كاتب رعب.. بقلم/ مصطفى حسن سليم.

فتحت جميع الأبواب على مصراعيها، تبحث عن الجسد الذي رأته في الحلم، هي تعرف أنها تسكن معها في نفس المكان، سمعت وقع خطوات سريعة من خلفها، ويد تلمس جسدها، وشعرت بها ثم…
أنت كاتب رعب أليس كذلك؟ قذفت بالقلم على الأوراق في عدم اهتمام، وأنا أنظر إلى الرجل الذي قطع حبل أفكاري، كان يبدو على وجهه الأرهاق الشديد، ونظرات عيونه تحمل نظرة رجل أعتصرته جميع الأحزان بكل مآسيها، أشرت إليه بالجلوس، وأنا أشعر بالضجر لمقاطعته لي، وقد شعر الرجل بذلك من نظرات عيوني وهو يقول لي أنا أعتذر لمقاطعتك، يبدو أنك كنت منهمك في كتابة عمل ما، ولكن ربما لو سمعت قصتي لوجدت فيها قصة أفضل بكثير من القصص التي تستدعيها من خيالك، لأنها حدثت لي بالفعل اعتقد لو سمعتها للنهاية ربما لاتجدها منطقية بعض الشيء، ولكنها قصتي على كل حال، لاحظ الرجل الاهتمام يبدو على ملامح وجهي، فبدأ يسترسل في سرد باقي قصته، كانت البداية عندما تخرجت من كلية الهندسة، والبحث عن عمل في زحام المدينة، وعندما فشلت في ذلك حجزت أول تذكرة على القطار العائد إلى بلدتي، وأخذت قراري بمساعدة والدي في رعاية الأرض الصغيرة التي نمتلكها، ولكن لم تمر عدة أيام على ذلك، إلا وقد قابلت ابن عمي الذي كان عائد من السفر من احدى الدول العربية لتقضية اجازته السنوية، وقد وعدني عند عودته بعد الاجازة أنه سيرسل لي دعوة للاقامة معه، وتوفير فرصة عمل لي معه، ولكني رفضت دعوته للسفر لعدم رغبتي في ذلك، فما كان منه إلا أن اخرج كارت من جيب معطفه وكتب عليه بعض كلمات صغيرة ثم ناولني ذلك الكارت، وهو يقول لي اذهب غداً إلى القاهرة وقابل صاحب هذا الكارت، سيقوم بتوفير فرصة عمل مناسبة لك على الفور، فشكرته على ذلك وتركته وأنا سعيد بذلك الأمر، وبالفعل توجهت إلى صاحب الكارت الذي قام بتوفير عمل لي في مستشفي حديث تحت الانشاء، ثم توفير سكن لي ايضا في جراج كبير بجانب هذه المستشفى، لاحظ الرجل شعوري بالملل من حديثه وهو يستطرد أعرف أن قصتي حتى الآن مملة، ولكن الاحداث المثيرة في قصتي لم تحدث بعد، وحضر النادل إلى الطاولة التي نجلس عليها لمحاسبتي لانتهاء وردية عمله، وطلبت منه احضار اثنين كوب من الشاي، وقد وجدت نظرة دهشة تلمع في عيون النادل وهو ينصرف، وزادت دهشتي من عدم ملاحظته للرجل الجالس معي على نفس الطاولة، وعاد الرجل يسترسل مرة أخرى لحديثه واثار عدم انتباه النادل له شيئا ما بداخلي جعلني اتفرس مرة أخرى في ملامح وجه الرجل بدقة بالغة، ولكن لم يثير انتباهي في ملامحه أي شيء غير عادي، كان رجل قد تجاوز العقد الخامس من عمره بعدة سنوات قليلة، له جسد رياضي، وملامح تبدو أجنبية بعض الشيء، وعيونه تلمع بذكاء حاد، واعتدلت في جلستي في المقعد وانا أتابع حديثه، كان الجراج الذي سكنت فيه مكون من طابقين بخلاف الجراج نفسه، وكان الدور الثاني للسكن فقط، والدور الأسفل مبنى اداري وحمام، وبدأت التعود على حياتي الجديدة وبذل مجهود كبير في عملي حتى يمكنني التمييز بين أقراني في العمل، ومع المجهود المضاعف الذي أبذله في العمل كنت عندما أعود للسكن أخلد للنوم سريعاً، واحيانا لا أستيقظ إلا على موعد العمل ثاني يوم، حتى كانت هذه الليلة المشئومة والتي كانت سبب في قصتي التي أنا بصددها اجلس معك الآن، عندما عدت من العمل في هذا اليوم مبكراً وخلدت للنوم كعادتي، واستيقظت قبل الفجر بعدة ساعات قليلة، وشعرت برغبة كبيرة في الذهاب للحمام، وأخذت بطارية جديدة كنت قد اشتريتها حديثا لأن الطريق إلى الحمام يقع في ظلام دامس، وعندما بدأت اهبط أول درجات السلم إلى الأسفل، شعرت بالرعب يتملكني ربما لغياب القمر في ذلك اليوم، وشدة الظلام الذي يحيط بي من كل جانب، والذي يبدده ضوء الكشاف بصعوبة بالغة ، وشعرت فجأة بقشعريرة تسري في جسدي كله وأنا اشاهد شبح لسيدة تصعد درجات السلم وتتقدم نحوي في خطوات ثابته، سيدة تبدو طويلة تحمل طفل رضيع على يديها، ملامحها تبدو غير واضحة من شدة الظلام، وفجأة توقف شعاع النور الذي يخرج من. البطارية، حاولت اشعالها بأي طريقة ولكنها أبت ذلك، وقد وجدت نفسي اتراجع للخلف واطلق ساقي للريح، ودخلت الغرفة واغلقت الباب خلفي جيداً من الرعب، واخذت اتلو بعض الآيات القرآنية، وجسدي كله يرتجف في عنف شديد، حتى أني شعرت أن قلبي يكاد أن يقف من شدة الخوف، لأني اغلقت باب الجراج جيداً عند عودتي من العمل، وتصادف سفر حارس الجراج إلى البلد ذلك اليوم وبقائي بمفردي في المكان، وظللت مستيقظ دون أن يغمض لي جفن حتى الصباح، ولم اذهب إلى عملي في ذلك اليوم، وذهبت أبحث عن سكن بديل لترك ذلك المكان المرعب، وبالفعل عثرت على غرفة متواضعة في عقار قديم في حي شعبي، وانتقلت في نفس اليوم إلى هذا السكن، ومع المجهود الذي بذلته في الانتقال والبحث عن السكن وعدم النوم طوال الليل خلدت للنوم سريعاً مثل القتيل، وعندما أستيقظت من النوم في منتصف الليل، وجدتها تجلس على المقعد المواجه للسرير وهي تحمل الطفل على قدميها، نظرت في المرآة المواجهة لذلك المقعد فلم أجد صورة هذه السيدة تنعكس فيها، ثم نظرت إليها مرة أخرى فوجدتها تنظر نحوي وتصرخ صرخة مرعبة اهتز لها كل كياني، وقفزت من على السرير وانا اندفع خارج الغرفة، وعندما عدت إلى الغرفة مرة أخرى، وجدتها قد اختفت تماماً، وشعرت باحساس من الخوف يتسلل إلى قلبي مرة أخرى، وعدت مسرعاً ثاني يوم إلى الجراج لسؤال حارس الجراج عن قصة هذه المرأة، وقد وجدته يعرف قصتها جيداً، وقال لي كل شيء عن حكاية هذه المرأة، وكيفية قتلها هي وطفلها بعد محاولة أغتصابها في هذه الأرض التي تم بناء الجراج عليها على يد رجلين تم الحكم عليهم بالإعدام لذلك الأمر، وعدم افصاحه لي عن هذه الحكاية لعدم خوفي من ذلك المكان، وعدت إلى غرفتي غير مصدق مايحدث لي، وتكرر ظهور هذه السيدة لي في كل ليلة في نفس الموعد الذي قابلتها فيه أول مرة، ونفس الصرخات المرعبة التي تتزايد حدتها عن كل ليلة، وكان هذا سبب في انهيار اعصابي وعدم قدرتي على مقاومة ذلك الأمر، وفكرت أكثر من مرة في الإنتحار للتخلص من ذلك الكابوس المزعج، الذي يتجسد في صورة شبح هذه المرأة وطفلها كل ليلة، وأخذت القرار بالفعل حتى مساء ذلك اليوم الذي، عندما كنت أسمع الرجل كنت أشعر بمصداقية غريبة في كل مايقوله، ومع خيال الكاتب الخصب كنت أشعر أني أشاهد فيلم رعب سينمائي يتجسد أمامي في كل كلمة يقولها الرجل، وقطع رنين الهاتف المتواصل في جيب معطفي متابعة حديث الرجل، واستأذنت منه للرد علي الهاتف وبداخلي لهفة كبيرة لمعرفة بقية القصة، وماحدث له في مساء ذلك اليوم، وتركت الطاولة لعدة لحظات وأنا أتحدث في الهاتف، وعندما عدت مرة أخرى إلى الطاولة وجدت الرجل قد أختفى تماما، واخذت ابحث عنه بين رواد المقهي، ولكني لم أجده، فناديت علي النادل الذي حضر مسرعاً وهو يعتذر عن تأخره في عدم تقديم الشاي، فسألته عن ذلك الرجل الذي كان يجلس معي عندما حضر منذ قليل لأخذ الحساب، فوجدت الرجل يحملق في وجهي وهو يقول لي أي رجل هذا الذي تسأل عنه، لقد كنت تجلس بمفردك طوال الوقت، فقلت له في انفعال الرجل الذي كنت اتحدث معه منذ قليل، فأخذ النادل يضحك وهو يقول لي لقد كنت تحدث نفسك طوال الوقت، مما استدعى انتباه الجميع، ولكني فسرت لأحدهم عند سؤالي عن ذلك الأمر، بأن هذا يعد من أحد شطحات خيال المؤلفين، ثم تركني وانصرف وأنا أنظر إلى المقعد الخالي الذي كان يجلس عليه شبح الرجل منذ قليل، غير مصدق كل مايدور حولي من أحداث.

قد يعجبك ايضآ
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.