“موشى ديان الهش الهش ضرب مراته بطبق المش “

حينما وقعت نكسه 67 كنت طفلا صغيرا ولا افهم ما الذي حدث كنا نضحك حتى نستلقي على قفانا وربما نتمرغ في الأرض ونرفص برجلينا ونغنى ونطنطط واستمتع بحواديت الشاطر حسن وأمنا الغوله من نسوان حارتنا اللائي كن يتجمعن كل ليله تقريبا في أمسيات ثقافيه نسوانيه بدعوة من الست الوالدة رحمها الله أمام باب بيتنا على مصطبة مبلطة بالقيشاني ولكن لماذا اختفت هذه الأمسيات والليالي الحلوة ولم يعد النسوة يتجمعن ويرتدين السواد ووقرن في بيوتهن وفى المرات القليلة اللاتي كن يتجمعن فيها كان البكاء سيد الموقف وغاب الضحك وضاعت الفرفشه وسط دموعهن .
كنت في حيرة من أمري أعمل حركات عيال حتى أضحكهن لكن لا جدوى يبدو الحزن كبيرا كالجبال وراحت أيام الصهلله وليالي المنجهة كانت كل واحدة تصبر الأخرى فيبكين فابكي معهن تأثرا بهن هذه المواقف دفعتني لضرورة معرفه السبب حتى قلن إسرائيل الوحشة ضربت مصر الطيبة فقلت طب ما نروح نضربها بالمقشة البلح أو عصاية الغليه بتاعة الغسيل اللي كانت أمي بتضربني بيهم كلما مارست شقاوتي واتعفرت .
فكانت المقشة البلح تعلم على جسمي وأنا أصرخ وأبكي أنا مجربهم إسرائيل حتصرخ فأجد حالة من الصمت مع ابتسامة باهته فأتقدم باقتراح جديد طيب نحط لها سم فيران في الأكل وإلا خالتي وطنيه تعمل لهم أمنا الغوله وتخوفهم بشعرها المنكوش الذي يسبح في الهواء ووجهها المهبب بستين نيلة بهباب من قعر الحلة زى ما كانت بتخوفنا ونعيط حيجروا على طول ويعيطوا متخافوش أنا حاجى معاكم واضربها فكان ضحكهن يختلط بالبكاء ويلذن بالصمت الرهيبي بالصمت الرهيبي ياولدي وتفشل كل محاولات العبد لله لإخراجهن من بحر الأحزان الذي غرقن فيه .
وعندما نلعب في الشارع لم نكن ندرك ما حدث فكنا نقول جمال عبد الناصر يقدر يزق البيت ده بصباع واحد كنت أخاله فارسا من فرسان الحواديت يطير ولا يمشى على الأرض كبطل خارق وعندما مات كنت كبرت قليلا وبدأت افهم فرفضت كل أنواع الشيكولاته والعسليه والسكر جلاب حدادا وحزنا عليه وفهمت معنى كلمة نكسة وهزيمة.
وفى المدرسة أي تلميذ رخم وشايف نفسه نطلق عليه إسرائيلي ونرنه علقه ونحن نصرخ يا إسرائيلي يا جبان هذه كانت صورة إسرائيل في مخيلتنا كأطفال وكانوا يحذروننا من التقاط أي شيء من الأرض لأن إسرائيل عايزة تموتنا وكنت أسمع عن مظاهرات في الشوارع بتقول حنحارب حنحارب وأسمع أغاني رايحين رايحين … شايلين في إيدنا سلاح راجعين راجعين … رافعين رايات النصر … كنت أسمعها فيهتز كل وجداني وأشعر أنني قادر على أن أقذف بنفسي في النار بسهولة ودون تردد فداء وحبا لمصر .

وعندما قامت حرب أكتوبر العظيمة حرب العزة والكرامة والصمود كنت كبرت أكثر وكانت أخبار العبور والانتصار تجعلنا نرقص في الشوارع بالمرايل الصفرا المدرسية زى موحد “تيل نادية” صارخين هيييييييييييه وضربنا إسرائيل على قفاها وندور في حلقات نغنى ونصفق موشى ديان الهش الهش ضرب مراته بطبق المش و موشى ديان الغول الغول ضرب مراته بطبق الفول حولنا موشى ديان وزير الدفاع الإسرائيلي إلى راجل مسخرة وأضحوكة في الشوارع والحواري المصرية كانت المقاهي تهلل مع كل بيان عسكري صارخين الله اكبر ويحضن الناس بعضهم في الشوارع والحريم تطلق الزغاريد كانت الأغاني الوطنية تلهب حماسنا وتؤجج مشاعرنا فأجري على أمي وأقول لها عايز أروح أحارب وأضرب إسرائيل فتضحك وتقول دورك جاى بس الأول لازم تتعلم كويس عشان تعرف تحاربها كل ما تذاكر أكتر حتعرف تضرب إسرائيل فتحولت المذاكرة إلى معركة شخصية مع إسرائيل
.
وكل تلميذ تحول إلى راوية يحكى حكايات من نسج خياله عن بطولات الجيش المصري وتحولنا كلنا إلى مؤلفين نسمع معلومة أو خبرا نرص عليها حكايات وحكايات وأتجمع رجال الحارة ونسوانها وعملوا دميه كبيره بالحجم الطبيعي بأقدم بنطلون وقميص فيك يا مصر والحشو كان عبارة عن قش رز والرأس عليها صورة ديان عشان نعيش الأجواء بقى ونقوم بشنقه بحبل يمتد بين البلكونات بحيث يكون مرتفعا للدور الثاني بين البيوت واللي يحب النبي عليه الصلاة والسلام يشتغل عليه بالطوب لدرجه انه كان بيننا مصابون وجرحى بسبب العيال اللي مبتعرفش تنشن عليه ومحسوبكم خد له طوبه في نافوخه بسيطة غرزتين تلاته يعنى أنا من مصابي الحرب وكنت أتعجل العودة إلى ارض المعركة كنا نشعر أننا نحارب بجد مع الجيش المصري .
ونحقق الانتصار وعندما كثرت الإصابات لأننا كنا نقذفه من الاتجاهين قرر الجميع إنزال هذا الملعون وإحراقه في مشهد سينمائي لا يمحى من الذاكرة وكانت قلوبنا تكاد تقفز من صدورنا من الفرحة وكلما رأينا جنديا في الشارع نجرى ونسلم عليه ونهتف البطل اهو .
واليوم ورغم فرحتنا بالنصر العظيم اشعر بالحزن لأننا فقدنا روح أكتوبر وعم الفساد البلاد وانتشرت المحسوبية والرشوة وسادت البلطجة وأهدرت الكرامات وارتفع قانون شيلنى وأشيلك وظرفني تعرفني وأبجني تجدني الطبقة المتوسطة كلها الغراب وطار فاختل توازن المجتمع .
عدنا لعصر باشوات ما قبل ثورة يوليو فالغنى يزداد غنى وتفتح له الأبواب والفقير يزداد فقرا ويتمرغ في التراب والنتيجة الاقتصاد نازل بسرعة الصاروخ كجلمود صخر حطه السيل من عل والدولار بقى سيد الناس والجنيه على الأرض بينداس فيه تحسن لكن هل حس بيه الناس عقليات متكلسة انتهت صلاحياتها عفي عليها الزمن أفق تفكيرها لازق في قفاها إسرائيل اللي اتهزمت في أكتوبر اقتصادها بقى في السما طاير ومصر اللي انتصرت اقتصادها على صندوق النقد داير رغم أن الخير فيك بزيادة فاير لكن فساد البشر عليك جاير وشرفك سحابة فساد وتعدى يا بلدي لو كل واحد ماقلش وأنا مالي خليني في حالي — دى بلدنا — حالك هو حالي على صوتك في وش الفساد خليه يلالي عشان نجمك يعود يابلدنا في السما عالي وكل اللي أفسدوا فيك مصيرهم مزبلة التاريخ ولا ييجوا على بالي واللى ضحوا في سبيلك عمي وابني وخالي على جبين الزمن اسمهم منقوش جوه قلبي غالي يا روح أكتوبر أرجعى لمصر وحدينا جمعينا قومينا يلا من تاني بلدنا حلوة وذكرها الرحمن في القران وتستحق واللي له أول لابد يكون له تالي رحم الله كل الشهداء وتحيا مصر وجيشها العظيم وأبطالها البواسل

قد يعجبك ايضآ
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.