يتقن الذئب فنون الخداع والمكر، و لا يتورع عن استخدام كل وسيلة للإيقاع بفريسته، حتى لو كان ذلك على حساب كرامته وقيمته، لكن ماذا يحدث عندما يعجز هذا الذئب عن افتراس فريسته بالقوة؟
بقلم ريهام طارق
عندما يعجز الذئب عن تحقيق مبتغاه بالقوة الجسدية أو السيطرة المباشرة، يتقن الدور الآخر، دور الضعيف المنكسر، في هذه اللحظة، يغير ملامحه ويصنع مشهداً درامياً من التراجع و التألم، و يضع نفسه في مكان الضحية، ويغرق فريسته في بحر من الندم والدموع، كأنه يصرخ داخليًا: “لقد خسرت، لقد انتصرتِ عليَّ”. هذا التغيير المفاجئ في سلوكياته هو في الحقيقة محاكاة للمشاعر لا أكثر، يهدف إلى إبقاء فريسته في حالة من التردد والشك، مما يجعلها تصدق أنها هزمت الذئب وأحرزت النصر.
ولكن الحقيقة بعيدة كل البعد عن هذه المسرحية المضللة، فالذئب لا يتراجع عن خطته، بل ينتظر اللحظة المناسبة ليعود بثقة أكبر، ليكشر عن أنيابه ويظهر حقيقته. في تلك اللحظة، لا تكون فريسته قد خرجت من أزمته، بل هي قد وضعت نفسها في دائرة أخرى من الخطر، حيث ستكون أكثر ضعفًا، وأشد عرضة للهجوم، وأكثر قابلية للخضوع لبراثن الذئب.
في هذه الحالة، لا يسعى الذئب إلى الانتقام لمجرد الرغبة في الثأر، بل يسعى لتعزيز نرجسيته المحطمة، فهو لا يكتفي بتحقيق النصر، بل يحتاج إلى الشعور بتفوقه الكامل على فريسته، مترقبًا اللحظة التي يتمكن فيها من تحطيم ما تبقى لديها من مقاومة أو أمل إنه شكل من أشكال الانتقام البارد، حيث تغيب الرحمة تمامًا عن معادلته، ولا يكون التراجع خيارا مطروحا أمامه.
تظهر هذه الحيلة النرجسية التي يتقنها الذئب أنه ليس مجرد قوة جسدية فحسب، بل هو أيضًا لاعب ماهر في التلاعب بالعقل والمشاعر فهو يدرك تمامًا متى يظهر ضعفه، ومتى يستعيد قوته، ومتى يهاجم بلا رحمة ليحقق انتصارا نفسيا يحافظ من خلاله على صورته البراقة المشرقة في أعين الآخرين.
هذه اللعبة الخطيرة التي يجيدها الذئب هي دعوة للتفكير العميق في العلاقات الإنسانية، وتنبيه لنا لـ نتجنب الوقوع في شباك الأشخاص الذين يتقنون استخدام الضعف والكذب كوسيلة للسيطرة وعليه، يجب علينا أن نكون يقظين، وألا نسمح لأحد أن يخدعنا مهما كانت الأسباب، لأن الخديعة قد تفضي في النهاية إلى ندم لا ينتهي.
لك الخيار، يا صديقي، إما أن تكون فريسة ساذجة تنساق خلف خداعه، أو تمتلك عقلاً يقظًا ينقذك من شباكه. وفي كلتا الحالتين، كنت ضحية في لحظة ما، وقد تصبح فريسة سهلة إذا صدقت توسلاته، تذكر جيدًا، إن عدت إليه مرة أخرى، فقد حكمت على نفسك بنهاية حتمية لا مجال فيها للنجاة، ولن تتاح لك فرصة أخرى للهروب. القرار بين يديك، فاختر بحكمة ما يحميك من السقوط في فخه مرة أخرى.
إياك أن تمنح الذئب فرصة أخرى، فكل لحظة قد تحمل خيانة أو تلاعبًا في انتظارك، لتجد نفسك الضحية التي تدفع ثمن سذاجتها. لا تتوقع من الآخرين سوى نظرات اللامبالاة أو ضحكات السخرية التي تلاحقك مع كل خطوة تخطوها بعيدًا عنهم. كن حذرًا، فأنت وحدك من سيتحمل عواقب اختياراتك، بينما يكتفي الآخرون بالمشاهدة من بعيد بنظرات باردة، غير مكترثين بما تعانيه.
في النهاية، تذكر أن الحياة لا تمنح الكثير من الفرص، وأن الثقة إذا انكسرت مرة، قد لا تعود أبدًا كما كانت.. لا تسمح للذئب أن يعبث بمشاعرك أو يستنزف قوتك، فبعض الأبواب يجب أن تغلق إلى الأبد، وبعض الطرق لا تستحق العودة إليها مهما بدت مألوفة، كن يقظًا، واحفظ كرامتك قبل أن تصبح ضحية أخرى في قائمة لا تنتهي.
الخيار بيدك، عزيزي القارئ فاختر ما يحمي قلبك ويحفظ كيانك.