنه مطيع لى على أية حال…هو مثلى…رهن الإشارة…
لكنه سعيد يا دكتور… لا يعانى الوحدة مثلى..ولا يستشعر الندم…ولا يأبه للماضى..أما أنا فشبح فتاتى القديم. .. يطاردني… أرى فى عينيها..نظرات اللوم..
إننى قد وعدت أمى حينذاك.. ألا أتتبع أخبارها..وها أنا قد فعلت …حتى وأنا أدلف نحو الخمسين من العمر..لا أدرى ما حالها..
لقد ماتت أمى..ولم أحنث بقسمى! فليرحمها الله
هييه يا دكتور…..مما أعانى؟!
قد يعجبك ايضآ
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.