“منيره المهديه بين الفن والسياسه!”
” منيره المهديه بين الفن والسياسه!”
كتبت/دعاء خطاب
الست (منيره المهديه) سلطانة الطرب، هي أول سيدة تقف على خشبة المسرح في مصر والوطن العربي بأكمله وأول مغنية عربية تم تسجيل إسطوانات موسيقية لها.
نشأتها:
ولدت الست منيره المهديه عام ١٨٨٥ في (المهدية-مركز ههيا) التابع لمحافظة الشرقية في جمهورية مصر العربية، إسمها الاصلي ( زكيه حسن منصور) توفي والدها وهي طفله صغيرة وقامت شقيقتها الكبري بمسؤلية رعايتها، بدأت منيره المهديه حياتها الفنية كمطربة تُحيي الحفلات والأفراح والليالي الملاح بمدينة الزقازيق، وذات يوم في عام ١٩٠٥ شاهدها أحد أصحاب المقاهي الصغيرة في القاهرة، فأعجب بجمال صوتها واستطاع إقناعها بالسفر إلى القاهرة للعمل بها، وسرعان ما ذاع صيتها ولُقبت بسلطانة الطرب في عصرها وقامت بإفتتاح ملهى خاصًا بها وأطلقت عليه اسم (نزهة النفوس)، تحول إلى ملتقى ادبي لرجال الفكر والسياسة والصحافة بفضل ما كانت تتمتع به من شخصية قوية وقيادية وما عُرف عنها من وطنيتها.
خشبة المسرح:
كانت أول أعمالها علي خشبة المسرح مع فرقة (عزيز عيد) في صيف ١٩١٥، لتقوم بأداء دور رجل إسمه (حسن) في رواية للشيخ (سلامة حجازي) بالرغم من كتابة إسمها علي افيشات المسرحيه كبطله اولي للعمل، فكانت بذلك أول سيدة مصرية تقف على خشبة المسرح، مما زاد الإقبال على المسرحيات وقتها وأصبحت فرقة عزيز عيد تنافس فرقة سلامة حجازي.
سفراتها :
قدّمت عدة حفلات غنائية في بلاد عديدة، لبنان والعراق وسوريا وتركيا وإيران وفلسطين وليبيا وتونس والمغرب، وقد امتدت سفراتها الي ٣ سنوات متتاليه في عام ١٩١٩، وخلال زيارتها للعراق كتب الشاعر (معروف الرصافي) قصيدة خصيصاً لها إعجاباً بها:
هلمّ إلى ذا الغناء الذي
منيرة منه أتت بالعجب
أليست منيرة في عصرنا
مليكة فنّ غناء العرب!!
منيرة المهدية في تركيا:
وفي جولتها التي امتدت إلي تركيا حينها؛ غنت منيره المهديه أمام ( مصطفى كمال أتاتورك) الذي كان من اهم رواد مسرحها في القاهرة، وعندما أُسدل الستار مُعلنا نهاية وصلتها الغنائيه طالب اتاتورك بألا تتوقف منيره عن الغناء ورُفع الستار مرةً أخرى لتظل تشدو طوال الليل وهو في نشوه عارمه من جمال صوتها.
حياتها الأسريه:
يُعد زواجها من مدير أعمالها (محمود جبر) هو اطول زيجاتها عمراً وقد كان اول ازواجها في عام ١٩٠٥ واستمر هذا الزواج مدة طويلة حتى حدث بينهما نزاع منتهياً بالطلاق، ثم تزوجت من ثاني ازواجها (حسن نديم )ثم (حسن كمال) ثالث ازواجها، تبعه أخيه (إبراهيم كمال) آخر ازواجها، ولم تنجب من تلك الزيجات الأربع سوى ابنتها الوحيدة (نعمات).
منيره المهديه ودورها السياسي:
كان كبار السياسين والأدباء في مصر والشام والسودان يجتمعون في مقهاها ( نزهة النفوس) وفي بيتها، ولم يتجرأ الإنجليز على إغلاقه كمّا فعلوا مع باقي المقاهي والمسارح الأخرى، لمّا تتمتع به منيرة من قوة شخصية، ومن خلال أغانيها اثرت علي وعي الناس، وقد ادت دوراً وطنياً خلال ثورة ١٩١٩ وساعدها علي ذلك علاقاتها بكبار رجال السياسة وقد أطلقت الصحافة اسم (هواء الحرية) على مسرحها.
منيره المهديه والزعيم سعد زغلول:
في ذلك الوقت كان ممنوع التلفُظ بإسم الزعيم (سعد باشا زغلول)، لدرجة أنّ قائد الاحتلال أصدر أمرًا عسكريًا بسجن كُل من يذكر إسمه لمدة (6 أشهر ) مع الشغل وجلدُه 20 جلدة، فقامت منيره المهديه بالغناء لسعد زغلول مستخدمه كلمات رمزيه مشيره له دونَ أنّ تتلفظ بإسمه بشكل صريح قائلة:
شال الحمام حط الحمام
من مصر السعيده لحد السودان
زغلول وقلبي مال إليه
اندهله لمّا احتاج إليه..
أعمالها :
كانت السلطانه غزيرة الإنتاج فقد عملت بالتمثيل والغناء المسرحي وغناء الطقطوقات والاسكتشات التي اشتُهرت بها، كما كان لها تجربه سينمائيه واحده فقط وهي فيلم (الغندوره) عام ١٩٣٥.
ومن أشهر المسرحيات التي قامت ببطولتها (كارمن)، (تاييس)، (غانية الأندلس)، (أوبرا عايده) (روميو وجوليت)، (جوكاندا)، ومسرحية (كليوبترا) والتي قام بتلحين الفصل الأول منها (سيد درويش) وأكمل تلحينها (محمد عبد الوهاب ) ليخوض تجربة التلحين والتمثيل لأول مرة، ومع إنها تميزت باللون الجرئ التي عُرفت به واختيار كلمات غير معتاده ولا مألوفه في عصرها مثل:
(أرخي الستاره)، (علي دول ياما علي دول)، (الحب دح دح) و( حرج عليا بابا)، إلا إنها تميزت أيضا بالكثير من الأغاني باللغه العربيه الفصحى مثل (يا اميرتي إن حبي)، (حبك يا سيدي)، ( يا زهرة البساتين)، (إن كان عذابي سئمي)، (عليه سلام الله)، و(توت عنخ امون) وغيرهم الكثير من أشهر الاعمال والكلمات المميزه والألحان وروائع المسرح في عصرها الذهبي.
جوائز واوسمه:
نالت السلطانه منيره المهديه العديد من الجوائز ومنها:
الجائزة الممتازة في مسابقة الغناء المسرحي التي أقامتها وزارة الأشغال العمومية عام ١٩٢٦، والعديد من الأوسمة من ملك المغرب ومن تونس وأدرج اسمها في الكتاب الذهبي الخاص بملك إيطاليا وتم منحها وسام بذلك، كما حصلت علي وسام الإستحقاق من الدرجة الأولى عام ١٩٦٠، ووسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى، من الرئيس (جمال عبد الناصر )عام ١٩٦١.
إعتزال وعوده:
ومع تقدم منيره المهديه في العمر وظهور المطربه الشابه (أم كلثوم ) علي الساحه الغنائيه بنمط مختلف عن السلطانه وجنون الجماهير بصوتها الشجي، شعرت منيره أن العرش الغنائى يهتز تحت اقدامها، فقررت أن تذهب فى إحدى الليالى الي مسرح (رمسيس) حيث كانت أم كلثوم انذاك تُحيي حفلها، فأرتدت ملاية لف سوداء لكي تبدو كبنات البلد، ووضعت على وجهها برقعاً كي لا يتعرف عليها احد، واستمعت للوصله الأولي وشاهدت بنفسها تفاعل الجمهور مع أم كلثوم؛ مما اشعرها بالغضب الشديد وبالجحود من جمهورها الذي توجه الي الفتاه الشابه بدلاً منها، مما جعل نجمها يخفت أمام تألق وصعود نجم أم كلثوم، لكن تلك النهاية كانت ترفضها السلطانة، وكان لديها الإصرار على الاستمرار، ورغم اعتزالها لما يقارب العشرون عاماً؛ قررت العودة من جديد، وأثناء وصلتها الغنائيه علي المسرح شهدت أم كلثوم التي كانت حاضره حالة الضعف التي اصابتها وعدم قدرتها علي إنهاء وصلتها؛ مما أحزن أم كلثوم لتلك النهايه المؤلمه.
وأُسدل الستار للمره الأخيره علي مشوارها الفني وتفرغت بعد ذلك لتربية الحيوانات التي كانت تعشقها وتوفيت في مارس ١٩٦٥ عن عمر يناهز الثمانون عاماً، بعد حياة فنية حافلة بالنجاحات التي قاربت علي خمسون عاماً من الإبداع ولم يتواجد أياً من اهل الفن في جنازتها فقد اقتصر الحضور على عدد بسيط جدا من افراد اسرتها.