مذكرات شبح قصة قصيرة ….بقلم مصطفى حسن سليم

مذكرات شبح
قصة قصيرة ….بقلم مصطفى حسن محمد سليم
انهمرت قطرات المطر في عنف شديد ،وهي ترتطم بزجاج نافذة المكتب في تتابع سريع، لايقطعها سوي صوت الرعد والبرق الذي يضئ غرفة المكتب، في ومضات خاطفة من حين إلي آخر ،في حين جلست مديحة تتأمل كل ذلك في هدوء شديد وهي تطلق زفرة مليئة بالملل ،وهي تمد يديها لتفتح درج المكتب وتخرج الأجندة الموضوعة داخله ،وبدأت تقرا العنوان المكتوب عليها في هدوء، مذكرات المهندس شريف حمدي بصوت عالي ،وشعرت بالسعادة وهي تتصفح صفحات الأجندة ،عندما توقفت عند الصفحة المطوية داخلها ،وبدأت تقرأ والدموع قد ترقرقت في عينيها، اليوم اشعر بالفخر عندما تخرجت أبنتي مديحة من الجامعة، وقد اعددت لها مفاجأة الهدية التي وعدتها بها من قبل عند تخرجها السيارة، اشعر هذه الليلة انني حققت كل ماأتمناه من رسالتي في الحياة، وهنا شعرت مديحة بيد تربت علي كتفها ،فاستدارت في سرعة وقد اصابها الفزع وهي تطلق صرخة مكتومة، عندما شاهدت والدها يقف خلفها قائلة له ابي انت ،ولم تستطيع أكمال حديثها فقد سقطت مغشيا عليها…
مرت دقائق قليلة علي فقدان مديحة الوعي، وبدأت تصدر آهة خافتة وهي تتحرك، وشعرت بتثاقل في جفنيها وهي تحاول ان تفتح عينيها ،وقد شعرت بالسعادة وهي تري امها تقف امامها، ثم نظرت بجوارها فوجدت والدها يجلس علي المقعد الذي بجوار فراشها، فصدرت منها صرخة خافتة وهي تقول له ابي هل انت مازالت علي قيد الحياة ؟!ألم ترحل من قبل!! وهنا نظر لها والدها وهو يبتسم ثم اختفي فجأة، اصاب مديحة الانهيار وهي تبكي في شدة، اقتربت منها امها وهي تحاول تهدئتها ،وهنا ادركت مديحة ايضا ان امها قد فارقت الحياة، وشعرت بالرعب الشديد وهي تنكمش في سريرها خائفة منها، وبدأت امها تحاول تهدئتها ومديحة تحاول الإبتعاد عنها ،فصرخت امها فيها قائلة لها كفي يامديحة، لقد رحلت انا ووالدك من قبل في حادث سيارة ، وانت مازالت ترفضين تصديق ذلك، وتصرين علي البقاء داخل ذكرياتنا في جدران هذا المنزل، فنظرت لها مديحة نظرة مليئة بالكراهية وهي تصرخ في وجهها غير مصدقة كلامها، وهي تقذف بكل شئ حولها في الغرفة في الهواء، وتصادف حدوث ذلك مع دخول صاحب المنزل إلي غرفة النوم هو وزوجته ،وقد تراجع إلي الخلف في خوف شديد ،وهو ينظر إلي زوجته في رعب قائلا لها يجب ان نضع حد لهذه المهزلة ،فأومات له زوجته برأسها وهي تحاول ان تستعيد هدوء اعصابها ،ووجهها يحمل كل آيات الرعب قائلة له ماذا ستفعل في ذلك الأمر ؟!فأشاح بوجه نحو الغرفة وهو يقول لها، يبدو أن هناك روح شريرة تسكن جدران هذا المنزل وترفض مغادرتة ،والوحيد الذي يستطيع ان يعرف ذلك هو وسيط الأرواح ،لقد كنت ارفض ذلك الأمر من قبل ،ولكن يبدو أن هذا هو الحل النهائي للتخلص من هذه الروح إلي الأبد، وشعر بالطمانينة وهو يضغط علي حروف جملته الأخيرة …
في مساء اليوم الثاني حضر وسيط الأرواح، الذي عندما دلف إلي الشقة شعر بعدم الراحة، واخذا ينظر في ارجاء المكان في سرعة وتتابع ،ثم اخذ نفسا عميقا وهو يقول لهم هل هناك شئ آخر حدث غير الذي قلته لي في الهاتف بالأمس؟؟ فنظر له صاحب المنزل وهو يقول له لا لقد مر اليوم في هدوء دون وجود اية احداث مثيرة، فبدأ علي وجه الرجل الارتياح وهو يقول لهم ان جلسة تحضير الأرواح تحتاج منكم إلي الهدوء التام ،وعدم الإنفعال لحدوث اي شئ اثناء الجلسة، ارجو منكم ان تقوما بتقدير ذلك قبل البدء في الجلسة ،هل لديكم هنا طاولة دائرية ؟؟فقال له الرجل نعم وهو يشير بيده نحو باب غرفة المطبخ ،فأبتسم الرجل وهو يحاول ان يضفي عليهم بعض الهدوء قائلا لهم حسنا سنبدأ الجلسة في غرفة المطبخ ،واندفع بخطوات مسرعة نحوها ولم يجد صاحب المنزل سبيل آخر غير ان يلحقه هو وزوجته إلي هناك ،جلس الرجل حول الطاولة بعد ان اغلق نور الغرفة وتشابكت ايدي الثلاثة ،وهنا بدأ الرجل يوجه اسئلة إلي الروح التي تقطن في المكان قائلا لها ارجو الأجابة علي اسئلتي بالطرق علي الطاولة، ثم بدأ في طرح الأسئلة قائلا للروح كم روح تقطن بداخل هذا المنزل ؟؟مرت ثواني قليلة عندما بدأ الطرق علي الطاولة ثلاث مرات ،شعر الرجل بالسعادة تغمره لأستجابة الروح له ،ثم قام بسؤالها مرة اخري السؤال الثاني ماهو سبب بقائكم في هذا المنزل هل كنتم تسكنون هنا من قبل؟! انتظر الرجل لحظات ولم يجيبه سوي الصمت ،فكرر السؤال ثانية ولم يجييه ايضا سوي الصمت ،فقام بتوجيه سؤال آخر قائلا لهم يجب ان تغادروا هذا المنزل ،وتعودا إلي عالمكم لقد سببتم الأزعاج لهذه الأسرة الصغيرة ،وهنا شعر الرجل بالطاولة ترتفع عن سطح الأرض واندفاع الأطباق من حولهم في كل اتجاه، ثم شعروا بالكراسي التي يجلسون عليها ترتفع عن سطح الأرض في بطء شديد ،ممادفع زوجة الرجل إلي الصراخ ،ثم فجأة عاد الهدوء يسيطر علي المكان مرة أخري ،وهنا شكر الرجل الروح وهو ينهي الجلسة ،ثم نظر إلي صاحب الشقة قائلا له يبدو ان هذه الروح تتمسك بالبقاء في هذه الشقة ولايوجد حل آخر غير ان تتركوا لها هذا المنزل، او تستمروا بالتعايش معها، وأظن ان هذا الأمر صعب عليكم، ثم شد علي يد الرجل وهو ينصرف قائلا له كان الله في عونك وعندما اغلق الوسيط باب الشقة خلفه مرت دقائق بطيئة وقد انهار صاحب الشقة علي اقرب مقعد له ،وهو يتلاشي النظر إلي وجه زوجته قائلا لها لن اغادر ذلك المنزل أبدا ،هذا منزلي ولن اتركه لأي سبب كان ،وهنا ثارت حوله عاصفة من الهواء الساخن ،وبدأت الأنوار تنطفئ وتعود إلي الأشتعال في سرعة شديدة ،وكل شئ حوله يتطاير من مكانه اسرع، الرجل إلي احتضان زوجته وهو يقول للروح حسنا نحن نستسلم، سنترك لكم المكان إلي الأبد واسرع نحو باب الشقة هو وزوجته مغادرا منزله إلي الأبد…
عندما اغلق الرجل الباب خلفه ،ظهرت مديحة وقد اتجهت إلي غرفة المگتب الذي عمتها جميع انواع الفوضي، التي احدثتها هي في المكان من قبل اثناء ثورة غضبها ،وقد اضاءت نور أباجورة المكتب وهي تخرج مذكرات والدها ،وفتحتها علي آخر صفحة قد كتبها والدها من قبل ،والتي ذكر فيها هدية تخرجها وهي تبتسم ،وعندما انهت قراءتها اغلقت الأجندة وهي تضعها علي سطح المكتب، ونظرت نحو باب الغرفة وهي تجد والدها يندفع منها وهو يمسك بيد امها قائلا لها الآن نستطيع ان ننعم نحن الثلاثة بالعيش في هذا المكان دون ازعاج من البشر ، اعتقد انه لايوجد إنسان عاقل في هذا العالم ،يستطيع ان يقطن في مكان واحد مع ثلاثة من الأرواح.

قد يعجبك ايضآ
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.