منة سعد: حلم لا يعتمد على ورقة حكومية
منة سعد: حلم لا يعتمد على ورقة حكومية

الفن هو لغة الحياة والمجتمع، هو إطار من المعاناة والسعادة
أيضًا، لا يعتمد على ورقة حكومية ليرتقي ولا ينتظر واسطة
لأن يظهر، هو دليل على أن جسد الحياة مازال ينبض بقلبها
الذي نحييه بفنوننا ومواهبنا، وحبذا لو كانت الموهبة متمكنة مما
هي عليه وأن تكون بالقدر الكافي من الثقافة والتأمل، وحبذا
أيضًا لو كانت الموهبة في الفن التشكيلي الذي عندما تراه
الحياة ترقص له وتتمايل، و تنثر عبيرها وعطرها عليه حتى
تقتبس بنهمٍ شديد هذه اللوحة التكوينية التي تعبر عنها، تصف
الألم بكامل تفاصيله، تتوغل إلى أعماق النفس حتى تخرج منها
ومعها بكل ما مر بها، ربما تدخل إلى أقصى أعماق النفس
وتخرج لنا بصورة مظلمة بها نقطة بيضاء فتكون هذه النقطة
بمثابة المعجزة التي قد تكون السبب في أن تنقذ الإنسان من
ظلماته التي سجن نفسه بها، فمن قال أن الفن لا يشفي؟ فمن
قال أن الفن ليس بطبيب، فهو طبيب الروح، فنان العقل،
المتأمل في جمال القلب.

حلم لا يعتمد على ورقة حكومية
سأتحدث اليوم عن موهبة متمكنة من أدواتها كفنانة تشكيلية، لم
تعتمد على ورقة حكومية ولا انتظرت دعم ولا مسؤولية،
عصفت بكل ما هو تقليدي، أخذته وبنت عليه بثقافتها؛ مبتكرة
لون جديد وطريقة مختلفة في صناعة هذا النوع من الفن،
وأخذت طريق مختلف في بنائه وتكوينه.
أكتب اليوم عن الفنانة التشكيلة “منة سعد” التي استطاعت أن
تدرك موهبتها في عمر صغير وأن تعانقها مشتاقة كاشتياق
الحبيب لحبيبته، واشتياق الطبيعة لراسميها.
وما أجمل أن تبحث الموهبة عن الأطفال فيتشبثوا بها حتى
تكبر معهم، حتى تعاني معهم في مراحل أعمارهم المتغيرة
والمتطورة والمختلفة بشكل كبير، “منة سعد” ذات ال29عامًا
التي أثرت بشكل كبير جدًّا في موهبتها لنفسها وللفن وللمجتمع
أيضًا وأضافت له الكثير.
فعندما تطلّع للوحاتها تجد نفسك ذهبت لوهلةٍ دون عودة إلى
رحلة من الزمن بعيدة إلى أعماق نفسك، وإلى تفاصيلها
الصغيرة، تجد ذاتك تواجه الحاضر والماضي في آنٍ واحد،
ترى أمامك المستقبل بشكلٍ واضح على هئيتها القاسية
والصعبة، فربما تجد مستقبلك سعيد وربما تجده عالق في
معاناة شديدة تودي بك اللوحات إلى أن تتأمله بشكلٍ أوضح
وتدرك معالمه الخفية، فلوحاتها قادرة أن تجسِّد لكِ أعماق
النفس بدقة كبيرة، التي تظهر على وجه الإنسان فتشعر كأنه
عابسًا أو متألمًا بشكلٍ كبير.
سيرة ذاتية
منة سعد من مواليد القاهرة 2/2/1992م خريجة المعهد العالي
للحاسب الآلي “نظم ومعلومات” وهي فنانة تشكيلية لها العديد
من الأعمال والمشاركات داخل مصر وخارجها، اكتشفت
موهبة الرسم من صغرها، فكانت تلهو مع كراسات الرسم
وألوان الشمع وهي في غاية السعادة حريصة على تنسيق
الألوان وصناعة صورة مضبوطة من حيث اللون، إلى أن
كبرت الموهبة معها كصديقٍ يلازمها في كل ما تفعل، يحتل
مخيلتها ويسيطر على عقلها، كانت تشعر بأن كل منظر جميل
تراه تريد أن ترسمه بريشتها الصغيرة.
إلى أن كبرت وأستطاعت أن تحدد ما تريد وفي أي مسار
ستذهب، فقررت أن تطوِّر من موهبتها بالقراءة والعمل والتعلم
من على منصات الإنترنت كل شيء يخص هذا النوع من الفن
حتى أتقنته بشدة وببديهية كبيرة، عانت بالطبع كثيرًا ولكنها
بذاتها وصلت للإحترافية.

فالفن هو العالم الهادئ والجميل الذي يذهب إليه كل بشريِّ،
مهما إن كانت شخصيته أو كم قساوته أو عنفه أو إجرامه،
فأتذكر بالطبع القائد الأعظم في تاريخ الحروب في العصر
الحديث “هتلر” الذي كان دموي الطباع وشديد الإجرام في
استراتيجياته في خوض الحروب ولكنه كان عاطفيًّا جدًّا عندما
يتعلق الموضوع بالفن التشكيلي والرسم، وأتذكر قولٍ مأثور له
عندما قال: “لن أستطيع الوصول للراحة النفسية في أي وظيفة
حكومية، سأكون رسامًا، ولن تقدر أي قوة في العالم على
جعلي موظفًا” وهذا هو ما قصدته بقولي أنها حلم لا يعتمد على
ورقة حكومية، فالراحة النفسية هنا الذي يقصدها هتلر هي
الرسم فحقًّا كم تدهشنا عجائب الفنون التي قادرة أن تغير
الناس أو أن تصنع لهم عالم مختلف عن الذي يعيشونه.
الموهبة وأثرها
طورت منة نفسها بشكل كبير جدًّا ذاتيًّا ولهذا السبب يجعلنا
نقف متعجبون مما سنشاهده من أعمال لها، فهل حقًّا الإنسان
قادر أن يعلِّم نفسه بنفسه إلى حدِّ الإتقان، في الحقيقة نعم،
وكثيرون من العظماء عبر التاريخ فعلوا ذلك وصاروا أساتذةً
في مجالهم الذي نمو فيه ونمى معهم، ونتذكر بالطبع “عباس
العقاد” في القرن الماضي أعظم مستخدم للغة العربية وكاتب
له قدر كبير من العظمة، ونحويّ ضليع، وقد علَّم نفسه بنفسه
لأنه رأى ما لم يراه أحد وأحب ما وهبه الله فأحبته الموهبة فصارا يتعانقان معًا في طريقهما كصديقان إلى بلوغ
الإحترافية حتى صار كاتبًا عظيمًا وأستاذًا في مجاله ومعلمًا
نرجع له في مرجعيات كثيرة.
