منتخب مصر والتتويج القارى بعد غياب .. حلم قابل للتحقيق 

 

بقلم …د/ محمد عونى

كان الصعود إلي الدور نصف النهائي انجازا في حد ذاته، لكنه فتح شهية الجمهور والاعلام والنقاد لمطالبة المنتخب بالعودة باللقب من بوركينا لتكون هي المرة الأولي التي تحقق مصر فيها الفوز باللقب خارج أرضها منذ فوزها بالبطولة الأولي في الخرطوم عام 1957.

 

حماس وترقب

زاد من الحماس والترقب أن القدر فتح الطريق أمام مصر باقصاء أبرز منافسيها، فالجزائر وغانا خرجتا من الدور الأول، فيما حمل دور الثمانية أولي مفاجأته بخروج أسود الكاميرون علي يد الكونغو الديمقراطية، ونجحت جنوب أفريقيا في الاطاحة بأسود الأطلس لتواصل الدفاع عن لقبها بجدارة واستحقاق، أما كبرى المفاجأت فكانت في الخصم المرتقب لمنتخب مصر حال تجاوزه لدور الثمانية، فالمنتخب التونسي الذي حرم مصر من التأهل لكأس العالم 98 سقط بضربات الجزاء أمام منتخب بوركينا فاسو المضيف.

 

ورغم ان تونس نجحت في ادراك التعادل في الدقيقة الأخيرة من المباراة التي سيطر عليها أصحاب الأرض، إلا أنها لم تتمكن من حسم المباراة في وقت التمديد، ليلعب الفريقان عشر ضربات جزاء لكل منهم، حتى يهدر سامي طرابلسي فيما سجل كوليبالي لبوركينا التي تقدمت لنصف النهائي لأول مرة في تاريخها.

 

بشرة خير 

وكانت بشرة خير للمنتخب المصري الذي لن يواجه أي من فرق شمال أفريقيا بعقدتها المستمرة، ولا فرق الغرب العنيدة.

إلا أن المنتخب كان يواجه صعوبات من نوع أخر، فأحد لم يتوقع أن يستمر المنتخب لهذه الفترة، وبدأ مخزون الطعام الذي اصطحبه الفريق في النفاد، وطلبت البعثة الاستعانة بطباخ السفارة المصرية لاعداد الوجبات خوفا من التعرض لأية مفاجأت حال الاستعانة بطباخي الفندق.

كما أن الفريق الذي لعب مبارياته في دور المجموعات في مدينة بوبوديولاسو التي تبعد 400 كم عن العاصمة، اضطر لتركها والتوجه الي واجادوجو لمقابلة كوت ديفوار، ولما وصل لدور نصف النهائي كان عليه العودة الي بوبوديولاسو من جديد، مما أدى لارهاق شديد للاعبين في ظل الظروف المعيشية الصعبة لبوركينا فاسو التي جعلت الجميع يترحم على الدورة التي استضافتها جنوب أفريقيا، ويحذر من البطولة القادمة المقرر اقامتها في مالي.

قمة المجد

منتخب بوركينا فاسو كان قد بلغ قمة المجد بقيادة المدرب الفرنسي فيليب تروسييه المعروف بالساحر الأبيض الذي جمع عددا من المحترفين في دوري الدرجة الثانية والثالثة في فرنسا وألمانيا وصنع منهم فريقا محترما، فبعد أن خسر بصعوبة امام الكاميرون، نجح في الفوز علي الجزائر وغينيا ليتأهل كثاني المجموعة، قبل أن ينجح في اقصاء تونس والوصول لنصف النهائي، وهو ما حشد الشعب كله خلفه وتلقى الفريق وعودا بمكافأت ضخمة في حال التقدم نحو المباراة النهائية، وربما تحقيق اللقب.

حضور المشجعين

في مصر كانت الأجواء مماثلة، فالجماهير التفت حول المنتخب، واستعاد الجوهري وضعيته التي بلغها بعد التأهل لكأس العالم 90، وتلقي هو ورئيس البعثة حازم الهواري اتصالات التهنئة من رئاسة الجمهورية ومن عبد المنعم عمارة، والطريف أن غالبية أعضاء الاتحاد اعتذروا عن رئاسة البعثة قبل السفر.

احدى شركات السياحة أعلنت عن تنظيم رحلات للمشجعين لحضور المباراة بتكلفة تبلغ 1450 جنيه بما يعادل نحو 420 دولار (الدولار وقتها يساوي 338 قرش).

الجوهري قال قبل المباراة أن فريقه المجدد عمره لا يتجاوز ستة أشهر، وأنه يفتقد اثنين من أهم لاعبيه هما هشام حنفي وهادي خشبة، وأنه يلعب بشكل واقعي بما يناسب قدرات لاعبيه البدنية، وأنه ليس قلقا من فشل لاعبيه في التسجيل في مباراتي المغرب وكوت ديفوار، مشيرا الي أن حسام حسن يبقي المهاجم الدولي الوحيد في مصر، وأن بديليه في القائمة تعرضوا للاصابة، فعبد الناصر محمد تم ترحيله لمصر للعلاج، فيما أصيب وليد عبد اللطيف بنزلة شعبية، وبالتالي يبقي حسام حسن وحيدا في مركزه.

 

إجبار وتراجع

استعد الجوهري للمباراة بدراسة مباراة بوركينا وتونس التي لعبت فيها الأخيرة بتحفظ كبير منح السيطرة لبوركينا فسجلت هدف التقدم ، ولم تتغير النتيجة الا بعد أن هاجمت تونس بشراسة وأجبرت الخيول علي التراجع، بتغيير طريقة اللعب وبعض اللاعبين حيث تحول الي 4 5 1 بوجود سمير كمونة ومدحت عبد الهادي وفي الجنبين ياسر رضوان ومحمد عمارة، وفي الوسط هاني رمزي واحمد حسن ومعهما اسامة نبيه اساسيا للمرة الاولي، كما فضل طارق مصطفى علي عبد الستار صبري علي الجهة اليسري فيما احتفظ حسام وحازم بمكانيهما.

قبل مغادرة المنتخب للفندق دخلت سيارة مسرعة إلي الحديقة وهي تجر خمسة خنازير مربوطة من رءوسها وهي تصرخ بطريقة مفزعة، قبل ان يفاجئ المتواجدون بالسيارة تدهس الخنازير لتغرق دمائها الأرض وتهرب، وهو ما فسره مرافقو المنتخب بأنه من أعمال السحر!.

مفاجأة

أحسن الاتحاد الأفريقي باسناد المباراة إلي الحكم الدانماركي كيم ميلتون الذي أدارها باقتدار، ومنح كل فريق حقه، وبدأ المنتخب المباراة بالضغط لمفاجأة أصحاب الأرض، ثم تراجع لالتقاط الأنفاس، وصمد نادر السيد ودفاعه لاسيما المثلث كمونة ومدحت وامامهما هاني رمزي، وكادت بوركينا تتقدم من تسديدة قوية لمسها نادر السيد بيده لترتطم بالعارضة وتخرج.

تحول المنتخب المصري للهجمات المرتدة لاستغلال سرعة ياسر رضوان ومحمد عمارة، وكاد حسام حسن يسجل برأسية من كرة عرضية متقنة من ياسر رضوان الا أن كرته أخطئت المرمي بسنتيمترات، ومن توغل ناجح لمحمد عمارة مرر كرة أرضية داخل منطقة الجزاء سددها حسام حسن بيسراه لترتد من الحارس الي حسام اسكنها المرمي قبل دقائق قليلة من نهاية الشوط الأول.

 

 

محاولات إدراك التعادل

واصل المنتخب البوركيني محاولاته لادراك التعادل واستمر تألق نادر والدفاع للزود عن مرماهم، وفي الدقيقة 70 يقدم المنتخب لوحة فنية مبهرة عندما يتبادل حازم امام الكرة مع طارق مصطفي لينفرد الأخير بالمرمي ويفاجئ الجميع باعادة الكرة بكعبه لحسام حسن الذي أودعها الزاوية اليمني بمنتهى الهدوء مسجلا هدفه السابع في خمس مباريات. كاد الفريق البوركيني يعود للمباراة مستغلا التراجع البدني الكبير للمنتخب حيث غالط ودراجو هاني رمزي داخل منطقة الجزاء وسدد كرة ارتدت من قدم نادر ليسددها تراوري برأسه لترتطم بالقائم ويشتتها الدفاع لتضيع أخطر فرص بوركينا فاسو، وينتهي اللقاء بتأهل مصر للمباراة النهائية.

 

 

وصلت حمى المنتخب إلي أقصاها بالتأهل إلي النهائي الأفريقي، وقررت شركة مصر للطيران تسيير رحلة خاصة للمشجعين إلي واجادوجو لرفع معنويات الفريق، وعلي أن يعود الفريق علي متنها نظرا لعدم وجود حجوزات علي أي طيران أخر قبل ثلاثة أيام، خاصة وأن المنتخب عدل موعد عودته ثلاث مرات!

 

استعدادات استثنائية 

ولم يكن الاستعداد للمباراة النهائية كغيرها من المباريات، فالمنتخب سيصطدم مرة أخرى مع جنوب أفريقيا التي سبق لنا قهرها علي أرضها عام 96 في هزيمتها الوحيدة في البطولة التي توجت بها، ولم يكن الفريق الحالي أقل بأسا من سابقه ، فبعد نجاحها في اقصاء المغرب العنيد في دور الثمانية اصطدمت بالكونجو الديمقراطية التي اطاحت بالكاميرون في دور الثمانية، حيث لعب الفريقان مباراة ممتعة تقدمت فيها الكونجو بهدف في بداية الشوط الثاني، الا أن بندكت ماكارثي أدرك التعادل لبلاده، والذي انتهي به الوقت الأصلي، قبل أن يعود في الوقت الاضافي ليحرز هدف الفوز والتأهل للنهائي ويرفع رصيده الي سبعة أهداف.

 

ونظراً لكون منتخب جنوب أفريقيا يعتمد على المهارة والأداء التكتيكي المتميز فقد قرر الجوهري العودة لطريقته الأصلية، واعاد عبد الظاهر السقا للدفاع لمواجهة ثنائية ماكارثي وماسينجا، فيما احتفظ طارق مصطفي بمكانه على حساب عبد الستار صبري.

 

تسديدات في أجواء حارة

المباراة أقيمت في درجة حرارة تجاوزت 35 درجة، وبدأها المنتخب على طريقة مباراة الجزائر 89، بهجوم مكثف أملا في حسم اللقاء مبكرا، لينطلق أحمد حسن بالكرة من منتصف الملعب ويقرر أن يسدد من مسافة بعيدة لتنطلق الكرة وتنحرف في الهواء مغالطة الحارس برايان بالوي وتسكن الشباك بعد 4 دقائق فقط وهو نفس توقيت هدف حسام حسن في الجزائر.

ويواصل المنتخب ضغطه علي غير المتوقع ومن ضربة حرة علي يسار منطقة الجزاء ينتظر الدفاع كرة عرضية، لكن هاني رمزي يفاجي الجميع ويمرر الكرة إلي حسام حسن الذي يضعها في طريق طارق مصطفى الذي وقف ضمن الحائط البشري ليضعها بمهارة بخراج قدمه علي يمين الحارس الذي خدع هو ومدافعيه ولم يحركوا ساكنا قبل أن تسكن الكرة في الشباك، ليتقدم المنتخب المصري بهدفين خلال اول 11 دقيقة من المباراة.

 

هجمات مهدرة

منتخب جنوب أفريقيا صعد هجومه بشدة ولكن دون خطورة حقيقية، فيما شكلت هجمات مصر المرتدة فرصا حقيقية أهدرها طارق مصطفى وحازم امام، وفي الشوط الثاني اعتمدت جنوب أفريقيا علي التسديد من بعيد نظرا لصعوبة اختراق الدفاعات الحديدية المصرية، وكاد جون موشوي يقلل الفارق لكن كرته ارتطمت بالقائم الأيمن، ويدفع الجوهري بعبد الستار صبري محل حازم المجهد بتعليمات باطالة وقت الهجمة والمراوغة لأطول فترة، ثم يشارك أسامة نبيه بديلا لطارق مصطفي، وتلجأ جنوب أفريقيا للكرات العالية في المنطقة الا أن نادر السيد لم تفلت منه كرة، علي الرغم من محاولات ماكارثي وماسينجا وفورتشن وحتى المدافع مارك فيش الذي تحول إلي مهاجم، ليطلق الحكم المغربي سعيد بلقولة صافرة النهاية لتتوج مصر باللقب الأفريقي بعد غياب 12 عاما.

 

 

الجماهير المصرية انطلقت إلي الشوارع بل سهرت للفجر تنتظر عودة المنتخب الذي وصل في الحادية عشر صباحا ليجد الرئيس السابق مبارك في انتظاره في المطار، وفي الشوارع احتشد مليوني مواطن علي طول الطريق واحاطوا بحافلة الفريق لم تشهدها مصر منذ سنوات طويلة.

اللجنة المنظمة اختارت نادر السيد أفضل حارس في البطولة بعد ان استقبل هدفا اعجازيا في ست مباريات، كما ضمت التشكيلة المثالية محمد عمارة وحسام حسن، وغاب عنها بشكل مدهش احمد حسن وهاني رمزي وحازم امام …..

قد يعجبك ايضآ
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.