من صور الأدب مع الله عزوجل ⁩بقلم فضيلة الشيخ أحمد على

⁦⁩من صور الأدب مع الله عزوجل

بقلم فضيلة الشيخ أحمد على تركى

مدرس القرآن الكريم بالأزهر الشريف

آدم عليه السلام لمّا أٌهبط من الجنة إلى الأرض يقول كما جاء في سورة الأعراف :

{ قَالاَ رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ } .
فيعترف بالذنب ويندم ويسأل ربه المغفرة ، ولم يقل : ربِّ قدّرت وكتبت وقضيت عليّ هذه المعصية ، فيحتج بالقدر على المعصية .. ونحو ذلك
بل نسب الظلم إلى نفسه : { رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا} .
وفي هذا أدب مع الله سبحانه وتعالى.

ذكر الله جل وعلا في كتابه الكريم سليمان عليه الصلاة والسلام ، فـ سليمان عبد ملك يوحى إليه ، وابن نبي ، ونبي كذلك ، ومع ذلك يتوسل إلى ربه قائلاً:

{وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ } (النمل/١٩)

فانظر إلى ذلك التوسل :

وهو أن يشمله الله جل وعلا برحمته ، وأن يدرجه في عباده الصالحين ، مع أنه نبي ، وابن نبي وملك ، وابن ملك .
وهذا من أدب الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم .

نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ضرب المثل العظيم في الأدب مع ربه عزّ وجلّ .

ومن أمثلة ذلك ما يذكره المفسرون عند قوله سبحانه وتعالى :

{ مازاغ البصرُ وما طغى } [سورة النجم/١٧] ،

أن النبي صلى الله عليه وسلم لما ارتفع إلى السماء لم يزغ بصرهُ ولم يطغ ، أي لم يزغ يميناً أو شمالاً ، ولا طغى فنظر أمام المنظور ، إنما كان مطرقًا خاشعًا..

{ مازاغ البصر وما طغى } فهذا صفة مقدمه صلى الله عليه وسلم على ربّه ، و يتجلّى في ذلك كمال أدبه عليه الصلاة والسلام.

التصديق بكلِّ ما أخبر الله تعالى به مِن أمور الغيب

يجب التصديقُ بكل ما أخبر الله تعالى به من أمور الغيب، ومِن ذلك عالم البرزخ، وسؤال الملكين في القبر، والجنة وما فيها من نعيم، والنار وما فيها من عذاب أليم، قال الله تعالى عن نفسه:

﴿ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا ﴾ [النساء: 87].

من صور الأدب حُسن الخُلق مع الله تعالى

يتحقَّق حُسن الخُلق مع الله بأن يتلقى الإنسانُ أحكام الله بالقبول والتطبيق العملي، فلا يرُدَّ شيئًا من أحكام الله، فإذا رد شيئًا من أحكام الله، فهذا سُوء خُلق مع الله عز وجل، سواء ردها منكرًا حُكمها، أو مستكبرًا عن العمل بها، أو متهاونًا بالعمل بها؛ قال تعالى:

﴿ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا ﴾ [الأحزاب: 36]. 

من صور الادب الرِّضا بقضاء الله تعالى:

مِن الأدب مع الله أن يتلقَّى المسلم أقدارَ الله بالرضا والصبر، وأن يعلَمَ أن ما قدره الله عليه إنما هو لحكمة عظيمة.

قال تعالى: ﴿ وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ ﴾ [البقرة: 155].

من صور الأدب التوجُّه إلى الله سبحانه بالدعاء

الدعاء:

هو إظهار غاية التذلُّل والافتقار إلى الله، والاستكانة له.

(فتح الباري لابن حجر العسقلاني (جـ 11 صـ 98).

حثَّنا الله تعالى على الدعاء في آيات كثيرة مِن كتابه العزيز، ومنها:

(1) قال تعالى: ﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ﴾ [البقرة: 186].

(2) قال جل شأنه: ﴿ وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ ﴾ [غافر: 60].

من صور الأدب ارتداء أفضلِ الثياب عند إقامة الصلاة

مِن الأدب مع الله تعالى أن يتجمَّلَ المسلم في صلاته للوقوف بين يدي ربه؛ قال تعالى:

﴿ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ ﴾
[الأعراف: 31].

قال الإمام ابن تيمية رحمه الله :

“كان لبعضِ السلف حُلَّةٌ بمبلغٍ عظيمٍ من المال، وكان يلبَسُها وقت الصلاة ويقول: ربي أحقُّ مَن تجمَّلت له في صلاتي”.

قال الإمام ابن القيم رحمه الله :

ومعلومٌ أن اللهَ سبحانه وتعالى يحبُّ أن يرى أثر نعمته على عبده، لا سيما إذا وقف بين يديه.

مدارج السالكين لابن القيم ( جـ 2 – صـ 363).

المداومة على الخشوع في الصلاة

المداومة على الخشوع في الصلاة غايةُ الأدب مع الله سبحانه وتعالى، فيجبُ على المصلي ألا ينشغلَ بشيء عن الطمأنينة في الصلاة، قال تعالى:

﴿ قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ ﴾ [المؤمنون: 1، 2].

قال ابن القيِّم رحمه الله :

ومِن الأدب مع الله في الوقوف بين يديه في الصلاة

وَضْع اليمنى على اليسرى حال قيام القراءة، ففي الموطأ لمالكٍ عن سهل بن سعدٍ: أنه مِن السنَّة، وكان الناس يؤمرون به، ولا ريبَ أنه مِن أدب الوقوف بين يدي الملوك والعظماء؛ فعظيمُ العظماء أحق به.

مدارج السالكين لابن القيم (جـ 2 – صـ 364).

قد يعجبك ايضآ
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.