كحك العيد.. حلوى فرعونية تحافظ على بريقها عبر العصور

كحك العيد.. حلوى فرعونية تحافظ على بريقها عبر العصور

كحك العيد.. حلوى فرعونية تحافظ على بريقها عبر العصور

مع حلول عيد الفطر، يزداد الحديث عن كحك العيد، تلك الحلوى التي أصبحت جزءًا لا يتجزأ من طقوس الاحتفال بالعيد في مصر والعديد من الدول العربية.

كتبت ماريان مكاريوس

فهو ليس مجرد نوع من المخبوزات، بل يحمل بين طياته تاريخًا عريقًا يمتد لآلاف السنين، حيث يعود أصله إلى الحضارة الفرعونية، واستمر عبر العصور الإسلامية حتى يومنا هذا. ورغم تغير الأزمان وتطور طرق صناعته، لا يزال الكحك رمزًا للبهجة والتجمع العائلي في الأعياد.

الكحك في الحضارة الفرعونية.. طعام الملوك والقرابين المقدسة

تعود أقدم الإشارات إلى كحك العيد إلى عهد المصريين القدماء، الذين كانوا يعدونه كجزء من القرابين المقدمة للآلهة في المعابد، خاصة خلال الاحتفالات الدينية والمناسبات الخاصة. وقد كشفت النقوش الموجودة في معابد منف وطيبة عن مشاهد توضح طريقة إعداده، حيث كانت النساء يقمن بعجنه وتشكيله بأشكال دائرية مختلفة، ثم يُنقش عليه رموز دينية مرتبطة بالمعتقدات الفرعونية.

 

ولم يكن الكحك مجرد طعام يومي، بل كان جزءًا من الطقوس الدينية والاحتفالات الكبرى، ويُعتقد أنه كان يُقدَّم أيضًا في بعض المناسبات الملكية. كما عُثر على قوالب حجرية استخدمها المصريون القدماء في زخرفته، مما يدل على اهتمامهم بإضفاء طابع جمالي عليه، وجعله أكثر من مجرد طعام، بل رمزًا يحمل معاني مقدسة.

الفاطميون.. إعادة إحياء كحك العيد بأسلوب ملكي

رغم أن أصل كحك العيد يعود إلى المصريين القدماء، إلا أنه لم يفقد مكانته عبر العصور، بل شهد ازدهارًا كبيرًا خلال الحكم الفاطمي لمصر. فقد اهتم الفاطميون اهتمامًا خاصًا بصناعة الكحك، وجعلوه جزءًا أساسيًا من احتفالات العيد.

كانت “دار الفطرة”، وهي مؤسسة حكومية متخصصة في تجهيز كحك العيد، تقوم بإعداده بكميات ضخمة ليتم توزيعه على عامة الشعب والجنود، تعبيرًا عن الفرحة بقدوم العيد. وكانت بعض أنواع الكحك تُنقش عليها عبارات مثل “كل واشكر”، لتعكس قيم الشكر والامتنان التي ترافق هذه المناسبة.

وقد أصبحت صناعة الكحك في تلك الفترة فنًا قائمًا بذاته، حيث كان يُحشى بأنواع مختلفة من المكسرات والعجوة والملبن، ويُرصع أحيانًا بالذهب في القصور الفاطمية، مما جعله رمزًا للترف والاحتفال الفاخر.

انتشار الكحك في العصور الإسلامية والعربية

مع مرور الزمن، انتقل تقليد إعداد الكحك إلى مختلف العصور الإسلامية، حيث تبنّته الدول الإسلامية المختلفة وأدخلت عليه بعض التعديلات حسب ثقافة كل بلد. فقد أصبح جزءًا من الأعياد والمناسبات الدينية في الشام والعراق والمغرب، حيث عُرف بأسماء مختلفة ولكنه احتفظ بمكوناته الأساسية.

وفي العصر المملوكي، ظل الكحك جزءًا من موائد الاحتفالات، وكان يُقدَّم في الأعياد والأفراح الكبرى. ومع دخول العصر العثماني، استمر انتشاره في مختلف أنحاء العالم العربي، حتى أصبح جزءًا لا يتجزأ من تراث الشعوب الإسلامية في الأعياد.

طقوس إعداد الكحك.. اجتماع العائلة على مائدة واحدة

رغم التطورات الحديثة وتوفر الكحك الجاهز في المحلات والمخابز، إلا أن الكثير من الأسر لا تزال تفضل تحضيره في المنزل، حيث يجتمع أفراد العائلة حول العجين، يتشاركون في تشكيله وحشوه وزخرفته، في مشهد يعكس روح العيد ودفء العائلة.

عادةً ما تقوم الأمهات والجدات بإعداد العجين قبل العيد بأيام، ثم يتم تشكيل الكحك باستخدام قوالب مزخرفة، قبل أن يُخبز في أفران متوسطة الحرارة حتى يكتسب لونه الذهبي المميز. وبعد إخراجه من الفرن، يُرش بالسكر البودرة ليُقدَّم في العيد مع الشاي أو القهوة، ليضفي طابعًا خاصًا على أجواء الاحتفال.

الفنانين وكحك العيد.. طقس احتفالي مستمر

لم يقتصر حب الكحك على العائلات فقط، بل امتد أيضًا إلى نجوم الفن والمشاهير، الذين اعتادوا منذ عقود مشاركة لحظاتهم الخاصة مع الكحك خلال الأعياد. في الماضي، كان الفنانون يحرصون على نشر صورهم مع الكحك في الصحف والمجلات، سواء أثناء تحضيره بأيديهم أو أثناء تناوله مع أسرهم، ليعكسوا أجواء البهجة التي ترافق هذه المناسبة.

وقد استمرت هذه العادة حتى العصر الحديث، حيث أصبحت مواقع التواصل الاجتماعي منصة رئيسية لمشاركة هذه اللحظات، حيث يظهر العديد من الفنانين في صور ومقاطع فيديو توثق احتفالهم بالكحك، سواء داخل منازلهم أو خلال جلسات تصوير خاصة بالأعياد. وهو ما يؤكد أن كحك العيد لم يفقد بريقه، بل ظل رمزًا للفرحة والتواصل الاجتماعي، حتى بين المشاهير.

الكحك في العصر الحديث.. بين الأصالة والتجديد

مع تغير العادات الغذائية والاهتمام المتزايد بالصحة، ظهرت في السنوات الأخيرة أنواع جديدة من الكحك تناسب مختلف الأذواق. فقد بدأ بعض المخابز في تقديم كحك بالشوفان والدقيق الكامل لتقليل السعرات الحرارية، كما ظهرت نكهات جديدة مثل الكحك بالشوكولاتة والفانيليا، لتواكب تطور الأذواق الحديثة.

كما انتشرت طرق صناعة الكحك عبر الإنترنت، حيث تُشارك السيدات وصفاتهن عبر مواقع التواصل الاجتماعي، مما ساهم في إحياء هذه العادة حتى بين الأجيال الشابة. ورغم هذا التجديد، يظل الكحك المصنوع بالطريقة التقليدية هو الأكثر شعبية، لأنه يحمل معه عبق الماضي وذكريات العيد الجميلة.

كحك العيد.. أكثر من مجرد حلوى

لا يُعتبر كحك العيد مجرد نوع من المخبوزات، بل هو جزء من التراث والثقافة الشعبية التي تتوارثها الأجيال. فهو رمز للفرح والتجمع العائلي، وعلامة على حلول عيد الفطر المبارك. ورغم اختلاف الأزمان وتغير العادات، يبقى الكحك حاضرًا على موائد العيد، محتفظًا بجذوره الفرعونية حتى يومنا هذا، ليظل شاهدًا على تواصل الأجيال عبر العصور.

المزيد: عيد الفطر: بهجة روحية وتأثير اجتماعي ونفسي عميق

قد يعجبك ايضآ
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.