مخاوف الميتافيرس وأفاتار بين الواقع والخيال في عالم بلا حدود

مخاوف الميتافيرس وأفاتار بين الواقع والخيال في عالم بلا حدود

بقلم: د/أحمد مقلد

غالباً ما يتدافع إلى خيالنا قصص وأحداث ربما تكون قابلة للتصديق وربما لا،

ولكن مع تغول دور الآلة ونتيجة إنتصار المادية على العاطفة،

وتغلب المصلحة الشخصية على المصالح العامة فقد أصبح المقياس السنوي لرجال المال والأعمال هو حجم الثروة لأغني أغنياء العالم

والوصول لقوائم أصحاب المليارات وربما نحتفل قريباً بمن يتخطى تلك القيمة المالية، ومع ذات الحدث وهذا الهدف ربما نخسر الإنسان ذاته.

لا تعتقدوا أننى ضد الغني والثراء، ولكن أعلموا أنى مع التوازن الطبيعي لرعاية من لم يملك الثروة ومن أجتهد ليضع المال في خزينة صاحب الثروة،

ولكوننا لسنا في المدينة الفاضلة التي عاشها الصحابة والتابعين وبرضا نفس،

فقد تخلي ابا الدحداح عن بستانه والذي أحتوي على 600 نخلة وبئره وجدار حتى يفوز بنخلة في جنة الأخرة وحتى يحقق رغبة شاب يتيم

وقد تدخل لينقذه من جور جاره عليه وفاز بالجنة فقال له الرسول صلي الله عليه وسلم مراراً (كَمْ مِنْ عِذْقٍ رَدَاحٍ لِأَبِي الدَّحْدَاحِ فِي الْجَنَّةِ).

ولا أطلب من أي شخص أن يتخلى بماله لغيره بدون وجه حق ولكن الدين والشرع السماوي جعل للفقير حق مشروع في مال الغني وبشروط محددة

، ولكن ولغياب الوازع الديني والخلقي سمحنا لأنفسنا أن يكون بيننا فقراء يطلبون الغوث والمعونة وبلا مؤونة فأين الأغنياء من رعايتهم لمن لا يملكون من حياتهم غير أنفاسهم ونبضات قلبهم،

وفي ظل التغير المناخية والناتجة عن تغول الدول الصناعية على الطبيعة فخرقوا قوانين السلامة وازدادوا تلويثا للبيئة رغم كل التحذيرات وبقي الفعل دائراً والحديث متداولاً ولا حياة لمن تنادي.

 

وفي ذات الواقع المرير يحاول صاحب شركة فيسبوك (مارك زوكربيرغ) أن يخلق عالم افتراضي لا يمت للواقع بصلة فقد أضاف حياة كاملة وبشكل بديل عن الحياة الواقعية،

ومن خلال تفاعلات خيالية للبشر داخل عالم من الواقع الافتراضي والمدار من خلال الذكاء الاصطناعي

، ومن خلال تلك الوسيلة الحديثة يدخل الإنسان داخل عزلة ذاته ليحيا في عالم من صنعه ووفق أمانيه، وبدعم من وسائل التواصل الاجتماعي.

وبهذا يكون قد وقع فريسة سهلة لترك الواقع الذي يعتمد علي البناء والتعمير بسواعد الشباب ليكون الخيار الأسهل هو الهروب من مرارة الواقع عبر تقنيات تعتمد على الذكاء الصناعي في تكوينها

وتنقل مستخدمها لفاعليات وأحداث وعلاقات ربما تمثل بعد جديد للمشاكل والأحداث التي لا تخلو من الجريمة والتحرش والبحث عن اللذة ودون أدنى رقابة فجميعنا نعيش الخيال ولدمج الخيال بالواقع أوجد (مارك زوكربيرغ)

وسيلة لمنح المستخدم الإيحاء عبر بعض المعالجات التي تضفي الواقعية على الشخوص في عالم الافتراضية وتمنحهم خامة مغلفة لتلك الشخصيات المتداخلة في الميتافيرس حتي تمنح الشعور والإحساس بالمحاكاة لجميع المشاعر المرتبطة بحياته من ألم وسعادة وعاطفة ولذة وغير ذلك مثلما حدث في الفيلم الأجنبي (Avatarأفاتار).

 

وهل يتصادف أن يتم الإعلان عن هذه التقنية الحديثة مع الإعلان عن جمع الكيانات العملاقة للتواصل الاجتماعي تحت مسمي جديد وهو (ميتا Meta) وينقسم معني «ميتافيرس» إلى شطرين الأول Meta وهو الاسم الذي جمع وسائل التواصل الاجتماعي،

والمقطع الثاني Verse وهي مشتقة من Universe وتعني العالم، وبهذا يكون المعني هو (العالم الماورائي)،

ومع كل يوم يتجدد الحديث عن الميتافيرس وتخطيه لمبدأ الحدود بين الدول فمن خلال الواقع الافتراضي يتم تخطي قيود المجتمع والقوانين والتخلي عن المشاعر المباشرة إلى البحث عن مشاعر تفاعلية غير واقعية لا ينتج عن مخالفتها عقوبة ولا مسألة فالأصل في الأمر أنه عالم من الخيال نحياه لنهرب من الواقع.

والسؤال هنا هل سيكون البشر في تعاملاتهم القادمة محتاجين للارتباط والإنتماء لأوطانهم أو الارتباط بعقائدهم ودياناتهم؟

وهل ستجمعهم علاقات سليمة قائمة على الشرائع والعقائد والعرف السائد؟ جميعها أسئلة ومخاوف من هذا الشبح الخفي في عالم الظلمة،

ولكن مع تغولنا في السعي داخل غابة الاغتراب وبلوغ الذروة بالتخلي عن الواقعية مع السعي للتفاعلية من خلال الواقع المعزز،

لذا أعتقد أننا سوف نرى عالم جديد وفكر منحرف لن يبني الأوطان ولكن سيدمر أملها في البناء وسيكون هناك أجيال تميل لمشاعر التخلي واللامبالاة والنزعة نحو الهروب والعزلة من كل البشر من خلال واقعه البديل ومصدر تحقيق أحلامه عبر خيال الآلة

، ومع تكرار التجربة تتأصل القيمة ويصبح التخلي عنها مستحيل.

ولكون المصاب جلل والخطر القادم لن يخلو من ضحايا فإني احذر من عواقب تلك المأساة وما سوف تنقله لنا من عواقب من خلال هؤلاء المتفاعلين داخل (الميتافيرس)

لكونهم حين يعودون من مصدر سعادتهم المبني وفق إرادتهم سوف يجدون الواقع الذي يهربون منه وبهذا سيحدث التعارض في البناء القيمي للمجتمع وستتغير درجة وطبيعة وعيهم للأحداث نتيجة التشويش الناتج من التعارض بين الواقع والخيال،

وربما ستزيد معدلات الجريمة وتشيع ظاهرة الانتحار الفردي والجماعي نتيجة العزلة والهروب من مواجهة العلاقات التفاعلية المباشرة مع البشر، وربما سيتخلى الأجيال عن مورثهم ومعتقدهم ويسيروا نحو الهوى والرغبة والمنفعة لتكون هي القيمة

، فإذا لم تصدق رؤيتي ومع الأيام والأحداث قد تكون العاقبة أليمة والأيام ربما تخفي في طياتها ما لم نكن نتوقع حدوثه فبعد أن كنا نتحدث عن مفهوم الغربة والاغتراب صرنا نتحدث عن ما بعد الاغتراب والغربة والسير نحو العزلة التامة.

وإذا كانت الدول قد صاغت قوانينها لضبط وتنظيم التعايش السلمي بين البشر في حياتهم،

لذا اتمني من أهل القانون أن يصوغوا الدساتير والقوانين الحاكمة لهذا الواقع الافتراضي

، وضبط السلوكيات الناتجة من التفاعل الغير مشروط نتيجة التفاعل مع أشخاص من ثقافات وبيئات مختلفة وربما شاع التخلي عن الموروث الثقافي والتخلي عن التصنيف فلا مجال للحديث عن دين ولا لغة ولا حدود بين المتعايشين في هذا الواقع الافتراضي

وبشكل مجسم ومتدفق الأحداث والمشاعر ورغم زيفه الا ان المتعامل مع تلك التقنيات الحديث ربما سيكون مذبذب الشخصية بين واقع يعيشه وخيال يستمتع به.

قد يعجبك ايضآ

التعليقات مغلقة.