مرآة الذات: الخطوة الأولى لإصلاح كل شيء

لا تصلح العالم.. أصلح نفسك أولا

بين المراجعة والهروب: حين تكون مواجهة الذات أول خطوات الإصلاح

 

كتب باهر رجب

في خضم صخب الحياة وتزاحم مشاغلها، تبرز واحدة من أعظم المعارك التي يخوضها الإنسان، لا في الخارج، ولكن في أعماق نفسه. معارك العلاقات، الخلافات، الإخفاقات، والآلام التي نسببها للآخرين دون أن ندري،. وفي قلب هذه العاصفة، يقف خيار مصيري: الهروب إلى الأمام باحثا عن مبررات تبرئ ساحتنا، أو الوقوف بشجاعة أمام مرآة الذات لنسأل أنفسنا بمنتهى الصدق: هل أخطأت؟

هذه المراجعة الذاتية الصادقة هي اللبنة الأولى، بل الأساس المتين، لأي إصلاح حقيقي. إنها البوصلة التي تعيد توجيه سفينة حياتنا عندما تهدد العواصف بجنوحها عن مسارها.

حوار الضمير: اللحظة الفاصلة

عندما يحدث خلاف أو تصدع في علاقة ما، يندفع الكثيرون منا غريزيا إلى تحصين موقفهم، والبحث عن كل ثغرة في الطرف الآخر لتكون سهما في جعبتهم. لكن الإنسان الواعي، الذي يريد الخير لنفسه قبل أي أحد، يتوقف فورا. ينعزل قليلا مع ذاته، ويخوض حوارا صامتا لكنه أعلى صوتا من كل الضجيج:

1- “هل تجاوزت حدي في حقه؟”

2- “هل كانت كلمتي جارحة أو متعالية؟”

3- “هل استمعت إليه حقا أم كنت أردد حججي في رأسي فقط؟”

4- “هل كان هدفي الفوز أم الفهم؟”

هذه الأسئلة المحرقة تحتاج إلى شجاعة نادرة. شجاعة الاعتراف بأننا لسنا ملائكة، وأننا قد نخطئ حتى ولو كنا نظن أننا على حق. هذا الحوار هو انتصار للضمير الإنساني، الذي هو منارة الله في داخل كل منا.

 

من ينتصر حين نختار الصدق؟

عندما تختار مصارحة نفسك والاعتراف بالخطأ، حتى لو كان جزئيا، فإنك لا تخسر أبدا. بل أنت الرابح الأكبر:

أنت تنتصر على أكبر عدو:

غرورك. فتعلم التواضع وتخرج من دائرة تمجيد الذات.

تقطع الطريق على تكرار الخطأ.

لأنك لم تبرره، بل شخصته، وصار لديك وعي جديد يمنعك من الوقوع فيه مرة أخرى بسهولة. وحتى إذا وقعت، فستتعلم منه بشكل أسرع في المرة القادمة.

تبني شخصية أقوى وأكثر نضجا.

الشخص الذي يعترف بخطئه هو شخص واثق، لا يخشى النقد، لأنه يعلم أن الاعتراف فضيلة والتكبر هو العجز الحقيقي.

 

أما خداع الذات: فالسقوط في الحفرة ذاتها

على النقيض تماما، يختار البعض الطريق الأسهل ظاهريا، لكنه الأكثر وعورة و بؤسا على المدى الطويل: طريق خداع النفس. هنا تبدأ عملية التجميل القسري للواقع:

– نبدأ في نسج المبررات (“هو الذي بدأ”، “لم يفهمني”، “ظروفي جعلتني أفعل ذلك”).

– نلعب دور الضحية، ونقلب الموازين، حتى نصدق نحن أولا أكذوبتنا.

– نخنق صوت الضمير حتى يخور و يصمت.

في هذه اللحظة، تنتصر “النفس الإمارة بالسوء” – تلك القوة الداخلية التي تدعو إلى الشر و التمركز حول الذات. والنتيجة؟ يصبح الخطأ عادة، و الذنب صفة لاصقة. نكرر الأخطاء نفسها في حق أنفسنا وفي حق الآخرين، لأننا فقدنا البوصلة الأخلاقية التي ترشدنا. نعيش في دوامة من العلاقات الفاشلة والألم المتكرر، لأن الجرح الحقيقي لم يعالج، بل تم تغطيته بضماد من الأكاذيب.

وماذا بعد؟ مسرحيات التمثيل ودور الضحية

كم منا قابل أناسا آذوه بشدة، ثم خرجوا للعلن يتصدرون مشهد الضحية، يبكون على ألمهم هم، ويتهمون الآخرين بأنهم سبب شقائهم! إنها إحدى أعظم حيل النفس حين تعجز عن مواجهة حقيقة أنها الطرف المعتدي. فتختبئ خلف أقنعة البكاء والادعاء، وتقلب الحقائق رأسا على عقب، لتلبس الباطل ثوب الحق.

هؤلاء، في الحقيقة، هم الأكثر خسارة. هم يخدعون العالم لفترة، لكنهم لا يستطيعون خداع أنفسهم إلى الأبد، ولا يستطيعون خداع خالقهم طرفة عين. إنهم يبنون قصرا من وهم، و سيسقط مع أول نسمة ريح حقيقية.

الخلاصة: الحياة دار اختبار والآخرة دار قرار

القرار في النهاية قرارك. هل تختار راحة مؤقتة يتبعها ندم طويل، أم تختار وجع الاعتراف المؤقت يتبعه سلام دائم مع نفسك وربك؟ تذكر أن كل لحظة تمر فيها بموقف عصيب هي محك حقيقي لشخصيتك وأخلاقك.وأنك في الدنيا، بيدك وحدك، تبني بمطرقة اختياراتك وسندان أفعالك ملامح حياتك الأبدية في الدار الآخرة. فهل تبنىها بالصدق والشجاعة والطهارة الداخلية؟ أم بالكذب والجبن و تزيف الواقع؟

ابدأ بنفسك. راجعها بصدق. فالذي يصحح مساره لا يخجل من أنه ضل الطريق، إنما يخجل الذي يضل ويصر على ضلاله.

قد يعجبك ايضآ
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.