مقال نقدي عن القصة القصيرة: “مناقشة دكتوراه” بقلم د٠سحر سعيد

مقال نقدي عن القصة القصيرة: “مناقشة دكتوراه”     

بقلم د٠سحر سعيد     

تندرج قصة “مناقشة دكتوراه” بقلم / د. أحمد حافظ – الأديب والناقد ضمن القصص القصيرة التي تحمل طابعًا ساخرًا ومفارقة دلالية ذكية، وتثير تساؤلات حول القيم الاجتماعية، والحضور الشكلي في المناسبات، والعزلة الفعلية بين الإنسان وإنجازه.
تدور أحداث القصة حول شخصية محسن، الذي دعا أقاربه وأصدقاءه لحضور مناقشة رسالته لنيل درجة الدكتوراه. لبى المدعوون الدعوة بحماسة، وحضروا في وقت مبكر، لكن الساعي على نحو عبثي أجلسهم في قاعة أخرى غير قاعة المناقشة. وبينما انشغلوا بالحوارات الجانبية واسترجاع الذكريات، سمعوا عبر الميكروفون صوت التصفيق وإعلان حصول محسن على الدكتوراه، دون أن يشاهدوا شيئًا من وقائع المناقشة.
صورة
صورة
يحمل عنوان القصة “مناقشة دكتوراه” طابعًا أكاديميًا جادًا، يوهم القارئ بأنه مقدم على نص تقليدي يتناول لحظة علمية مهمة، لكن سرعان ما تنكشف المفارقة الساخرة، إذ لا “مناقشة” فعلية يشهدها الحضور، بل مجرد حضور صوري ومجتمعي باهت. السخرية والمفارقة:
يعد هذا العمل مثالًا جيدًا على استخدام السخرية الناعمة والمفارقة الوجودية فالقصة تسلط الضوء على الاحتفاء بالمظهر دون الجوهر وعلى ميل المجتمع للتركيز على العلاقات الاجتماعية والذكريات أكثر من الإنجازات الفردية.
التصفيق الذي سمعه الضيوف عن بُعد دون أن يعرفوا ماذا حدث داخل القاعة يعبر عن الاحتفاء الظاهري بالنجاح دون المشاركة الفعلية فيه.
الشخصيات:
القصة تتعامل مع جماعة لا أفراد، فلم يُذكر اسم أي من المدعوين، ما يعكس نظرة نقدية للمجتمع الذي يهتم بالحضور الاجتماعي والتجمع المناسباتي أكثر من الهدف الأساسي من الدعوة.
أما شخصية “محسن”، فتمثل الباحث الطموح الذي ربما كان يتوق لحضور داعم من أقاربه، لكنه كغيره من المجتهدين يعيش لحظة إنجازه بمفرده، في ظل غياب التقدير الحقيقي.
اللغة والأسلوب:
اللغة جاءت بسيطة، مباشرة، خالية من التعقيد، تتناسب مع الطابع الرمزي للنص. لكنها في ذات الوقت تعكس فوضى الواقع، ويتجلى ذلك في استخدام بعض الجُمل الطويلة التي تفتقر إلى علامات الترقيم المناسبة، مما قد يكون مقصودًا لخلق جو من “الارتباك الاجتماعي”.
الرمز والدلالة:
القاعة التي أُجلس فيها الضيوف تمثل الهامش الاجتماعي، أما القاعة الأخرى قاعة المناقشة فتمثل المركز الحقيقي للإنجاز لكن المفارقة أن الجمهور الحاضر في الهامش لم يُمنح فرصة الوصول إلى المركز، ما يعكس الفجوة بين الواقع والتمثيل الاجتماعي للواقع
القصة تنتقد بشكل غير مباشر مظاهر السطحية الاجتماعية والاكتفاء بـ “التمثيل الرمزي” للحضور والاهتمام، دون التفاعل الحقيقي مع اللحظات المفصلية في حياة الآخرين. إنها دعوة صامتة لإعادة التفكير في معنى الدعم، والحضور، والاحتفاء.
قصة “مناقشة دكتوراه” على قِصرها، تحوي في طياتها نقدًا اجتماعيًا رصينًا ومبطنًا بالسخرية الذكية، وتكشف عن مدى التناقض بين الواقع وما نتصوره عنه. لقد نجح الكاتب في تقديم مشهد حياتي بسيط، لكنه محمّل بالدلالات، تاركًا القارئ يتأمل في مكانه من مشهد التصفيق البعيد.
هل كنا يومًا في القاعة الخطأ؟
إقرأ للكاتب
  https://elmshahir.com/%d9%85%d9%86%d8%a7%d9%82%d8%b4%d8%a9_%d8%af%d9%83%d8%aa%d9%88%d8%b1%d8%a7%d8%a9_%d8%a8%d9%82%d9%84%d9%85_%d8%af_%d8%a3%d8%ad%d9%85%d8%af_%d8%ad%d8%a7%d9%81%d8%b8/
قد يعجبك ايضآ
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.