من سلب “رابعة العدوية” من طاهر أبو فاشا ؟
في منتصف الخمسينيات صدر كتاب للشاعر الكبير والروائي طاهر أبو فاشا يحمل قصة السيدة رابعة العدوية وكان بعنوان “عازفة الناي”، وهي نفس القصة التي أودعها للإذاعة أبو فاشا لتصبح من روائع الصور الغنائية أو البرامج الغنائية، ونظرا لمكانة كوكب الشرق السيدة أم كلثوم عنده فقد أقنعها بالغناء في تلك الصورة الغنائية، لتغني أم كلثوم ست أغانٍ من نظمه، وتكون تلك هي المشاركة الوحيدة لأم كلثوم في الصور الغنائية الإذاعية والتي تعدت 220 صورة أو برنامج غنائي.
أنتجت الصورة الغنائية “عازفة الناي” إذاعياً في منتصف الخمسينيات، وأخرجها عثمان أباظة الذي همس لأم كلثوم بأن أغنية “غريب على باب الرجاء” التي لحنها الموسيقار كمال الطويل لا تتفق مع سياق المشهد الذي صيغت ولحنت من أجله، فالمشهد يصور جلد أو تعذيب رابعة، فكيف يكون باللحن شخاليل أو زخارف لحنية لا تتفق مع المشهد، فاقتنعت أم كلثوم وبعد أن سجلت الأغنية كاملة طلبت من أبو فاشا صياغة أغنية سابعة بدلا منها ليتم إكمال وإنهاء تمثيلية “عازفة الناي”، وبعد جدل ومراوغة مرحة بين الشاعر وأم كلثوم نفذ طلبها وصاغ لها “على عيني بكت عيني” ، لتذاع الصورة الغنائية وقتها وتبهر الجمهور العربي حتى الآن.
كل هذه الأحداث موثقة صوتيا، حسب تاريخ تسجيل البرنامج الغنائي “عازفة الناي” أو رابعة العدوية وأيضا مناوشات الشاعر مع أم كلثوم عند تغيير الأغنية السادسة، ولكن ما هالنا هو ظهور تلك القصة والصورة الغنائية الإذاعية الكاملة كفيلم سينمائي يحمل إسم “شهيدة الحب الإلهي” مرة عام 1962 بطولة عايدة هلال وكتب السيناريو والحوار إبراهيم الإبياري مع عباس كامل وهو أيضا مخرج الفيلم، أما أغانيه فقد كتبها الشاعر عبد الفتاح مصطفى وصلاح جاهين .. وهنا يقفز التساؤل .. أين الحق الأدبي والمادي للشاعر طاهر أبو فاشا صاحب القصة الأصلية ؟ وكيف تم تجاهله بهذا الشكل؟
الغريب في الأمر أيضا هو ظهور الفيلم السينمائي الثاني “رابعة العدوية” عام 1963 بطولة نبيلة عبيد ، والأشد غرابة هو دمج أغنيات الصورة الغنائية “عازفة الناي” أو رابعة العدوية التي غنتها أم كلثوم في الفيلم، ووضع إسم طاهر أبو فاشا في تيتر الفيلم كشاعر غنائي فقط، أما قصة الفيلم مع السيناريو والحوار فقد نسبت جميعها لشخصية أخرى .. فأي تعدٍ هذا على حقوق أبو فاشا ومن الذي أجبره على هذا التهميش وسلب قصته مع محاولة إرضاؤه بأن يظهر الرجل في آخر الفيلم بإسمه “طاهر” كأحد الشخصيات الثانوية في الفيلم !!
كشف الصحفي الكبير حسن إمام عمر جزء من هذا اللغز المحير، حيث كتب في زاوية “الفن في أسبوع” في مجلة الكواكب الصادرة في 19 يناير 1960 تحت عنوان “رابعة” أن القراء سيشهدون مشاحنات وخلافات في الأسابيع القادمة بين بعض المنتجين من أجل تقديم قصة رابعة العدوية على الشاشة، وأن مؤسسة السينما قد أجازت قصة “قراعة”، والتي قيل .. ثم هناك محو متعمد لعدة كلمات في التقرير لا نعرف سببه بعد “قراعة والتي قيل، ويستكمل حسن إمام عمر أن المنتج المصور عبد الحليم نصر يبذل جهدا كبيرا من أجل تصوير فيلم بالألوان عن رابعة العدوية، وأن هناك مفاوضات سرية مع أم كلثوم لاستغلال صوتها بالغناء في الفيلم.
وأشار حسن إمام عمر أن السينمائي نجيب خوري سينزل إلى ميدان الإنتاج السينمائي بفيلم “رابعة العدوية” وأنه قد اتفق مع الشاعر طاهر أبو فاشا على استغلال نفس القصة الإذاعية ، بل أن طاهر قد وعده كذلك بالسعي لدى كوكب الشرق على استغلال صوتها في هذا الفيلم ، واستطرد حسن إمام أن الفنان فريد شوقي أعلن أنه يسعى أيضا لإنتاج نفس القصة وتقوم بدور البطولة زوجته هدى سلطان، وتذيع شركة أفلام مصر الجديدة أن منتجا تقدم إليها لتوزيع فيلم رابعة العدوية بطولة وردة الجزائرية تمثيلا وغناء .. وأكد حسن إمام أن الساحة الفنية ستزدحم بالمشاحنات التي قد تصل إلى القضاء ثم مجالس الصلح والتفاهم حتى ترسى القصة على منتج أو يتم حفظها على الرف.
بتأكيد حسن إمام عمر أن طاهر أبو فاشا داخل حلبة السباق على ظهور وإنتاج قصته الإذاعية فهذا يعطي الرجل الحق الكامل في أن يلجأ إليه الجميع كمولف وكاتب القصة الأصلي، ولكن ما ظهر أخيرا أن هناك يدا قوية خفية همشت طاهر أبو فاشا وسلبت منه قصته ليظهر في فيلم “رابعة العدوية” عام 1963 أن القصة لسنية قراعة عن كتاب عروس الزهد رابعة العدوية الصادر عام 1960.. فهل عروس الزهد أقدم من قصة أو كتاب “عازفة الناي” لطاهر أبو فاشا، وكيف يتم تهميش الرجل وسلب فكرته وقصته التي أنتجتها الإذاعة عام 1955؟ من المؤكد أن هناك أسرارا لم تظهر ولن تظهر، ولكن يكفي أن التاريخ أنصف أبو فاشا بعد أن سجل أنه الأول إذاعيا وهو صاحب القصة والأغاني التي أنتجب قبل الفيلمين بثمان سنوات.
لا يفوتنا شكر الشاعر الكبير سعد عبد الرحمن مدير هيئة قصور الثقافة الأسبق على إهداءه لنا غلاف قصة عازفة الناي للشاعر طاهر أبو فاشا.