مسلسل الحشاشين دراما تاريخية تثير الجدل في عالم الخيال والتاريخ
ريهام طارق
مسلسل الحشاشين: نشأته و تأثيره
يعد مسلسل “الحشاشين” واحدا من أبرز الأعمال الدرامية التاريخية التي شهدتها الدراما العربية خلال الماراثون الرمضاني 2024، حيث تمكن من جذب انتباه الجماهير منذ بداية عرضه وذلك لـ موضوعه الجريء والمثير و المليء بـ التشويق والإثارة.
يتناول المسلسل قصة جماعة الحشاشين التي اشتهرت بالاغتيالات السياسية في القرن الحادي عشر الميلادي.
تدور أحداث المسلسل في إطار تاريخي يعود إلى فترة حكم الخليفة الفاطمي الحاكم بالقاهرة، ويسلط الضوء على الفرقة السرية المعروفة باسم “الحشاشين“.
تأسست فرقة الحشاشين في القرن الحادي عشر في جبال حضرموت باليمن، تحت قيادة إمامها الشيعيين نظرًا لتحولها إلى فرقة دينية وسياسية، و كانت هذه الفرقة تعتبر جزءًا من النظام الإسماعيلي الفاطمي، والتي كانت تقوم بمهام تجسسية واغتيالات تحت أوامر الإمام الفاطمي.
بالرغم من أن المسلسل يسلط الضوء على جوانب مختلفة من الحياة في تلك الفترة، إلا أنه يتسم أيضًا بالكثير من الجدل، حيث يتناول بعض الأحداث بطريقة قد تختلف عن التفاصيل التاريخية الحقيقية، مما دفع بعض النقاد إلى انتقاده واعتباره تشويهًا للتاريخ، بالتالي، يُعتبر مسلسل “الحشاشين” جزءًا من التراث الثقافي والتاريخي العربي، إذ يسلط الضوء على فترة مهمة في تاريخ المنطقة، وفي الوقت نفسه يشكل موضوعًا للنقاش والتحليل بين المشاهدين والنقاد على حد سواء.
التاريخ الإسلامي: رحلة الدين من بعثة النبي محمد صلى الله عليه وسلم إلى ظهور حسن الصباح
تعتبر بعثة النبي محمد -صلى الله عليه وسلم منذ أقدم الحقب التي شهدتها الأرض لنشر رسالة الإسلام،بدأت هذه البعثة في مكة، حيث قام النبي بنشر الدعوة الإسلامية وتعليم القرآن الكريم، وانتقل لاحقًا إلى المدينة المنورة، حيث أسس الدولة الإسلامية الأولى.
بعد وفاة النبي محمد صلى الله عليه وسلم، تولى الخلفاء الراشدون القيادة، وهم أبو بكر و عمر و عثمان وعلي -رضوان الله عليهم-. خلال فترة حكمهم، شهد الإسلام توسعا هائلا و تطورا في مختلف المجالات.
لكن مع مرور الزمن، حدث تقسيم في الأمة الإسلامية إلى فروع مختلفة، مثل السنة والشيعة، وظهرت مذاهب فقهية متعددة بعد الخلفاء الراشدين، جاءت الخلافة الأموية، ثم الخلافة العباسية، وشهدت هذه الفترات صراعات داخلية وتحولات سياسية.
في القرن الحادي عشر، ظهرت الخلافات بين الدول الإسلامية، وانعكست هذه الخلافات على الحياة السياسية والاجتماعية والدينية، و تدهورت حالة الخلافة العباسية وسط تزايد الفرق والمذاهب، وظهرت جماعات متطرفة مثل الخوارج .
في هذا السياق، يبرز دور بني سلجوق وظهورها كقوة سياسية هامة، حيث استولوا على السلطة واتخذوا شرعيتهم باعتبارهم حماة للخلافة العباسية، و لكن الواقع كان أنهم امتلكوا سلطة فعلية على الخليفة، وسط تدهور الدولة الفاطمية في مصر والمغرب.
وفي هذا السياق الديني والسياسي المضطرب، ظهر حسن الصباح، الذي أثار الجدل والانقسامات بفعل أدواره ومواقفه، وأصبح رمزا لـ التعقيدات التي شهدها العالم الإسلامي في ذلك الوقت، وبهذا يظهر أن تاريخ الإسلام ليس خاليا من التحولات والصراعات، وتأثيرها على الساحة الدينية والسياسية والثقافية للأمة الإسلامية.
الفدائيون: أبطال الظلام في القرن الـ11
في أعماق بلاد فارس، تناثرت بقايا الحروب والصراعات في القرن الـ 11، حيث أسس حسن الصباح فرقة لا مثيل لها من المخلصين للعقيدة الإسماعيلية وسماها بـ”الفدائيين”. هؤلاء الرجال، الذين لا يخشون الموت، بل يبتغونه في سبيل تحقيق هدفهم المقدس.
كانت أفعال الفدائيين تلقي بالرعب في قلوب الحكام والأمراء المعادين لهم، فقد انتشرت قصصهم البطولية والمظلمة في أرجاء البلاد. بينما يتقدمون في ليل السكون، ينثرون الخوف والفزع بين صفوف الخصوم، حيث تُبتلع الظلاميات أصوات خطواتهم المتواصلة.
لم يكن انتشارهم مجرد خرافة، بل كانوا يقتحمون القلاع والقصور بشجاعة لا مثيل لها، مخترقين حواجز الحراسة و الأسوار كما لو كانوا أشباحا تاركة وراءهم الدمار والخراب.
ومن خلال استهدافهم للشخصيات المهمة جدًا، نجحوا في تحقيق أهدافهم المظلمة حيث ارتفعت قائمة ضحاياهم، و استفحلت رعبهم في قلوب الحكام والملوك الذين شعروا بالعجز أمام هذه القوة المظلمة التي ترعب الأرض، بين الظلام والجرأة، استمرت ملاحم الفدائيين في القرن الـ11، محفورة في ذاكرة التاريخ كملحمة الظلام والشجاعة التي لا تنسى.
ويعتقد البعض أن لفظ “الحشاشين” جاء من مخدر “الحشيش”، إلا أن النصوص الإسماعيلية لم تشهد بالاستعمال الفعلي للحشيش من قبل اتباع الحشاشين، كما أن المؤرخين الرئيسيين النزاريين مثل الجويني الذين نسبوا كل أنواع الدوافع والمعتقدات لدى الطائفة، لم يذكرهم بالحشاشين المتعاطين للحشيش كذلك لم تذكر المصادر العربية معنى صريحا للكلمة، فما يذكر البعض أن الحشيش كان وسيلة تجنيد أتباع الطائفة، حيث كانت لحسن الصباح طريقة غريبة فى تجنيد أتباعه، إذ كان يأخذ الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين الثانية عشرة والعشرين تنشئهم تنشئة عجيبة تعتمد على تخديرهم بمخدر خاص يقال إنه الحشيش، وبعد ذلك يعمد إلى إدخالهم بعد أن تأخذهم السكرة إلى حدائق خاصة أنشأها لهذا الغرض تحتوى على ما لذ وطاب من المأكولات والجواري الحسان، و يخلى بينهم وبينها للاستمتاع فيها، ثم بعد ذلك يعمد إلى إيقافهم من سكرتهم وإعادتهم إلى حضرته ليطلب منهم بعد ذلك إن أرادوا خلوداً فى الجنة التي أذاقهم جزءاً من نعيمها أن ينفذوا ما يطلبه منهم.
وتحول موضوع المسلسل إلى ونقاش وجدال عبر مواقع التواصل التي انقسم روادها بين مشيد يثني على جمالية المشاهد البصرية وأداء أبطال المسلسل و منتقد يرصد الأخطاء التاريخية و يعيب على صناعة “الإسقاطات السياسية” واستخدام العامية.
مرت سته أيام على بداية الماراثون الرمضاني للدراما التليفزيونية ، استطاع فيها مسلسل “الحشاشين” أن يفرض نفسه على الساحة بقوة، بالرغم من حالة الجدل الكبرى بسبب سرد أحداث العمل.
ولا نستطيع أن ننكر أن مسلسل الحشاشين واحدا من الأعمال الدرامية المميزة للكاتب عبد الرحيم كمال،و المخرج بيتر ميمي التي شهدتها الساحة الفنية في رمضان 2024، حيث تميز العمل بأداء ممتاز من قبل فريق التمثيل المتميز بقيادة : كريم عبدالعزيز الذي دور زعيم الجماعة حسن الصباح، وفتحي عبدالوهاب و نيقولا معوض،ميرنا نور الدين، أحمد عيد، إسلام جمال، محمد رضوان، سامي الشيخ، عمر الشناوي، نور إيهاب، سوزان نجم الدين، ياسر علي ماهر، بسنت أبو باشا ، عابد عناني، عمرو مهدي ، شريف صبحي وعدد كبير من الفنانين، وضيوف الشرف، وغيرهم من النجوم الموهوبين
أشاد الكثير من النقاد، بجمالية المشاهد وأداء الأبطال، و انتقد آخرون الأخطاء التاريخية واستخدام العامية و الإسقاطات السياسية في العمل، و لم يكتف المسلسل بتقديم قصة مثيرة لجماعة الحشاشين و زعيمها حسن الصباح، بل استغل أيضًا فرصة لاستعراض جمالية المشاهد و للعب على وتيرة الإثارة والتشويق، ما ساهم في تحقيق نجاحه وانتشاره الواسع.
على الجانب الآخر، يجدر بالذكر أن النقاد أبدوا استياءهم من بعض الجوانب التاريخية واللغوية في المسلسل، مما أثار انتقادات حول دقة التمثيل التاريخي والاستخدام السليم للغة والمفردات. ومن المهم أيضًا أن نلاحظ أن استخدام العامية في المسلسل قد يثير بعض التساؤلات حول الأسلوب الفني المناسب لتقديم قصص تاريخية.
مسلسل الحشاشين: بداية مثيرة مع تحديات في سرد الحكاية
يستهل مسلسل “الحشاشين” بداية مشوقة تجسد أداء مغايرًا للعادة، حيث تتميز بموسيقى تصويرية رائعة تزيد من جاذبية الأحداث.
في الحلقات الأولى، ينخرط المشاهد في عالم معقد حيث يتقاطع الجريمة والسياسة والعواطف بشكل مدهش، وتتميز البداية بشخصيات معقدة وأحداث غامضة تثير الفضول، حيث يجد الكاتب طرقا مبتكرة لدمج المعلومات مع تطور الشخصيات وتقدم الأحداث بشكل أكثر سلاسة، ومع تطور الشخصيات، يتمكن المشاهد من الانغماس في عوالمهم الداخلية وتفاصيل حياتهم، مما يعزز من جاذبية القصة ويثري الجانب الدرامي بشكل فعال.
توجس جماعة الإخوان المسلمين من مسلسل الحشاشين: بين الخوف والتصعيد السياسي
عند عرض المسلسل، لم يتردد أعضاء جماعة الإخوان المسلمين في التعبير عن استيائهم و انتقادهم له بشدة وتبنت الجماعة مواقف قوية تدين المسلسل وتصفه بأنه محاولة لتشويه صورة الإسلام والمسلمين. وتجلى هذا التنديد في تصريحات علنية ومواقف اعتراضية على مختلف وسائل التواصل الاجتماعي.
من وجهه نظر الاخوان المسلمين، المسلسل ليس مجرد عمل فني، بل يُعَدُّ جزءًا من مؤامرة أو محاولة للنيل من سمعة الجماعة وتشويه صورتها في الرأي العام، ويتبنى الإخوان موقفًا دفاعيًا حيال ذلك، حيث يروجون لفكرة أنهم يدافعون عن قيم دينهم ومعتقداتهم، وينظرون إلى المسلسل على أنه جزء من حملة تشويه مدبرة ضدهم.
من جانب آخر، يمكن تفسير هجوم الإخوان على المسلسل على أنه استراتيجية للحفاظ على مكانتهم وسط المجتمع، والحفاظ على تأييدهم السياسي والشعبي يمكن للإخوان تأكيد وجودهم كقوة دينية وسياسية تدافع عن المصالح الإسلامية وتقف ضد أي محاولة للتشكيك فيها.
بالتالي، يظهر هجوم الإخوان المسلمين على مسلسل الحشاشين كجزء من الصراع الثقافي والسياسي في المجتمع، حيث يُظهر الجدل الناتج عنه تباين الآراء والمواقف حيال قضايا الدين والفن، ومن المهم أن يظل الحوار مفتوحا و مستندًا إلى الحقائق والمعرفة، مع احترام حرية التعبير والتنوع الفكري في المجتمع.
بشكل عام، تبدو بداية مسلسل “الحشاشين” تبرز بأداء مثير وموسيقى تصويرية رائعة، استطاع أن يجذب انتباه الجمهور ويحقق نجاحا كبيراً هذا تعكس قوة الدراما التلفزيونية في إثارة النقاشات وتحفيز التفاعل الثقافي بين الجمهور.
باختصار، يعد مسلسل “الحشاشين” تحفة دراميةتستحق المشاهدة لما يقدمه من تجربة مثيرة ومشوقة للمشاهدين.