مولد الهدى

بقلم_ الأديب عميد ..أ_ح (رءوف جنيدي)

مولد الهدى: _

ولد الهدى فالكائنات ضياء .# . وفم الزمان تبسم وثناء . الروح والملأ الملائك حوله .# . للدين والدنيا به بشراء …. أيام قلائل تمر . وتشرق فى سماء دنيانا شمس يوم ولد فيه النور . ليضئ قلوب الخلائق هدىً ورحمة . واليوم أعود أدراجى مسرعاً إلى الماضى مخترقاً خمسين عاماً مضت . لأقف عند عتبات طفولتى أستقى منها مشاهد روحانية العبق . سمحة الهوى والنوايا .. لأرى بعين بريئة . ولأسمع بأذن تواقة . ممن سبقونا من الآباء والأجداد .. يقصون علينا جانباً من فرحة القلوب وعرس الأفئدة فى مراسم هذة الليلة المباركة .. ليلة مولد أطهر خلق الله وأقربهم إلى مودته ورضاه … وقفت وكأنى أعتلى تلاً عالياً . لأسمع منهم بأذنى . وأرى معهم بعينى ما يقصون . وقت أن سيق الذين إتقوا ربهم من أهل القرية إلى المسجد زمراً . حتى إذا جاءوه وفتحت لهم الملائكة أجنحتها فرحاً وتهليلاً وانتهوا من صلاة العشاء . تجمعوا عند باب مسجدهم . ثم اصطفوا صفوفاً فى هوى الرسول .. وراحوا يجوبون الشوارع والأزقة . صف يتبع صفاً كأنهم بنيان مرصوص . يتقدمهم حملة الدفوف والطبول . وقد تشابكت أيديهم . يلوحون بها إلى الأمام وإلى الخلف . على وقع أغانٍ وأناشيد . تترنم بها قلوبهم قبل حناجرهم .. نظموها فى مدح الرسول خاتم النبيين . وأطهر من وطأت قدماه أرض الله .

يسير هذا الركب المبارك عبر الشوارع والحارات . وكلما مروا ببيت من بيوت المؤمنين .. علا صوتهم استدعاءاً لرجل البيت . أو أن يقرع أحدهم بابه بعصا . وسرعان ما يلحق بهم الرجل ويشاركهم الغناء وقد أمسك بيد رفيقه فى أحد الصفوف المباركة .. رويداً رويداً يزداد المداحون عدداً . ويزداد الأفق عبقاً وروحانية .. يطوف بقريتنا بسلام . طوافون السلام . يوقظون النيام . لتملأ الكون رائحة الإبتهالات . وتسرى بين الخلائق قشعريرة الرهبة والخشوع . وكأن السماء تشاركهم نشواهم . وتحفهم بالرعاية الإلهية . حتى إذا إنمحت آية الليل . وأوشكت آية النهار أن تبصر . وأرسلت الشمس أطراف خيوطها الضوئية . لتداعب الطيور وتوقظها من أعشاشها .. فتقف هى الأخرى نشوانةً مرحة على قارعات أغصانها .. وقد إصطفت فى تخت موسيقى وراحت تلوح بأجنحتها كما يلوح الرجال بأيديهم . لتعزف لهم كورالاً غنائياً زقزاقاً . وكأنها تشارك الجمع احتفالهم وفرحتهم .. ولم لا : فهو منطق الطير الذى علمه الله نبيه سليمان عليه السلام …

تخرج السيدات من أهل القرية . ليقفن على أبواب بيوتهن تبركاً واستئناساً بموكب المداحين . فتطلق هذة الزغاريد … وتحمل هذة رضيعها عالياً وكأنه بهذا قد شارك فى الموكب .. وترفع هذة أكف الضراعة إلى الله أن يرزق زوجها . أو أن يشفى صغيرها . أو أن يبارك فى كبيرها .. يتابع الطفل بداخلى هذا الموكب بحنين لا يضاهيه حنين .. إلى أن ينفض من أمام عينى ويذهب كل إلى حال سبيله .. فهذا إلى عمله . وهذا إلى متجره . وهذا إلى حقله . ويبقى الطفل بداخلى وحيداً حائراً حزيناً .. إلى أين يذهب ؟ ….. فيتهادى إلى سمعى من بعيد . صوت شجى سأكمل به يومى . وقت أن ينادى عم عبده بائع حلوى المولد بصوته المعهود ( حلاوة زمان … عروسة وحصان ) . يتبع صوته أزيز عجلات عربته فى لحن موسيقى يدغدغ مشاعر الأطفال ويهدهد قلوبهم … أهبط سريعاً من فوق التل وأطلق ساقى للريح فى إتجاه بيتنا مسرعاً إلى والدى . ليعطينى بضعة قروش وأنطلق مرة ثانية أنا وشقيقتى الصغرى إلى حيث يقف عم عبده .. لأشترى حصاناً يمتطيه فارس مغوار . ولتشترى أختى عروساً تزينت بتاج العرس . ويبدأ احتفال الطفولة بالمولد النبوى الشريف مع باقى الصبية من أبناء القرية ..

كنا ببراءة الأطفال نظن وقتها ونتخيل نحن الصبية . أن الله لم يخلق من البشر سوى أهلينا وجيراننا .. وأن الدنيا هى فقط هذة البقعة الطيبة من الأرض . هى قريتنا الصغيرة هذة بأهلها البسطاء الطيبين الذين لو مر أحدهم بنا ونحن نلعب . مسح على رؤوسنا وربت على ظهورنا فى حنو بالغ . وكأنه يؤدى إحدى مناسك العبادة والتقرب إلى الله . لم نكن نعرف وقتها أن الدنيا يسكنها حيتان وتماسيح .

وبين نقاء الماضى وصفاءه . وجفوة الحاضر وغلظته . وبين حصانى وعروس أختى . وعم عبده … يبقى الرسول الكريم خالد الذكر . ساكن القلوب والعقول .. يبقى هو الرحمة المهداة والنعمة المسداة .. يبقى عليه الصلاة والسلام بين كلمات الله فى قرآنه العظيم .

بسم الله الرحمن الرحيم :
( وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين ) …
( قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين ) ….
( لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ماعنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم ) …
اعزائى القراء :
ما ظنكم برسول يقول فيه ربه ( وما كان لمؤمنٍ ولا مؤمنةٍ إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالاً مبينا ) …
ما ظنكم برسول يقول فيه ربه ( فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا فى أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليما ) …
ما ظنكم برسول أسرى به ربه ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى .. ثم عرج به إلى سدرة المنتهى .
ما ظنكم برسول قال فيه ربه ( وإنك لعلى خلق عظيم ) …
فهل تخلقنا بخلق … من كان خلقه القرآن … فنعم الإحتفال ذاك

وكل عام وانتم بخير …

قد يعجبك ايضآ
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.