قبل الزواج نرى مثالية الانطباع وبعد الزواج نرى اختلاف الطباع فتتضح لنا الصورة التي لم نكمل من قبل كل تفاصيلها.
فلماذا نرى أن الصورة التي عرفناها قبل الزواج مختلفة تماماً عن بعد الزواج؟ ماهي الأسباب؟ هل تغير من كنا نعرفه من قبل وأصبح شخصاً لا نعرفه؟ أم أننا رسمنا له صورة تحمل جانباَ واحداً من جوانب شخصيته فكان الاختلاف بعد أن رأينا الجانب الآخر ؟ ولماذا دائما نسأل أين ذهبت الصورة الأولى؟
تلتقط المرأة صورة عن الرجل الذي سوف يكون زوجها ويلتفت الرجل صورة عن الفتاة التي ستصبح زوجته، في لقطة سريعة جدا للوهلة الأولى من المعرفة، يرى فيها وتري فيه جانباَ واحداً هو ذلك الوجه المضيء الذي يرغب أن يراه، ثم نبقي تلك الصورة محفورة ومحفوظة في خيالنا، مثالية الانطباع، لا تشوبها أي شائبة، ولا يخالطها أي عيب من العيوب، هكذا ما نرغب به ونتمناه أن يكون، نغفل ونغمض أعيننا ولا نحاول في أن نفتش وننبش في أي تفاصيل، لكن نصطدم بالواقع فتصبح الصورة مخالفة للواقع.
والسؤال هنا حين يأتي الزواج وبعده لكلا الطرفين يكون، لكن من الرجل يصبح السؤال أكثر إلحاحاً، وكأنه جاء بمطرقة ليطرق بها رأس زوجته، ولا يمل من تكراره، ألا وهو لماذا صرت هكذا؟ لماذا تغيرت طباعك عن التي كنت من قبل عنك أعرفها؟ لماذا أصبحت في تفكيرك رجعية؟ لماذا ولماذا ولماذا؟
حقا تساؤلات غريبة، تجعل الزوجة في حيرة من أمرها ، ولا تجد ما تصمت بها الأفواه بإجابة يقتنع بها فلا يعاود تكراره مرة أخرى بعدها، متعجبة منه فهي ترى في داخلها أنها لم تتغير للأسوأ بل كان تغيرها دائما للأفضل في محاولة لإرضاء زوجها، لكن ترى عكس ما كانت تتوقع منه من رد فعله العجيب والمحبط لمعنوياتها في كل مرة.
المزيد من المشاركات
والتفسير هنا، هو أن الرجل بصورته الأولى عنها كانت للجانب الإيجابي، فلو تعمق في فهم كل جوانب شخصيتها من البداية لم يكن أبدا هناك اختلاف في هذه الصورة، كيف لا يكون على هذا التفكير وهو الذي تربى من البداية تربية غير سوية، حيث كانت نشأته في أسرة دائما كانت تفرق بين الذكر والأنثى، أخذ منها معتقداً خاطئاً وهو أن المرأة دورها في هذه الحياة ليس سوى خدمة الرجل وطاعته دون أن يكون لها أدني الحقوق في الرفض أو القبول أو إبداء الرأي، فكان عند اعتراضها له كزوج يعد ذلك مخالفاً لما تربي عليه وتعوده، هذا إلى جانب أن الزوج لا يدرك في تعامله سوى أن يحصل على ما يريد منها دون رفض منها تحت أي ظرف من الظروف ودون أيضاً أن يراعي مشاعرها أو أن يفهم ظروفها النفسية والجسدية واختيار الوقت الذي يناسب وقبولها لرغبته ورغبتها في أمر ما فلا يصبح هناك أي توافق فيما بينهما، فكان هذا أيضاً سبباً يضاف لتلك الأسباب التي غيرت الصورة والانطباع السابق عنها.
والأمر لا يقتصر عن رفض الزوجة بواقعها عن صورتها التي صارت مختلفة على حد زعم الزوج عنها، بل يمتد ليشمل وابلاً من الإحباطات القاتلة لمعنوياتها، والتي تفقد معها الزوجة ثقتها بنفسها، الأمر الذي قد يجعلها تقدم غصباً على طلب الطلاق منه، وإن تعذر ذلك لظروف الإجبار من الأهل قد تنهي حياتها منتحرةً ظناً أن ذلك هو السبيل الوحيد والخلاص من واقعها المرير، للتخلص نهائيا من هذه الاتهامات المقصودة القول، الكاذبة للواقع والقاصدة إحباطها وكسر عزيمتها وهزيمة قوتها، وذلك باتهامها الدائم بالتقصير في واجباتها، وكذلك بوصفها إما بزيادة وزنها الذي صارا مفرطاً في بعض الأحيان، أو اتهامها بالنحافة في أحياناً أخرى، أو قصر هامتها، أو كبر سنها المفاجئ وظهور تجاعيد على وجهها، أو خلو فمها من الأسنان، وغيرها وغيرها من تلك الأشياء التي لم يكن لها ذنباً فيها وفي حدوثها وقد لا تكون فيها مطلقاً لكن قاصداً إحباطها دائماً.
وأخيراً إن الله قد جعل الزواج سنة بين البشر من أجل البقاء والاستمرار والتكاثر، وجعله الله أيضاً للتعارف فيما بينهم، وجعل ذلك بعقد مشروع، لكل طرف فيه حقوقاً، هي في ذات الوقت واجبات على الطرف الآخر، وجعل الله فيه أيضاً مودة ورحمة بهذا الرباط، وجعل الزوجة سكناً للرجل، حين قال الله سبحانه وتعالى ﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾
[ الروم: 21]
فإن فقد السكن مفردات الراحة فيه لم يصلح البقاء به، فعلى الزوجة أن تعمل جاهدة على أن تجعل من نفسها سكنا لزوجها ليشعر معها بالراحة حين يدخل هذا السكن،
ولكي يبقى هذا السكن والبنيان الذي فيه الزوجة قويا وقائما، على الزوج أن يتقي الله في زوجته وأن يقبل بها عيوباً ومميزات، وإن وجد بها مميزات يباركها، وإن كان بها عيوباً يقومها بالحسنى ، وإن استحال الوصل فيما بينهما فليسرحها سراحاً جميلاً دون أن يهين أنوثتها ويحافظ على ما كان منها من جميل وخير سرا يبقى بداخله منها أثراً طيباً دائماً.
المقال التالى
قد يعجبك ايضآ