مطلَّقة بين القيود المُكبِّلة والحرية المُطلَقة

Screenshot_٢٠١٩١١٢٤_١٤١٤٤٩

مطلَّقة بين القيود المُكبِّلة والحرية المُطلَقة

بقلم دكتورة / صفاء صفوت ”

أستميحكم عذراً إن خانتنى ألفاظى أو تعثرتُ شيئاً ما فى محاولة إيصال فكرتى ، ولكن ربما مبررى الوحيد أنى سأتحدث عن قضية لم أجربها شخصياً ، لم أعشها بشخصى ولكنى عايشتها بكيانى وأفكارى ، لم أبكِ لأجلها ألماً بعد ، ولكنى مسحت دموع الكثيرات ممن عانين منها ، إنها قضية المجتمع والمرأة المطلقة ، هذه المرأة تجد نفسها إذ فجأةً محل إهتمام وكذلك إتهام ، وبالرغم من تقارب الحروف ولكن البون شاسع ، وربما تؤذيها الحالتان فالإهتمام الشديد من أحدهم قد يُفسر ضدها ويتحول إلى إتهام ممن حولها ، هذه المرأة تظل فى نظر المجتمع الجانى ، بالرغم من أنها قد تكون المجنى عليها ، فهى إن اهتمت بمظهرها فالكل يجمع أنها تريد إيقاع ” عريس ما ” ، وإن أهملت فيه فهى حزينة ومكسورة من صدمة الطلاق ، وإن خرجت كثيراً مع صديقاتها فهى متحررة وجريئة ولا تراعى تقاليد المجتمع ، وإن انطوت فى بيتها فهى مكتئبة من هول الصدمة ، وإن لبست نقاب أو عبايات بعد الطلاق تتعالى الصيحات من البعض بأنها اهتدت وعرفت غلطها وستتقرب إلى الله وكأنها كانت ” كافرة” من قبل ، أو أن اللبس فقط هو الذى سيغير قلبها من الداخل فى غمضة عين ، مجتمع يصيبنى بالغثيان ، لذا قد نجد كثيرات من المطلقات سداً للثغرات ودرءاً للمفاتن ينطوين على أنفسهن ويتحفظن فى التعامل لدرجة قد تصل إلى العقد أو الإختناق ، فأنا شخصياً مع التحفظ جداً فى علاقة الرجل بالمرأة ، ولكن التعامل العادى فى العمل مثلاً أؤيده طالما لم يخرج عن الإطار المسموح وإلا تعطلت المصالح ، وبعضهن ينفتحن إنقتاح شديد ويضربن بكل القيم والأعراف عرض الحائط ولا يهمهن كلام الناس ، والحقيقة أن خير الأمور الوسط لا هذه ولا تلك ، فالتعامل الحذر المحترم والخروج مع صديقاتها فى حدود أفضل كثيراً من التطرف يميناً أو يساراً ، المجتمع لا يرحم هذه المرأة – مثل قصة جحا مهما فعل عابوه الناس ولاموا عليه – بل يضعها تحت المنظار دائماً ويحسب عليها كل نفس وليس كل خطوة بالرغم من معرفته التامة بأنها هى تلك الفتاة التى رباها فى حضنه ، ومن قبل وبعد الزواج هى تلك الفتاة المحترمة المهذبة التى تزوجت بسبب طيب أخلاقها وأصلها ” وأقصد هنا بالمجتمع المحيطين بها من أهل وأقارب وأصدقاء طفولة ” ، ولكن المفارقة بأنه مجرد ما أن يحدث لها الطلاق تمحى من ذاكرتهم كل حسنة أو ميزة فى تلك الفتاة التى أصبحت إمرأة ، وينظرون لها نظرة مكسورة الجناح اللى عايزة حد كل ثانية يطبطب عليها ويقولها يا عينى عليكى ، يا عينى على إيه بالضبط ؟!!! يا عينى على الغمامة اللى على عيونكم وعلى سطحيتكم فى حكمكم على الأمور ، يا عينى على سذاجة أفكاركم وظلمكم البين ، أنتم من تستحقون الشفقة وليست هى ، فهى ربما تكون أكثر ثقافة وعمقاً وجمالاً وتديناً وإستنارةً منكم جميعاً ، سأقول لكم قولاً ربما يكون صادماً للبعض ، ولكن كل إمرأة حرة عفيفة تشعر بذلك وتقره وتعلمه حق العلم ، إن المرأة الطبيعية المحترمة المتربية صح تأبى أن يلمسها أكثر من رجل ” حتى فى الحلال” ، فعندما كانت طفلة كانت أقصى أمانيها أن تكون لرجل واحد هو زوجها وتعيش وتموت وهو فقط من يظل فى حياتها وبين يديه ، وربما تكون تلك فطرة سليمة لا أعلم ، ولكنى متأكدة من وجودها حد اليقين فى الغالبية العظمى من السيدات ، ولذلك الله سبحانه وتعالى لم يحلل التعدد للمرأة وحلله للرجل تحت شروط أو من أجل ظروف إضطرارية ، لكن تأتى الرياح بما لا تشتهى السفن فواقع الأمر وظروف الحياة قد تجبرها أن تتزوج من ثانى أو ربما ثالث ” وهى كانت لا تريد ولا تتمنى” ، ولكن ماذا إذاً ؟!!! لو وقع نصيبها فى شخص غير مهذب ، يتعاطى المخدرات مثلاً ويخالط النساء ، أو بخيل أو لسانه جارح ومعاملته فظة ، أو منقاد لأمه إنقياد الأعمى على حساب بيتها ” ابن أمه” كما يقولون ، أو يستغلها مادياً ويعتبرها مجرد صفقة رابحة هى وأهلها ، هل تكمل حياتها فى هذه المهزلة من أجل المجتمع الظالم ؟!!! ، وبعد حدوث الطلاق ماذا لو قابلت من تتوسم فيه أن يحبها بصدق ويقدر قيمتها ويعوضها آلامها وحرمانها وشعرت بميل نحوه ، هل تبتعد عنه من أجل المجتمع الظالم الذى سيظلمها ويتكلم عنها فى كل الأحوال ؟!!! ، هنا تجد المرأة نفسها مضطرة لأن تتزوج ثانية وتعيد الكرة وربما تنجح ويعوضها الله ، وربما تفشل وتضيف خيبة لخيباتها النفسية والمجتمعية ، خلاصة القول وما أريد الهمس به فى أذن المجتمع أو ربما الصراخ به فى وجهه أن المحترمة محترمة فى كل الأحوال طفلة ، صبية ، مراهقة ، شابة ، مطلقة ، أرملة ، لم تتزوج بعد ، والعفيفة عفيفة فى كل الأحوال ، الطلاق لا يغير أحد والزواج لا يغير أحد واللباس لا يغير أحد ، فللقلب والضمير صوت آخر داخلى لا يسمعه أحد ، بل هو يصدر من وازع ورادع داخلى ، يقوم بإقامة حائط صد ونفور من أى شئ غير أخلاقى أو ضد الشرع والدين والتقاليد ، دون تدخل من أحد ودون وصاية من أحد ودع الخلق للخالق ، وما لم تجربه لا تتكلم ولا تتدخل فيه فكل نفس مثل الصندوق الأسود لا يعلمها إلا الله ، وهذا الصندوق أسود من الخارج وربما يكون من الداخل شديد البياض ، وربما يكون أكثر سواداً والحكم العدل هو الله ، رحمة بفتاة طُلقت بسبب ظروف خارجة عن إرادتها ، ربما اللائمين لو مروا بواحد على مليار منها لفقدوا عقولهم ، واعلموا أن أى إمرأة لا تحب ولا تريد أن تحمل هذا اللقب المُحلَّل من الله والمُجرَّم من المجتمع ، ولكن هناك ما أجبرها رغم أنفها على ذلك ، رفقاً بالقوارير وكفاية قسوة الحدث وربما تحملها لمسؤولية الأولاد وحدها كأنها مليار رجل فهى من تطعم وتشترى وتطبب وتذاكر وتقف فى المواقف الصعبة والأمراض المستعصية والظروف المادية القاسية أحياناً وحدها دون عون ، فرجاءاً كونوا عوناً وإخوة لها ، لا قناصين وصيادين للفرص وماكرين وخبثاء تتمنون لحظة ضعف أو هفوة أو غلطة منها أو ربما احتياج ، لتشرحوها وتكيلوا لها الإتهامات لا تكبلوها بقيودكم يكفى ما تكبل هى نفسها به من قيود ، وارحموا عزيز قوم ذل.

قد يعجبك ايضآ
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.