” لقمة خُبز ” بقلم منى شاكر

 

كتبت منى شاكر 

بعد أن انتهى من بعض محاضراته.. ذهب إلى المقهى المجاور للجامعه ليتناول قهوته الصباحيه التي تساعده على استكمال يومه الدراسي.. جلس طويلا هذا الشاب العشريني ينظر إلى قطع الخبز المحمص الذي يقدم مع القهوة.. أخذ منها واحده.. و أخذ يفكر..

“هل تستحق لقمة الخبز كل هذه المعاناه؟؟ هل كان من الأفضل حقا ان يسميها البعض لقمة العيش؟؟ و كأنه لا عيش و لا حياة بدونها؟؟
و ماذا بعد أن انتهي من دراستي؟؟ هل سيكون علي ان أعمل بكد حتى اوفرها لنفسي أو لغيري؟

و ماذا لو أصبحت أبا؟؟ هل سيأخذني السعي وراء تلك اللقمة و سأنسى أن أقضي المزيد من الوقت مع أولادي؟؟

أولادي!!!

انها لمسؤولية كبيرة حقا ان يكون لك أولاد.. أشعر و كأنما أدين بإعتذارات شتى لأولائك الذين لا يزالون في علم الغيب..

نعم يا أولادي.. سأعتذر لكم..

سأعتذر لطفلتي الصغيرة التي سأنشغل عنها بالعمل.. فلن ادللها كما يجب.. و سأتركها تكبر تبحث عن الدلال مع أول زوج يدق بابها..
سأعتذر لها عن عدم أخذي لها للحدائق و عن لا مبالاتي بعيد ميلادها.. و عن عدم اكتراثي بثوبها الجديد التي تحبه.. و عن نهري لها عندما تفك ضفائرها او عندما تتمايل بأقدامها الصغيرة على موسيقى سعيدة.. وسأعتذر أيضا عن قولي لها دائما.. ما دمت تأكلين و تشربين فلا ينقصك شئ..

وسأعتذر لإبني الذي سأشتري له اللوح الرقمي بدلا من أي كتاب مفيد يثري عقله..
سأعتذر له لأنه يوم ان يجلس جواري على نفس الاريكه.. لن أحتضنه بكلتا يداي.. بل سأنشغل عنه بهاتفي..
سأعتذر له لأنه سيتخذ مني قدوة.. و انا لست بخير قدوة.. فأنا لن أشجعه على أهمية التعاون معنا في المنزل.. و لا حسن التواصل مع الغير.. بل سيتعلم مني كيف يكون شخصا نمطيا ينتظر العوده من العمل إلى الفندق المنزلي حتى يأكل و ينام.. كيف لا.. و انا سأعود كل يوم مرهق من السعي وراء تلك اللقمه.. لقمة العيش.. بدافع اني اوفرها له و لأن هذا واجبي..

أولادي الأعزاء..
بعد كل تلك الاعتذارات.. اعتقد اني قد وجدت حلا.. ربما لن يكون منطقيا عند البعض.. و لكني دائما افكر خارج الصندوق كما تعلمون..
لقد اتخذت قرارا .. انا لن احضر لكم الخبز كل يوم.. نعم.. لن افعل..
بل إفتراضا.. سأحضر قمحا.. ربما سنزرعه يوما ما سويا.. لأني سأدخر من وقتي و جهدي الكثير من أجلكم.. فسنطحن القمح و نعجن الخبز و نشعل الموقد.. و لو افتراضيا.. سنعد كل شئ سويا.. فهكذا سأشارككم حياتكم.. و هكذا ستتعلمون مني كيف يكون الإنسان المؤثر الفعال النافع لنفسه و غيره..
أعدكم يا أحبائي .. أن لن يأخذني منكم هاتف او تلفاز.. بل ستجمعنا لعبة جديده نستكشفها معا..
لن يكون همي الأوحد من يتواصل معي على المواقع.. بل سيكون همي الأول انه عندما نسمع الأذان ان نقيم الصلاة سويا..
سأعلمكم يا صغاري كيف نتواصل مع الله.. و كيف ننقي قلوبنا.. و كيف نطهر أرواحنا.. و كيف نكون آباءا بحق..”
.
.
.
.
.
يدق هاتفه.. فيستفيق من تفكيره المبالغ فيه.. عندما يرى ان صديقه استشعر غيابه فاتصل به ليذكره بموعد محاضرته التاليه..
.
.
.
.
يضع النقود على الطاوله.. يأخذ معطفه و كتبه.. و آخر رشفه قهوة.. و يقول في نفسه و هو يقضم منها.. “سامحك الله يا لقمة الخبز”

 

 

image

 

 

قد يعجبك ايضآ
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.