من يوميات طبيب
في يوم من يوميات طبيب
يحكي لنا الطبيب الكاتب
شادي خيري حكيم
الذي صدر له كتاب بعنوان دكتور لامؤخذة
وتبعة كتاب أخر بعنوان دكتور لامؤخذة من تاني
يوم من يومياتة
بشكل كوميدي ساخر ورائع
يقول
حدث بالفعل في الرعاية
المكان:
وحدة الرعاية المركزة بمستشفى أم عطيات الدولي
مشهد رقم واحد
نهار داخلي
أنا دخلت الرعاية عشان أستلم النبطشية من زميلي اللي قبلي.. زميلي كان أكبر مني واسمه حسام.. إنسان مهذب وخلوق بشدة..
-حسام (كاره حياته وعلى وشه آثار نعل جزمة):
أانت شرفت يا حيلتها؟؟
ماهو بدري..
-أنا (بداية ماتطمنش.. النبطشية شكلها كانت نمبر تو ع الأخر):
صباح الخير أحسام أحبيبي..
-حسام (واضح إن مصر كلها رجّعت عليه امبارح):
عندك حتّة جوّا.. وحتّة نزلت التلاجة من ساعة.. وفيه حتّة لسّة واصلة حالا..
-أنا (حتّة!! إيه الألفاظ قاع المجتمع دي؟؟):
والحتّة الجديدة نوعها إيه يا سيد المعلمين؟؟
-حسام (مش مصدق سطحية السؤال والشيطان ماسك ودانه بيلعب فيها البخت):
ح تفرق معاك إيييييه؟؟
ما انت بتدّي العيانين كلهم نفس العلاج، من أول جلطة القلب لحد الانسداد المعوي!!
-أنا (مثلي الأعلى نزل فرافيت):
مش ح ارد عليك عشان انت أكبر مني..
-حسام (واضح إنه ح يخلّيني أحصل الحتّة اللي في التلاجة):
ولا تقدر ترد أصلا.. ومن الأسبوع الجاي الإتاوة ح تبقى الدوبل..
-أنا (الإتاوة لااااء.. أجيب لكم منين يا كفرة؟؟):
أوامرك يا مستتنا.. بس انت ح تقدر تيجي الأسبوع الجاي بمنظرك دا؟؟
-حسام (شكله قرر يستقيل ويشحت بعيّل صغير أكرم له):
ولا ح اخطّيها تاني.. والحالة اللي جوّا زبون قديم.. عمك محروس.. البس يا بروفيسير عصرك..
-أنا (أحييييه):
يا مراري يامّاااه!! محروس!!
نبذة مختصرة:
عم محروس مريض فشل كبدي مزمن.. دورة حياته بتتلخص في إنه بياكل في بيتهم زي التيراونوصور.. يدخل في غيبوبة كَبِديّة.. يشرّفنا.. نعالجه.. نكتب له خروج وإحنا بنودعه بالدموع بعد ما نحلفه برحمة خالته اللي ربته إنه يلتزم بالنظام الغذائي.. يخرج وسط وصلة من الشكر من ناحيته ومن العياط والبربرة من ناحيتنا، وبعد أسبوع يرجع لنا تاني!! لحد هنا عادي..
المشكلة بقى
إن محروس ماكانش بس بياكل زي التيرانوصور، لأ دا حجمه وقوّته البدنية كانت زيّه برضو.. لمّا بتحصل له الغيبوبة بيجيلنا في حالة هياج وعنف شديدة.. بيدوّر فينا الضرب وبيلوّش بإيده مطرح ما تيجي.. ولازم في الفترة اللي بينزل فيها بيته التاني (عندنا في الرعاية) يحصل في صفوفنا إصابات قاتلة.. بيستشهد مننا واحد على الأقل كل مرة، لدرجة إن على مدار الشهور قوة العاملين بالرعاية خسّت النص من تحت راسه!!
-أنا (موجّها كلامي لواحد من الممرضين واسمه محمد):
هو محروس فين؟
-محمد (بيشاور من بعيد على ستارة مقفولة):
عندك في سرير أربعة.. إحنا رمينا له الواد أشرف يمكن يستنفذ طاقته شوية..
-أنا (يا حبيبي يا أوفا!! ضحيتوا بالعامل الغلبان؟!):
حد من أهل العيان جيه معاه؟؟
-محمد (اختصر وخُش في الموضوع):
إنت ح تحوّر؟!
ما انت عارف إنه مالوش أهل.. محروس أول ما يدخل في الغيبوبة بيجي من بيتهم لوحده!!!! عارف سكتنا زي الروبوت.. دا حتى مابيعديش على الطوارئ، بيطلع الرعاية على طول!!
-أنا (بحاول أكون قدوة لرجالتي عشان أبث في قلبهم الشجاعة):
إسبق كدا يا محمد، شوف الواد أشرف متبقي منه حاجة..
-محمد (العب غيرها):
هأو.. قديمة!! رجلك قبل رجلي..
-أنا (متظاهرا بالشجاعة يمكن احرجه):
إيييه!! هو إحنا مش رجالة ولا إيييه؟؟
-محمد (انت ح تمثل!!):
لأ مش رجالة يا عم!! إذا كنت شايف نفسك راجل خش انت الأول..
-أنا (باقدّم رجل وأخّر تلاتة):
يا فضيحتي وسط رعاياتك يا مصر.. التمريض بتاعي مقصّر رقبتي..
-محمد (بس يا بابا بلا فضيحتي):
أنا اتضحك عليّا أول 12 مرة بالكلمتين دول.. مابقوش بياكلوا معايا.. لو جرا لي حاجة محدش ح ينفع عيالي.. وانت ساعت الجد أول واحد بتخلع وتشيّعني أنا..
-أنا (متقمص شخصية عزت العلالي في التوت والنبوت لمّا ضرب صبيان المعلم حمدي غيث ال 298 لوحده):
أنا ح ادخل الأول.. ابقوا قولوا لأمي إن ابنك مات راجل..
-محمد (اتلهي):
لا اطمّن، الحاجّة في عنينا.. خش انت بس شوف العيان..
-أنا (بافتح الستارة وسامع أغنية فدائي فدائي بتصفّر في ودني):
مساء الخير يا عم محروس!!
المنظر كان كالتالي:
محروس ماسك فخدة الواد أشرف بياكل فيها، مش عارف هل بدافع الجوع ولا بدافع الانتقام من الحقن الشرجية اللي كان أشرف بيديها له*.. بقيّة أشرف متعلقة على حامل المحاليل.. وراسه مش باينة لأن محروس لبّسه شاشة المونيتور في دماغه!!
-أنا (انت اكلت أوفا؟؟!! حرام عليك!! دا محدش كان بيسمع كلامي هنا غيره):
ألف هنا وشفا يا عم محروس.. نعمل شوية شاي صغيرين بقى؟؟
-محروس (مش واعي بأي حاجة): جعاااااااان.. جعااااااااااااااااااااااااان..
-أنا (نبطشية طين):
ما انت لسّة متعشي أحبيبي..
-محروس (صوته صحّى الحتّة اللي في التلاجة!!):
جعاااااااااان يا ولية يا بنت ال%$^%#^%$..
-أنا (موجّها الكلام لمحمد):
الراجل دا بيغلط فيك.. إيدك معايا نربّطه في السرير!!
-محمد (بدأت كرامته تنقح عليه):
الشتيمة مابتلزقش.. ربّطه انت..
-أنا (بدأت انهار):
ياللا يا محماااااااد.. مش ح نقضّي اليوم كله نتعازم على بعض..
انتهت أول محاولة لتكتيف محروس بشلوت في صدر محمد كوّمه في سلة النفايات الملوثة وهو راسه بتشلب دم.. وبوكس في عيني كوّمني في حضن العيان اللي جنبه.. إحنا اضطرينا نستعين بكل شخص موجود عشان نكتف محروس.. الدكاترة، التمريض، العمال، العيانين، أهل أوفا اللي جم خدوا بواقي ابنهم في كيس، محمود بتاع عربية الحلبسة.. أخيرا تمت عمليه تربيطه في السرير بنجاح من غير خساير في الأرواح (باستثناء أوفا شهيد العملية الوحيد).. بعد كدا النبطشية مشيت كويس وسط شتايم من محروس جاب فيها سيرة أهالينا واحد واحد وسب لنا التيت كلنا..
……………………………………………………………………
مشهد رقم اتنين
نهار داخلي
صبحنا وصبح الملك لله.. تاني يوم دخلت الرعاية بعد ما صحيت من نوم عميق مدته ربع ساعة.. لمّا دخلت الرعاية لقيت ممرضة من الامتياز اللي لسّة بيتدربوا.. بنوتة شاطرة جدا واسمها وفاء..
-أنا (اتكعبلت في أول أربع سراير، أربع مرات ورا بعض من كتر ما أنا مش شايف): صباح الخير يا محمد..
-وفاء (سلامة الشوف يا عم):
صباح الخير يا بيه.. أنا وفاء.. محمد سلّم الشيفت ومشي..
-أنا (تفاصيل تفاصيل):
محروس أخباره إيه؟؟
-وفاء (بطريقة الأولى ع الفصل):
زي الفل.. أنا لقيته مترّبط فكيت له إيديه!!
-أنا (بحسس على مكان البوكس اللي في عيني):
ااااه.. عملتي إيه يا حزينة؟؟؟!!!
أنا طِرت ناحية سرير محروس، وفتحت الستارة لقيت السرير فاضي!!!
-أنا (أنا كدا كدا محبوس):
محروس راح فين يا وفاء؟؟!!
-وفاء (وشها بقى لون القطنة):
ماعرفش يا بيه.. أنا ماخرجتش غير خمس دقايق بس..
أنا قررت أقتل وفاء بإني اغرقها في الكابينية في دخلت ريسة الرعاية واتنين ممرضين..
-الريسة (شافت راس البنت في الكنيف):
شيلوه من ع البت قبل ما يودّي روحه في داهية!!
-أنا (شالوني من فوقيها بالعافية):
والنبي لازعّلك.. أنا ح اوديكي ورا الشمس..
-الريسة (موسوعة قانونية وإدارية):
البنت لسّة في امتياز، مفيش عليها أي مسئولية.. إحنا كلنا ح نروح في داهية إلا هي..
-أنا (ضمنت خماشر سنة مع الأشغال المنيلة)
مش وقتك خالص.. ياللا ننزل ندوّر ع الراجل، يمكن نلاقيه قبل ما الموضوع يتشم.. واربطوا البت وفاء في السرير مطرح الراجل على ما نرجع..
……………………………………………………………………………….
مشهد رقم تلاتة
نهار خارجي
إحنا إنتشرنا في قلب المستشفى ندوّر ع الراجل، وأنا نزلت تحت عند البوابة اسأل عليه..
-أنا (موجّها كلامي للمعاون والأمن اللي على البوابة):
يا جماعة ماشُفتوش عيان لابس الجاون بتاع الرعاية؟؟
-المعاون (على طريقة كله تحت السيطرة):
تمام يا سعادة الباشا.. انت أكيد تقصد محروس.. لسّة خارج حالا..
-أنا (انت الوحيد اللي شايف شغله):
خارج من فين يا بابا؟؟!! خرج قدامكم؟؟!! عادي كدا؟؟ خرج بالجاون بتاع الرعاية والكانيولا في إيده ومحدش قال له حاجة!!
-المعاون (دماغه وكلاه ومش فاضي للتفاهات دي):
هو فيه حد يقدر على محروس يا بيه؟؟
-أنا (غلبني بمنطقه الصراحة):
ياخي *** .. طيب كنتوا بلغوني أنا يا كفرة.. مش يمكن قلبي واكلني عليه.. سيبتوا الراجل يخرج بالجاون اللي مفتوح من ورا؟؟!! سايبينه خارج بالبوبّو مكشوف كدا في الشارع!!!!!
-المعاون (!!!!!): إيه البوبّو دا عدم المؤاخذة؟؟
-أنا (دا يبقى ***):
ماهو أنا لو شرحتها لك ح اغلط فيك.. ياللا يا شمّام ندوّر ع الراجل..
إحنا خرجنا الشارع ندوّر علي محروس.. لاقيناه (الحمد لله) واقف بياكل على عربية الفول اللي في أول الشارع، وحواليه الناس بتاكل عادي!!
-أنا (موجّها كلامي لمحروس):
صباح الفل يا عمّو!! انت بتعمل إيه هنا؟؟
-محروس (حاشر ب 2 جنيه عيش و3 جنيه فول و15 قرص طعمية في بؤه وبياكلهم مرة واحد): جعااااااااااااااان.. جعااااااااااااااااااااااان يا ولاد %$^%#^%$..
-أنا (موجّها كلامي لصاحب عربية الفول):
صباح الخير يا أبو قوت (بنته اسمها قوت القلوب).. انت سايب الراجل كدا عادي أحبيبي!! طيب ابعت لي!! مش يمكن أجي افطر معاكوا؟؟!!
-أبو قوت (منهمك في عمل الشندوشتات):
وانتوا محتاجين عزومة يا دكتور؟؟!! دا العربية عربيتكم.. انتوا عِشرة سنين..
-أنا (مش وقت الذكريات خالص):
طيب الراجل دفع لك إزاي؟؟ دا بجاون الرعاية.. مافهوش جيوب..
-أبو قوت (مروءة وشهامة):
أنا لقيته غلبان، ماكونتش ح اخد منه حاجة!!
-أنا (الدمعة فرت من عيني):
عمار يا مصر..
-أبو قوت (شهامة ومروءة):
بس طالما انت جيت، البركة فيك يا دكتور..
-أنا ( أكيد طبعا.. أومّال في مين إن ماكانتش فيا):
يا أخي