كورونا .. والموت الإكلينيكي للحياة؟! بقلم/ ناصر العزبي
كورونا .. والموت الإكلينيكي للحياة؟!
خمسة عشر شهرا منتزعة من عمري.. التزام كامل بالإجراءات الاحترازية.. التزام التنقل في أضيق الحدود والامتناع عن المشاركة في الفعاليات الثقافية، بل وعدم الإقدام على تولي منصباً كنت انتظره، أو أخر ربما كان فاتحة خيراً لحياة جديدة، تفادياً التنقل نظراً لأني أعيش بدمياط البعيدة عن القاهرة
خمسة عشر شهراً من القلق اليومي على أحبائنا الذين نعيش معهم، والأرق الذي ينتابنا لحظة فتح صفاحات التواصل الاجتماعي لنتلقى أخبار الفقد الموجوعة، بما جعلني أعيش حالة أقرب إلى الاعتزال حاولت التغلب على أثارها باجترار الذكريات من خلال صور قديمة وإظهار مشاعر حب لكثيرين ممن التقيت بهم ـ على مختلف مستوياتهم ـ لأعيش فيها واهما نفسي باستمرار الحياة.
كورونا .. والموت الإكلينيكي للحياة؟!
خمسة عشر شهراً وصلت بي لمنتصف عامي التاسع والخمسين وما هي إلا شهور قليلة لبدأ مرحلة جديدة مع الحياة ان أراد لنا الله ذلك.. خمسة عشر شهراً هي الموت بالنسبة لمن التزم فيها بالاحتراز.. ولا لوم على من اضطر لغير ذلك من أجل الانتصار للحياة حتى وان طاله الموت.
ليس هذا هو الموضوع، …
ولكنه توابع لأسئلة كثيرة تتفجر وتحتاج من المفكرين طرحها في كتب ان لم تكن مجلدات.
كلام كثير يقال عن فترة تعد الأسوأ من الزمن، لا تقل تداعياتها عن تداعيات فترات الحروب العالمية، أو إلقاء قنبلتي “هيروشيما ونجازكي” منتصف أربعينات القرن الماضي، أو الزلازل والبراكين، ان لم تكن التداعيات أشد غموضاً نظراً لعدم معرفة مدى الجائحة وتعذر التصدي لها.
خمسة عشر شهراً لم تكن كافية للخروج من هذا الكابوس، بل تفاجئنا دائماً بالجديد، حيث تطالعنا ـ مع بداية شهر مارس ـ أنباء بأننا على أعتاب موجة ثالثة أكثر فتكاً وأشد ضراوة، ولتتوالي أخبار فقد السيطرة بأن البرازيل أول أمس الجمعة 26 مارس سجلت (ثلاثة آلاف و650) حالة وفاة في يوم واحد كرقم قياسي جديد يؤكد تعذر السيطرة على الوباء، لتكون ثاني أكثر الدول تضرراً بعد الولايات المتحدة، .. ومحلياً عادت البيانات اليومية تسجل زيادة حالات الإصابة، ومع عدم ادراكي لحجم الفقد الفعلي في مصر، إلا أنها سجلت رسمياً تقريباً 200 ألف حالة منها 12ألف حالة وفاة خلال تلك الفترة، مع تصريحات رسمية أخرى بأن هذا الرقم يقبل مضاعفته أكثر من خمس مرات، بما يكشف عن كارثة في حجم الوفيات.!
سلالات جديدة
هذا؛ وتطالعنا كبرى الجمعيات الطبية، ومسئولي الصحة في العالم بظهور سلالات جديدة متحورة، ووجود أزمات حول توزيع اللقاحات رغم زيادة التشكيك في جدواها وتداعياتها، بما لا يوحي بوجود أي بارقة أمل، ورغم ذلك نلاحظ أن الحياة في مصر باتت تسير بشكل طبيعي، لم يعد يلتفت أحداً لاتخاذ الإجراءات، فقط نسمع أنه يتم اتخاذها، نسمع دون أن نرى ذلك على أرض الواقع، في الشارع، والمؤسسات، والمهرجانات، المناسبات الاجتماعية، والمواصلات.. وفي المباريات الرياضية..!
هذا في ظل وجود قيود في التنقل بين الدول، ووجود مناطق محظورة، وفي ظل تسجيل زيادة في معدلات الوفاة وترجعاً في أعداد المواليد، الأمر الذي ترتب عليه تراجعاً في عدد السكان عام 2020 في بعض الدول مثل إيطاليا، ليسجل الوضع الراهن للبلاد استمرا ارتفاع حالات الإصابة، واتساع مساحة المراسم الجنائزية وتراجع مناسبات الأفراح، في ذات الوقت الذي يشهد عدم الاكتراث بوضع تفشي الجائحة بما يعد “اغتيالاً جماعياً” بما يستدعي الحكومات وضع محددات لمكافحة كوفيد-19، وزيادة فرض قيود على التحرك والاختلاط، والحد من الحركة بالشوارع المزدحمة في المدن، وإلغاء أي فعاليات بالأماكن المغلقة”.
وأمام توالي فقد الأحباب والأصدقاء، وعجز المستشفيات على استيعاب الحالات، وضعف المؤسسات العلاجية وعجز الأطباء والعلماء، والاتهامات للحكومات بالتقصير في مواجهة الجائحة، وتوقف المفكرين عن الإنتاج، أمام كل ذلك أراني لست بحاجة إلى تفنيد الأوضاع، ولكني اكتفي بطرح أسئلة للبحث عن إجابات لها ؛
ــ هل فقد العالم السيطرة على هذا الفيروس اللعين؟
ــ أين العلم وإلى ماذا انتهى “وان اعترفنا بتقصيرنا في حقه كدول نامية” إلى أين انتهى في الدول المتقدمة؟
ــ مع بداية ظهور الفيروس توقف العالم عن كثير من الممارسات السياسية من تسلح وحروب وممارسات الضغوط الاقتصادية وغيرها من تداعيات إيجابية لظهور الفيروس بما يعد بادرة لترابط الشعوب ووحدة البشرية،.. إلا أن تلك البوادر مع الأسف بدأت في التراجع، فلما كان هذا التراجع؟
ـ عادت النشاطات بشكل ما أو بأخر، إلا أنها كانت فرصة للبعض لممارسات انتهازية، وبخاصة الحياة الثقافية بما يؤكد فساد الوسط الثقافي، والأمثلة كثيرة ولا أود الخوض فيها حتى لا يتحول موضوعنا عن مساره، ولكن السؤال هنا ماذا كان دور المثقفين في تلك الفترة وماذا فعلوا؟
أما السؤال هو الأهم ؛ ــ هل وعى الجميع لأثار “كورونا” الرهيبة على المستقبل على كافة المستويات ؟
ــ على التعليم وما يمر به من محاولات يائسة للخروج من مأزق التسلسل الزمني لترقيات الطلبة بالتصعيد للمراحل التالية مراعة أن لا ذنب لهم لتأخير مستقبلهم ..؟!
ــ على الاقتصاد الأسري ـ قبل الدول ـ في ظل ما يشهده سوق العمل من تقلص نشاطه وركود ..؟!
ــ على الصحة في ظل ما تخلفه كورونا من أثار على المتعافين منها..!
ــ الأثار النفسية على الأفراد والتي تختلف بين مرحلة سنية وأخرى ..
… هل ندرك حرمان الأطفال طفولتهم.. أحفادي لا يتمتعون بالتنزه أو بالذهاب إلى المصيف أو الملاهي، ولا يمارسون أنشطة بالحضانة بل لا يذهبون لها، و.. و.. و..، حالة من الرعب يستشعرونها جراء التزامنا الاحترازي والزامهم أيضاً بها ليشاركونا مخاوفنا.. ما أقسها من أثار نفسية على مستقبلهم.. مع ملاحظة أن تلك الفترة لن تعوض حيث أنهم عقب انتهاء كرونا بمشيئة الله سيجدون أنفسهم في متاهات الدروس الخصوصية والتلقين التعليمي، لقد فاتهم الكثير في مرحلة تشكلهم النفسي وتشبعهم الوجداني بالأسرة والمجتمع والحياة الاجتماعية والثقافة الأصيلة للوطن.
…