محيي الدين في صالون ماسبيرو: عصر النظام الاقتصادي العالمي القديم قد ولى.. وتحيز السياسة يعيق النمو

 مبعوث الأمم المتحدة يتوقع تصدر الصين للاقتصاد العالمي خلال عقد.. ويشيد بنموذج "الآسيان" للتعاون الإقليمي المنفصل عن الخلافات السياسية

في أمسية ثقافية فكرية متميزة، استضاف صالون ماسبيرو الثقافي، المنعقد في استديو أحمد زويل، الدكتور محمود محيي الدين، المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة لأجندة التمويل 2030 ووزير الاستثمار الأسبق، حيث ألقى محاضرة ثرية حلل خلالها تحولات خريطة القوى الاقتصادية العالمية، معلقا بأن “النظام الاقتصادي العالمي السابق قد انتهى”، و مؤكدا على الحاجة الملحة إلى “تحييد السياسة لصالح الاقتصاد” لتحقيق الازدهار والاستقرار.

تغير تراتبية القوى.. وصعود الصين القادم

افتتح محيي الدين حديثه بتشريح دقيق للتحولات الجذرية التي يشهدها الاقتصاد العالمي، مشيرا إلى أن تراتبية القوى الاقتصادية لم تعد كما كانت عليه. فبينما هيمنت دول محددة لعقود، ها هي الخريطة ترسم من جديد. وأوضح أن بريطانيا، القوة الاستعمارية والعالمية السابقة، قد خرجت من نادي الدول الخمس الكبرى، لتحل محلها الهند التي قفزت لتحتل المركز الثالث على مستوى العالم، تليها الولايات المتحدة الأمريكية وجمهورية الصين الشعبية في الصدارة.

ولم يكتف محيي الدين بالإشارة إلى تغير المراكز فحسب، بل استند إلى بيانات دقيقة نشرتها صحيفة “نيويورك تايمز” لتأكيد تفوق الصين النوعي، مشيرا إلى تقدمها في 60 مؤشرا من أصل 66 مؤشرا اقتصاديا و تنمويا مقارنة بالولايات المتحدة. وفي ظل هذه المنافسة الضارية، لفت إلى أن واشنطن لم تقف مكتوفة الأيدي، بل تسارع لبناء تحالفات وتجمعات اقتصادية وتجارية جديدة لمواجهة الصعود الصيني.

وتوقع المحلل الاقتصادي المخضرم، قائلا: “من المتوقع أن تتفوق الصين على أمريكا لتحتل المركز الأول عالميا خلال أقل من عشر سنوات”، في إشارة إلى أن هيمنة القطب الواحد آخذة في الزوال لصالح نظام متعدد الأقطاب.

من اقتصاد الأرض إلى اقتصاد الإنسان والأفكار

كما انتقل محيي الدين إلى صميم فلسفة الاقتصاد نفسه، قائلا إن قواعد اللعبة قد تغيرت بشكل جذري. فلم يعد “الاقتصاد الكلاسيكي” القائم على امتلاك الأرض الكبيرة، وحجم السكان، ووفرة الموارد الطبيعية، والإدارة التقليدية هو المعيار الوحيد للقوة. لقد حل محله اقتصاد جديد، أصبح رأس ماله الحقيقي هو “الإنسان” و”الأفكار” والإبداع والابتكار والمعرفة.

ورأى أن هذا التحول يعد بمثابة فرصة تاريخية لمصر و لدول كثيرة لتعيد تعريف موقعها في الخريطة الاقتصادية العالمية. فالدولة التي تستثمر في مواطنيها، في التعليم، والصحة، والبحث العلمي، وخلق بيئة حاضنة للأفكار والمشروعات الابتكارية والناشئة، هي التي ستبني المستقبل وتضمن مكانا لها تحت الشمس.

 

الشرق يعلم العالم: دروس من تجربة “الآسيان”

وفي جزء آخر من حديثه، تطرق محيي الدين إلى الوضع الإقليمي العربي. مقارنا إياه بتجربة ناجحة في آسيا، وهي تجربة “رابطة دول جنوب شرق آسيا” (ASEAN). وقد أشاد بالنهج العملي الذي تتبناه هذه الدول. والذي يقوم على مبدأ بسيط لكنه عميق: “العمل فيما هو موضع اتفاق، وتجنب ما هو موضع خلاف”.

كما أوضح أن هذه الدول تنجح في تنحية خلافاتها السياسية و الأيديولوجية جانبا. وتغليب مصالحها الاقتصادية المشتركة، مما يسمح لها بالتقدم والنهوض بشكل جماعي. ويحول منطقة كانت مليئة بالصراعات إلى قوة اقتصادية صاعدة.

كما وجه محيي الدين رسالة واضحة للحاضرين و للمسؤولين، مؤكدا أن هذا النموذج “يجب أن يكون حاضرا في التجربة العربية”. فبدلا من أن تكون السياسة و عقباتها حاجزا أمام التكامل الاقتصادي. يجب تحييدها لصالح بناء تكتل اقتصادي عربي قوي، يعود بالنفع على جميع شعوب المنطقة.

نخبة فكرية في حوار مفتوح

كما شارك في النقاش الذي أعقب المحاضرة نخبة من كبار الكتاب والمثقفين والإعلاميين، الذين تفاعلوا مع أفكار محيي الدين العميقة. وكذلك أدار اللقاء ببراعة الخبير الاقتصادي عبد الفتاح الجبالي. رئيس مدينة الإنتاج الإعلامي، بحضور الكاتب أحمد المسلماني. رئيس الهيئة الوطنية للإعلام، مما أضفى طابعا رسميا و جادا على الأمسية. حيث مثلت نموذجا للحوار الراقي والبناء الذي يليق بمكانة صالون ماسبيرو الثقافي كمنصة للفكر المستنير.

قد يعجبك ايضآ
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.