من يشتري هذا العبد؟
من يشتري هذا العبد؟
كتبت/ وئام أحمد إمام
يقول أحد التجار: خرجت لسوق العبيد لأشتري لنفسي عبدًا يخدمني، فوجدت سيدًا يبيع عبدًا وينادي عليه قائلًا: من يشتري هذا العبد علىٰ عيبه.
فقلت له: يا سيدي و ما العيب الذي في هذا العبد؟ فقال: سل العبد يخبرك فسألته فقال: عيوبي كثيرة ولا أدري بأيها شهروني،
فرجعت إلىٰ صاحبه وقلت: يرحمك الله ألا تخبرني عن عيب ذلك الغلام؟ قال: إنه معتوه العقل ينتابه الصرع من حين إلىٰ حين، فقلت للعبد: أيأتيك هذا كل يوم أم يأتيك كل أسبوع؟ فاسترجع وبكىٰ وقال: يا سيدي إذا استولىٰ داء المحبة علىٰ القلب سرىٰ في الأعضاء، و إذا استولىٰ علىٰ الجوارح نشر خمار المحبة علىٰ سائر البدن فيطيش العقل بذكر الحبيب، فيحدث في القلب استغراق وعلىٰ البدن سكون فيراه الجاهل فيظنه عتها وجنونًا.
كم ثمن هذا الغلام؟
قال التاجر: فعلمت أن الغلام من أولياء الله الصالحين، فقلت لسيده: كم ثمن هذا الغلام؟ فقال: ثمنه مائة درهم فقلت له: ولك مني عشرون فوق المائة، ثم جئت به إلى منزلي فكان يصوم النهار ويقوم الليل ولا ينقطع لحظة واحده عن عبادة الله وتلاوة كتاب الله.
وذات ليلة دخلت مخدعه فوجدته يصلي ويبكي حتىٰ سجد فكان يناجي ربه فحفظت من مناجاته هذه الكلمات: “إلهي..أغلقت الملوك أبوابها وبابك مفتوح للسائلين… إلهي… غارت النجوم ونامت العيون وأنت الحي القيوم الذي لا تأخذه سنة ولا نوم إلهي…فرشت الفرش وخلا كل حبيب بحبيبه وأنت حبيب المجتهدين وأنيس المستوحشين إلهي… إن طردتني عن بابك فإلىٰ باب من ألتجئ وإن قطعتني عن جنابك فبجناب من أحتمي إلهي… إن عذبتني فإني مستحق للعذاب والنقم وإن عفوت عني فأنت أهل الجود والكرم…يا سيدي لك أخلص العارفون وبفضلك نجا الصالحون وبرحمتك أناب المقصرون… يا جميل العفو أذقني برد عفوك وحلاوة مغفرتك إن لم أكن أهلًا لذلك فأنت أهل لذلك وأنت أهل التقوى وأهل المغفرة “.
فلما أصبحت قلت له: يا أخي كيف كان نومك الليلة؟ فقال: كيف ينام من يخاف النار والعرض علىٰ الواحد القهار ثم بكى فقلت له:
اذهب فأنت حر لوجه الله، فلم يفرح بذلك وقال: يا سيدي كان لي أجران أجر العبودية وأجر الخدمة فحرمتني من أحدهما أعتق الله وجهك من حر جهنم، فدفعت إليه نفقة فأبىٰ أن يأخذ منها شيئا وقال: إن من تكفل برزقي حي لا يموت ثم غاب عني.
فكنت كلما ذكرت كلامه أخذني البكاء فسألت الله أن يحشرني فى زمرة عباده الصالحين المحبين لقربه والساعين ليلهم ونهارهم إلىٰ طلب فضله ورضاه.