ما لا تعرفه عن يوم شم النسيم
بقلم المؤرخ والباحث في علم المصريات الدكتور أحمد عبد الصبور

ما لا تعرفه عن يوم شم النسيم
يوم عيد شمّ النسيم هو عيد مصري قديم ، كان أجدادنا المصريون يحتفلون به مع مطلع فصل الربيع ، حيث يأتى يوم شم النسيم فى اليوم التالى لرأس السنة القبطية وعيد القيامة المجيد ، ” شم النسيم ” يرتبط كثيراً لدى كثير من المصريين بالخروج إلى المتنزهات والأماكن العامة والحدائق وضفاف النيل ، لكنه يرتبط أيضاً لدى الكثيرين بتناول البيض الملون والأسماك المملحة والمدخنة مثل ” الرنجة والفسيخ ” ، ولكن ما السر وراء حرص المصريون على تناول تلك الأطعمة تحديداً في ذلك اليوم، وما سر إرتباطه أو تزامنه مع “عيد الفصح” المسيحي أو اليهودي؟
سوف نقدم في التقرير التالي الأسباب الكاملة التي توضح سر ظهور تلك الأطعمة ، ومدى إرتباط “شم النسيم” في مصر بـ”عيد الفصح”، وكذلك كل الأراء التي تعلقت بيوم عيد شم النسيم :-
عرَّض الأسم للتحريف على مرِّ العصور، وأضيفت إليه كلمة “النسيم” لإرتباط هذا الفصل بإعتدال الجو وطيب النسيم ، وما يصاحب الإحتفال بذلك العيد من الخروج إلى الحدائق والمتنزهات والإستمتاع بجمال الطبيعة .
كان يطلق على هذا اليوم أسم “شمو” والتي أقتبست منها كلمة “شم النسيم” ، وكان ينظم الفراعنة فيه إحتفالا كبيراً ، بسبب ما يعرف بـ”الانقلاب الربيعي” أو تساوي الليل مع النهار.
كلمة “شم النسيم” swm `nnicim هي كلمة قبطية ( والمقصود هنا بقبطية أي أنها كلمة مصرية قديمة ” هيروغليفية ” ) ، وهى لا تعني ” إستنشاق الهواء الجميل “، بل تعني : ” بستان الزروع ” .
“شوم” swm تعني “بستان”، و”نيسيم” nicim تعنى “الزروع” وحرف “إن” بينهما للربط مثل of في الإنجليزية ، فتصير الكلمة “شوم إن نسيم” بمعنى “بستان الزروع” ، وقد تطوَّر نطق الكلمة مع الزمن فصارت “شم النسيم” التي يظن الكثيرون أنها كلمة عربية ، مع إنها في الأصل قبطية (مصرية) .
ويوجد رأي آخر وهو تفسير جديد لأصل تسمية شم النسيم تغاير ما عرف عن الأصل المستمد من كلمة شمو ، والتي تعني فصل الحصاد ، حيث أن شم النسيم لم تحرف لفظياً كما يعتقد بعض علماء الآثار واللغة بل هي كلمة مصرية قديمة خالصة مرت بتطور عبر الزمن ، وكتبت في مصر القديمة (شم – سم) ثم نطقت في القبطية (شوم سيم) حتى وصلت إلى شم النسيم .
حيث أن نظرية البحث الجديد تستند إلى تفسير حرف (ش) في اللغة المصرية القديمة والتي تكتب بشكل مستطيل يرمز إلى بركة المياه التي تتوسط الحدائق وكلمة شم تعني إخرج أو أنزل أو تحرك ، وتم ربط مخصص أسفله لقدم إنسان مما تفيد الخروج إلى البركة ثم البومة والتي تعني حرف الميم وكلمة (سم) تعني نباتات أو بستاناً ورسم المخصص للكلمة حزمة من النباتات .

حيث أن العامية المصرية هي مزيج متجانس متواصل بين اللغة المصرية القديمة والقبطية والعربية ، ويتوافق هذا التفسير الجديد لكلمة شم – سم مع إهتمام المصري القديم بالحدائق والزهور وتصويرها على جدران المقابر ، مثل مقبرة الكاتب نب أمون من تصوير أزهار اللوتس طافية على سطح الماء لبحيرة تتوسط حديقة بها أسماك ويحيط بالبحيرة شجر الجميز والدوم والتين الشوكي والنخيل .
وذلك حيث أن التاريخ المصري القديم سجل حدائق النبلاء في مناظر مقبرة (انني) المهندس المعماري الخاص بالملك تحتمس الأول حيث سجل على جدران مقبرتة رقم 81 في طيبة عدد 73 شجرة جميز، و31 شجرة لبخ ، و170 نخلة، و120 شجرة دوم، وخمس شجرات تين، و12 شجرة عنب، وخمس شجرات رمان، و16 شجرة خروب، وخمس شجرات نبق، كما عرفت مصر القديمة مهنة كبير البستانيين ومنسق الزهور المقدسة وهو (مين نخت) الذي عاش في عهد الملك أمنحتب الثالث وكان يدعى بستاني القرابين المقدسة لأمون، كما صور في مقبرته بطيبة أجمل باقات الزهور المصرية ، وهو أكبر مشتل زهور مصور في الآثار المصرية.
ومن أشهر ما قيل عن يوم شم النسيم ما قاله المؤرخ الإنجليزي” إدوارد ويليام لين ” عن زيارته للقاهرة عام 1834م ، ورصده لعيد “شم النسيم”: “شاهدت إحتفالات صاخبة يجتمع فيها جميع فئات الشعب المصري من أغنياء وفقراء ، ويُبَكِّرون بالذهاب إلى الريف المجاور، راكبين أو راجلين، ويتنزهون في النيل ، ويتجهون إلى الشمال على العموم ؛ ليتَنَسَّموا النسيم ، أو كما يقولون ليشموا النسيم ، وهم يعتقدون أن النسيم — في ذلك اليوم- ذو تأثير مفيد ، ويتناول أكثرهم الغذاء في الريف أو في النيل”، والغريب في الأمر أن تلك العادات لا يزال يمارسها كثير من المصريين حتى الآن .
تزامن بالصدفة يوم “شم النسيم” مع عيد الفصح اليهودي والمسيحي، وذلك لأن “عيد الفصح” هو تزامن مع مناسبة إحتفال بني إسرائيل بالخروج من مصر مع النبي موسى .
حيث أن بني إسرائيل أختاروا الخروج من مصر، وقت إحتفال الفراعنة بـ”شم النسيم”، حتى لا يلفتوا إنتباههم وكثير منهم منشغل بالإحتفال .
أما بالنسبة لتزامنه مع “عيد الفصح” المسيحي ، فيرجع إلى أن يوم “شم النسيم” كان يتوافق بصورة كبيرة مع موعد “عيد القيامة”، وعند إنتشار المسيحية في مصر، كانا العيدين متلاحقين ، لذا حرص المصريون في تلك الفترة على الإحتفال بعيد القيامة يوم الأحد ثم “شم النسيم” يوم الأثنين التالي له مباشرة ، خاصة وأنه بحساب التقويم القبطي حينها ، كان “عيد القيامة” بشهر “برمودة” يتلازم ورائه كل عام “شم النسيم”.
إن شم النسيم أحتفل به قدماء المصريين منذ عام 2700 قبل الميلاد، وحددوا عيد الربيع بميعاد الإنقلاب الربيعي ، وهو اليوم الذي يتساوى فيه الليل والنهار وقت حلول الشمس في برج الحمل يوم 25 من شهر برمهات ، وكانوا يحتفلون بالإعلان عن ذلك اليوم بليلة الرؤية حيث يجتمعون أمام الواجهة الشمالية للهرم الأكبر في الساعة السادسة من ذلك اليوم حين يظهر قرص الشمس قبل الغروب، وخلال دقائق محدودة يبدو كأنه يجلس فوق قمة الهرم ، وقد توصل العالم الفلكي والرياضي البريطاني “بركتور” إلى رصد هذه الظاهرة ، وتمكن من تصوير لحظة إنشطار واجهة الهرم في عام 1920م ، كما أستطاع العالم الفرنسي “أندريه بوشان” – في عام 1934م – تسجيل تلك الظاهرة المثيرة بإستخدام الأشعة تحت الحمراء ، فقد أهتم المصريون منذ القدم بعيد شم النسيم إهتمام خاص جداً حتى التاريخ المعاصر.
ويرى بعض المؤرخين أن الإحتفال به كان معروفاً ضمن أعياد هيليوبوليس ومدينة أون عاصمة مصر في العصور القديمة ، وكانوا يحتفلون به في عصر ما قبل الأسرات ، حيث كان المصريون القدماء يعتقدون أن ذلك اليوم هو أول الزمان ، أو بدأ خلق العالم كما كانوا يتصورون .
أن يوم عيد شم النسيم لا علاقة له بأي دين ، فهو عيد مصري قديم أحتفل به قدماء المصريين ، حيث تتجدد الحياة ، وكانوا يعتقدون أن ذلك اليوم هو بدء خلق العالم ، وسجل على جدران المعابد أن المعبود رع يقوم في ذلك اليوم بالمرور في سماء مصر داخل سفينته المقدسة ويرسو فوق قمة الهرم الأكبر ، وعند الغروب يبدأ رحلته عائداً للأرض صابغاً الأفق باللون الأحمر رمزاً لدماء الحياة ، الذي يبثها من أنفاسه إلى الأرض معلناً موت المعبود (ست) إله الشر .
أن علاقة شم النسيم باليهودية والمسيحية مجرد صدفة حيث إن بني إسرائيل حين خرجوا من مصر كان ذلك اليوم يوافق موعد إحتفال المصريين ببدء الخلق وأول الربيع (عيد شمو) وأطلق عليه اليهود يوم الخروج أوالفصح وهي كلمة عبرية معناها (إجتياز) وأشتقت منها كلمة (بصخة) إشارة إلى نجاتهم ، وهكذا أتفق عيد الفصح العبري مع عيد شمو المصري، ثم أنتقل الفصح بعد ذلك إلى المسيحية لموافقته مع موعد عيد القيامة ولما أنتشرت المسيحية في مصر، أصبح عيد القيامة يلازم عيد المصريين القدماء ، حيث يأتي شم النسيم يوم الاثنين الذى يلي عيد القيامة، وهو العيد الأكبر عند المسيحيين، ويكون الإحتفال بهذا العيد يوم الأحد بعد فصح اليهود لا معهم ولا قبلهم .
فقد أخذ اليهود عن المصريين إحتفالهم بهذا العيد ، فقد كان وقت خروجهم من مصر – في عهد “موسى” – مواكباً لًإحتفال المصريين بعيدهم ، وقد أختار اليهود – على حَدِّ زعمهم – ذلك اليوم بالذات لخروجهم من مصر حتى لا يشعر بهم المصريون أثناء هروبهم حاملين معهم ما سلبوه من ذهب المصريين وثرواتهم ؛ لإنشغالهم بالإحتفال بعيدهم ، ويصف ذلك “سِفْر الخروج” من “العهد القديم” بأنهم: “طلبوا من المصريين أمتعة فضة وأمتعة ذهب وثياباً ، وأعطى الرَّب نعمة للشعب في عيون المصريين حتى أعاروهم ، فسلبوا المصريين ” .
وأتخذ اليهود ذلك اليوم عيداً لهم ، وجعلوه رأساً للسنة العبرية ، وأطلقوا عليه أسم “عيد الفِصْح” – وهو كلمة عبرية تعني : الخروج أو العبور – تيمُّناً بنجاتهم ، وإحتفالاً ببداية حياتهم الجديدة .
وعندما دخلت المسيحية مصر جاء “عيد القيامة” موافقًاً لإحتفال المصريين بعيدهم ، فكان إحتفال المسحيين “عيد القيامة” – في يوم الأحد ، ويليه مباشرة عيد “شم النسيم” يوم الإثنين ، وذلك في شهر “برمودة” من كل عام ، وسبب إرتباط عيد شم النسيم بعيد القيامة هو أن عيد شم النسيم كان يقع أحياناً في فترة الصوم الكبير ومددتة 55 يوماً كانت تسبق عيد القيامة ولما كان تناول السمك ممنوع على المسيحين خلال الصوم الكبير وأكل السمك كان من مظاهر الًإحتفال بشم النسيم فقد تقرر نقل الإحتفال به إلى ما بعد عيد القيامة مباشرة ، ومازال هذا التقليد متبعاً حتى يومنا هذا .
وأستمر الإحتفال بهذا العيد في مصر بعد دخول الإسلام تقليداً متوارثًاً تتناقله الأجيال عبر الأزمان والعصور، يحمل ذات المراسم والطقوس ، وذات العادات والتقاليد التي لم يطرأ عليها أدنى تغيير منذ عصر الفراعنة وحتى الآن .
آكلات شم النسيم :-
أن الأكلات الشعبية المرتبطة بعيد شم النسيم لها أصول مصرية قديمة لأن العيد نفسه هو عيد مصري قديم .
إن هذا اليوم يتحول فيه الإحتفال بعيد “شم النسيم” – مع إشراقة شمس اليوم الجديد – إلى مهرجان شعبى ، تشترك فيه طوائف الشعب المختلفة، فيخرج الناس إلى الحدائق والحقول والمتنزهات، حاملين معهم أنواع معينة من الأطعمة التى يتناولونها فى ذلك اليوم، مثل: البيض ، والفسيخ ( السمك المملح ) ، والخَسُّ ، والبصل ، والملانة ( الحُمُّص الأخضر ) .
هذه الأطعمة ذات طابع خاص أرتبطت بمدلول الإحتفال بذلك اليوم عند الفراعنة – بما يمثله عندهم من الخلق والخصب والحياة .
بدأ الأمر في الإحتفال الفرعوني بعيد “شمو”، الذي تغير فيما بعد إلى مسمى “شم النسيم”، والذي كان يحرص فيه قدماء المصريين على الخروج إلى المساحات الخضراء الواسعة وعلى ضفاف النيل لقضاء اليوم كاملاً هناك ، وكان يأخذ معهم المصريين أطعمتهم المفضلة ، كي يقضوا اليوم كاملاً ، ولا يحتاجون إلى الذهاب إلى منازلهم إلا في نهاية اليوم ، وحرص الفراعنة على أن تكون أطعمتهم منها “البيض”، لأنه يرمز لهم بـ”خلق الحياة من الجماد”، وهو الطعام الذي كان مقدساً، وظهر في برديات الإله “بتاح” — إله الخلق عند الفراعنة”.
حيث صوَّرت بعض برديات منف الإله “بتاح” إله الخلق عند الفراعنة وهو يجلس على الأرض على شكل البيضة التى شكلها من الجماد.
وكذلك كان البيض يرمز إلى خلق الحياة كما ورد في متون كتاب الموتى وأناشيد إخناتون ؛ ونقش البيض وزخرفته أرتبط بعادة قدماء المصريين وهي نقش الدعوات والأمنيات على البيض ثم يعلق في أشجار الحدائق لتحقيق الأمنيات مع الشروق .
حيث كان يحرص المصريون القدماء على تناول البيض ، وينقشون على كل بيضة دعواتهم وأمنياتهم للعام الجديد ، ويعلقونها في سلال على شرفات المنازل ، حتى تنال بركات “الإله بتاح” عند شروق الشمس ، وهو ما تحول في وقت لاحق إلى تلوين البيض .
أما تناول، الفسيخ والأسماك المملحة ، فكان يحرص دوماً الفراعنة على تمليح أسماكهم ، حتى لا تفسد ، في الفترة التي يقل فيها الصيد.
وتعد أيام “شم النسيم” بالنسبة للمصريين القدماء، ليست من أوقات الصيد المثالية ، لأنها تأتي بعد فصل الشتاء ، وقبل فصل الصيف الذي يكثر فيه الصيد ، لذلك كانوا يتناولون دوماً تلك الأسماك المملحة تيمناً بقرب عودة موسم الصيد .
أن الفسيخ ( السمك المملح ) من بين الأطعمة التقليدية في شم النسيم منذ الأسرة الخامسة عندما بدأ الاهتمام بتقديس النيل نهر الحياة ، حيث ورد في متونه المقدسة أن الحياة في الأرض بدأت في الماء ويعبر عنها بالسمك الذي تحمله مياه النيل من الجنة ، وقد ذكر المؤرخ الإغريقي هيرودوت أن قدماء المصريين كانوا يأكلون السمك المملح في أعيادهم ويرون أن أكله مفيد في وقت معين من السنة وكانوا يفضلون نوعاً معيناً لتمليحه وحفظه للعيد أطلقوا عليه أسم (بور) وهو الأسم الذي حور في اللغة القبطية إلى (يور) وما زال يطلق عليه حتى الآن .
أما بخصوص البصل فهو من ضمن أطعمة عيد شم النسيم منذ أواسط الأسرة السادسة ، وأرتبط ظهوره بما ورد في إحدى أساطير منف القديمة أن أحد ملوك الفراعنة كان له طفل وحيد وكان محبوباً من الشعب ، وقد أصيب بمرض غامض أقعده عن الحركة وعجز الأطباء والكهنة والسحرة عن علاجه ولازم الفراش عدة سنوات وأستدعى الملك الكاهن الأكبر لمعبد آمون لعلاج الطفل فعالجه بثمار البصل .
حيث كان البصل من بين الأطعمة التي حرص المصريون القدماء على تناولها في تلك المناسبة ، وقد أرتبط عندهم بإرادة الحياة وقهر الموت والتغلب على المرض ، فكانوا يعلقون البصل في المنازل وعلى الشرفات ، كما كانوا يعلقونه حول رقابهم ، ويضعونه تحت الوسائد ، وما زالت تلك العادة منتشرة بين كثير من المصريين حتى اليوم .
وكان الخس من النباتات المفضلة في ذلك اليوم أيضاً، وقد عُرِف منذ عصر الأسرة الرابعة ، وكان يُسَمَّى بالهيروغليفية “عب”، وأعتبره المصريون القدماء من النباتات المقدسة ، فنقشوا صورته تحت أقدام إله التناسل والخصوبة عندهم وهو الإله ” ميـن ” رب الخصوبة عند المصريين القدماء .
وقد لفت ذلك أنظار بعض علماء السويد – في العصر الحديث- فقاموا بإجراء التجارب والدراسات على نبات الخس ، وكشفت تلك البحوث والدراسات عن حقيقة عجيبة ، فقد ثبت لهم أن ثمة علاقة وثيقة بين الخس والخصوبة ، وأكتشفوا أن زيت الخس يزيد في القوة الجنسية لإحتوائه على فيتامين (هـ) بالإضافة إلى بعض هرمونات التناسل .
ومن الأطعمة التي حرص قدماء المصريين على تناولها أيضًا في الإحتفال بعيد “شم النسيم” نبات الحمص الأخضر، وهو ما يعرف عند المصريين باسم “الملانة”، وقد جعلوا من نضوج ثمرة الحمص وإمتلائها إشارة إلى مقدم الربيع .
وتعود أصول ومراسم الإحتفال بيوم عيد شم النسيم إلى إشتراك جميع طوائف الشعب حيث يعد مهرجان شعبي ، فشعبياً تعود المصرى القديم أن يبدأ صباح هذا اليوم – كما جاء فى البرديات القديمة – بإهداء زوجته زهرة من اللوتس وكان القدماء يطلقون على هذا اليوم عيد الربيع ، وكان قدماء المصريين يحتفلون بذلك اليوم إحتفالاً رسمياً كبيراً حيث يجتمعون أمام الواجهة الشمالية للهرم قبل الغروب ليشهدوا غروب الشمس ، فيظهر قرص الشمس وهو يميل للغروب مقترباً تدريجياً من قمة الهرم حتى يبدو للناظرين وكأنه يجلس فوق قمة الهرم وتخترق أشعة الشمس قمة الهرم ، فتبدو واجهة الهرم أمام أعين المشاهدين وقد أنشطرت إلى قسمين .
يبدأ الفراعنة بالإحتفال في الليلة الأولى بمظاهر الإحتفالات الدينية ، التي عرفت ب «ليلة الرؤية» التي ورد ذكرها في عدد من البرديات التي تُعلن مولد الزمان ، ثم يتحول العيد مع شروق الشمس إلى عيد شعبي تشترك فيه جميع طبقات الشعب حتى فرعون نفسه وكبار رجال الدولة .
(( عيد شموش ))
أطلق المصريون القدماء (الفراعنة)على ذلك العيد أسم (عيد شموش) أى بعث الحياة ، وحرِّف الأسم على مر الزمن ، وخاصة فى العصر القبطى إلى أسم (شم) ، وأضيفت إليه كلمة النسيم نسبة إلى نسمة الربيع التى تعلن وصوله ، ويخرج المحتفلون بعيد ” شم النسيم ” في جماعات إلى الحدائق والمتنزهات ؛ ليكونوا في إستقبال الشمس عند شروقها ، حاملين طعامهم وشرابهم ، ليقضوا اليوم في الًإحتفال بداية من شروق الشمس حتى غروبها ، فتتزين الفتيات بعقود الياسمين ” زهر الربيع”، ويحمل الأطفال سعف النخيل المزين بالألوان والزهور، وتُقام حفلات الرقص على أنغام الناي والمزمار والقيثارة ، وتصاحبها الأغاني والأناشيد الخاصة بعيد الربيع .
و كان إحتفال المصريين القدماء بعيد شم النسيم مثل إحتفال الصينيين القدماء بعيد دوانوو بمسابقة قوارب التنين نوعاً ما ، حيث يضعون زورقاً شمسياً على سفينة مزخرفة جميلة لتسير مع تيار النيل ، بينما يدق الرهبان والجنود الطبول ويغنون على شاطىء النيل ، ويتمتع الفرعون والوزراء و الكهنة والجماهير بذلك المنظر ويفرح الأطفال وهم يركضون ويصيحون فرحين .
ويذكر المؤرخون أن هذا العيد هو التقليدى الأقدم والأعظم لكل المصريين، وقيل إن المصريين القدماء يرون أن مجىء عيد شم النسيم يعنى مجىء الربيع وإنبعاث الكائنات .
أن “الإحتفال بشم النسيم إحتفال طبيعي وجميل ، حيث إن هذا اليوم يتحول فيه الإحتفال إلى مهرجان شعبى ، تشترك فيه طوائف الشعب المختلفة ، والجدير بالذكر : أن يوم عيد شم النسيم يعد عيد مصري خالص ، حيث أن عيد شم النسيم أقدم من الديانتين – المسيحية واليهودية – فهو عادة مصرية قديمة منذ آلاف السنين لذلك أعتاد المصريون على الإحتفال بيوم شم النسيم وقدوم الربيع .
إن “الفتاوى التي تخرج لتحرم الإحتفال بشم النسيم تُفتِت وحدة الشعب المصري ، حيث أنه لا بد من الإكثار من الإحتفالات ، لأنها توطد العلاقات بين المصريين ببعضهم البعض . “
أن الشعب المصري يمتلك مخزوناً حضارياً يمكنه من التصدي لأي محاولة لإفساد فرحة المصريين بالمناسبات القومية ، لقد أستمر الإحتفال بهذا العيد في مصر بعد دخول الإسلام تقليداً متوارثًاً تتناقله الأجيال عبر الأزمان والعصور، يحمل ذات المراسم والطقوس، وذات العادات والتقاليد التي لم يطرأ عليها أدنى تغيير منذ عصر المصريون القدماء ( الفراعنة ) وحتى الآن .
