نتيجة الثانوية العامة نهاية عمل أم بداية أمل ؟
لم تكن الثانوية العامة نهاية المطاف بالنسبة لمن اجتازوا الامتحانات بتفوق أو بنجاح عادى أو أخفقوا فى الامتحان …
فعلينا أن نعى جميعا أن شهادة الثانوية العامة ليست وسام نضعها على صدورنا ونكتفى بهذا الحد ونتوقف عنده بل إن الحياة مليئة بالأوسمة والمنوط بالإنسان أن يحصدها طيلة فترات حياته ما دام على قيد الحياة ،،
فهل يتذكر أحد منا الأول فى الثانوية العامة منذ خمسة أو عشرة أعوام ؟
هل يعرف أحدنا أين هو الآن ؟
وبأي مجال يعمل ،، وهل أصبح طبيبا أو مهندسا أو معيدا مشهورا أم لا ؟
أسئلة كثيرة تدور فى ذهننا والمحصلة صفر
لأن الثانوية العامة كانت ولا تزال مجرد مرحلة تمر بحياة أبنائنا فهى بمثابة جسر يجب علينا أن لا نتوقف عنده ونعبره حتى يتسنى لغيرنا العبور لكى نكمل جميعا الطريق لنصل إلى الهدف المنشود ،، فالمجتمع ذو احتياجات متنوعه وليس مقتصر على طب وهندسة فحسب !! واعلم انك إذا لم تزد الحياة شيئا فإنك زائد عليها …
وهناك مقوله شهيرة للدكتور / زكي نجيب محمود :-
( إذا تساوي إثنان فى المجتمع فالشخص الآخر عنصر زائد عدم وجوده أصلح ) وهذا يدعونا بدوره لوضع بصمه مميزة لكل واحد منا على حده فالتنوع الإختلاف سنة كونية شئنا أم أبينا ،، ولدينا نماذج عديدة متفردة ممن لم يحالفهم الحظ فى الحصول على شهادات أمثال كاتبنا الكبير الأسطورة عملاق الأدب العربي / عباس محمود العقاد
المعلم بلا معلم فهو يعد حقيقة أستاذ المتعلمين والمعلمين
ولا أبالغ فقد حفر التاريخ اسمه بحروف من نور ،، فالخطب الطوال لا تكفى والكلام الكثير لا يوفى ،، فقد تجاوزت كتبه
المائة كتاب ومقالاته تعد بالآلاف ودراساته وأحاديثة الكثيرة التى تجمعها مجلدات لا يحصيها عد ولا يسعها حد ……
فهل فكرنا قليلا فى هذا النموذج المحتذى والمثل المقتدي وكيف صار أسطورة ومصدر فخر لغيره حتى الآن ،، إنه نال ما ناله من مكانة رفيعة نتيجة إصرار وإرادة وهدف عكف على تحقيقه ولم يتسنى له ذلك إلا عن طريق تلبية أمر الله
فنحن أمة أقرأ فلماذا لا نقرأ ؟؟ وقد أمرنا الله تعالى فى أول آية نزلت على سيدنا محمد عليه افضل الصلاة وازكي السلام فى كتابه العزيز مخاطبا نبيه وأمته قائلا :- ( أقرأ باسم ربك الذى خلق ) الآية(1) سورة العلق – صدق الله العظيم
وإليكم نماذج مشرفة حرصت على إلقاء الضوء عليها حتى تكون بمثابة قدوه ومثل أعلى ومعول بناء للجميع من أبنائنا الطلاب ممن حالفهم الحظ بالمجموع الكبير وممن لم يحالفهم الحظ فى ذلك ،، فعليهم جميعا مسئولية لا بد أن لا يتقاعسوا عنها ألا وهى(تعمير الأوقات بما تطيب به الأقوات) (والسعى الدؤوب لتحقيق الهدف المنشود )
فإليكم نموذج ممن حصلوا على مجموع كبير فى الثانوية العامة وهو بمثابة أخ فاضل وزميل دراسة عزيز ،، سيادة معالى المستشار / حمدى خيري عبد الحميد السقا
من محافظة / كفر الشيخ ،، وقد حصل على الثانوية العامة بمجموع( 99،8% ) علمى علوم وعلى الرغم من حصوله على مجموع يؤهله لدخول كلية الطب إلا أنه فضل دخول كلية الحقوق لتحقيق غرض فى نفسه وهدف يسعى إليه وعندما سألته عن ذلك الهدف الذى دفعه للالتحاق بكلية الحقوق دون غيرها من الكليات وبخاصة كلية الطب فكانت إجابته أن له عم مستشار بمجلس الدولة وقتها وبعدها أصبح نائبا لرئيس مجلس الدولة ألا وهو سيادة معالي المستشار / ممدوح السقا رحمه الله تعالى رحمة واسعة فقد كان مثالا للنزاهة والشرف فى مهنته ،، مما جعله قدوة ومثل أعلى
لأبن أخيه الذى حذى حذوه ليصل إلى ما وصل إليه فقد أصبح الآن مستشارا بمجلس الدولة ،، وفقه الله لما فيه خير البلاد والعباد ،،
وها نحن بصدد نموذجا آخر تركت له المجال ليتحدث عن تجربته مع الثانوية العامة وكيف بعد كل هذا الجهد الشاق أصبح معيدا بكلية الآداب- جامعة عين شمس- قسم الغويات
وقد بدأ حديثة وكأنه يروي قصة شيقة نسج خيوطها بنفسه
واستطاع بالصبر والمثابرة الوصول لهدفه المنشود وأمله المعهود ،، الدكتور /محمود الطبلاوى وقد استرسل قائلا :-
يا خسارة يا محمود:
الجملة دي جت على لسانى بعد ظهور نتيجة تانية ثانوي “نظام قديم”.. يومها انهرت من العياط ومش عايز أشوف حد ولا حد يشوفني.. خلاص حلم الهندسة راح، ويومها الدنيا اسودت في وشي حرفيا.. لما روحت البيت: “عملت ايه يا محمود” مكنتش عارف أرد.. عيطت اه عيطت لأنى كنت حلم ناس كتير أبويا وأمي واخواتي..
أبويا الله يرحمه لما عرف النتيجة قاللى متزعلش.. كان بيحاول يخفف عنى لكن شوفت في عينه نظرة المخذول اللى ابنه خذله.. أصوات الزغاريد حوالينا من كل مكان.. سيبت البيت وروحت لصديق عمرى عبدالمنعم اللى حاله يومها ميختلفش عن حالى كتير.. هنعمل ايه يا عبد المنعم؟ قاللى ايه رأيك نخلينا علمي وناخد أحياء وندخل معهد فنى صحي.. عمليا كان رأيه صح لكن رفضت وقولت هكمل علمي رياضة وأجيب 100% وبالمستوى الرفيع يدوب ألحق هندسة الصعيد وبعد كده أحول أى جامعة وجه بحري “أضغاث أحلام”.. ودا كله ليه عشان مجتمعنا “المصري” بيشوف أى واحد مجبش طب أو هندسة على أنه فاشل، وياريت يرحمه لأ دا بيذله حرفيا: تلاقى الواحد من دول –أو الواحدة- عمال يتكلم عن فلان اللى جايب 98% أو 99% قدامك وقدام أهلك وانت لا حول لك ولا قوة.. بدون أدنى مراعاة لشعورك وشعور أسرتك.
دخلنا تالتة ثانوي وجينا للهندسة الفراغية والميكانيكا والاستاتيكا قلت بس هي باينة من أولها.. حوّل يا محمود أدبي وهتجيب 95% وانت حاطط رجل على رجل.. وزي زيّ أى طالب “مصري” السكينة سارقاه فى الفترة دى مهتمتش بالمذاكرة، ولك أن تتخيل إنى أجيب في التاريخ 26 من 50😮.. 24 درجة ضاعوا فى مادة واحدة!!
طارت أغلب الكليات في أدبي ومبقاش غير الانتساب ودار علوم ومعهد فنى تجاري.. مكنتش حابب أى حاجة انتساب.. طب ودار علوم؟ كنت فاكرها زي آداب أو تربية ولو دخلتها هدخل قسم إنجليزي “كنت بحبه وقتها”!.. لزّقت الرغبات فى الورق ورحت قدمت فى مكتب التنسيق وبعدها بفترة جاتلنا بطاقة الترشيح على البريد، كان لون الخط فيها أحمر خفيف، والسطر اللى مكتوب فيه رغبتك كالآتى:
كلية/معهد.. دار العلوم.
وويل لك من جاهل، ثم ويل لك من مريض القلب، ثم ويل ثم ويل لك يومئذ من شامت متربص!..
رأى بعضهم بطاقة الترشيح فقال مبتسما ابتسامة صفراء: دا محمود جاله معهد! لقرب كلمة معهد من دار العلوم.!!
روحت لأستاذي وسألته عن دار العلوم قاللى دى كلها لغة عربية وعلوم إسلامية.. مخبيش عليكم إنى كنت بكره اللغة العربية كره غير عادي ودا سببه طبعا النحو، ولا كنت أطيق الشعر ولا أسمعه!!
لكنى ما زلت أذكر جيدا أننى قلت: الخيرة فيما اختاره الله، وقد كان.. ويشاء السميع العليم إنى أتخصص فى النحو والصرف، بكل حب وشغف ونهم!!🙂
فقد حصلت على ليسانس دار العلوم وكنت من الطلبه الأوائل على دفعتي ولكن شاء القدر أن لا أتعين فى الكلية لفرق بسيط فى الدرجات ،، ولكن لم أصاب بالإحباط وذهبت للعمل الحر طيلة 9 أعوام بعدها فكرت فى الإلتحاق بكلية الآداب جامعة عين شمس وبدأت المشوار من أوله بمعنى دخلت كلية الآداب من الفرقة الأولى حتى أنهيت الدراسة وأنا الآن معيد بكلية الآداب جامعة عين شمس قسم الغويات ،،
من الطرائف اللى كانت بتحصلى واحيانا بشد في شعري منها، لما حد يسألني دخلت ايه واقوله دار علوم، يقولي: يعنى هتبقى زى أحمد زويل!!.. كنت بعاني والله😂.
عايز بس أقول للطلبة اللى مجابتش حاجة وتسعين.. ألف مبرووك.. أيوة ألف ألف مبروك كمان على تحررك من الضغط النفسي، ألف مبروك على حياتك الجميلة اللى ربنا شايلهالك وكان لازم يسبب الأسباب عشانها..
عارف ان الصدمة كبيرة عليك بس أوعى تزعل أو تتكسف من نفسك.. العمر قدامك والحياة قدامك استمتع بيها قدر استطاعتك.. اتعلم من اللى فات وحدد هدف وعيشله وانا متأكد إنك هتوصله.
نصيحة لأولياء الأمور: ارحموا أولادكم.. متصعبوش الأمور عليهم.. متحرجهومش.. متقارنوش ولادكم بحد,, شجعوهم.. ويارب مسمعش عن حالات انتحار زى كل سنة.
ألف مبروك للجميع…
سبحان الله فمع الله ليس هناك مستحيل ولا يوجد شئ عسير ،، فجد واجتهد وأترك الأمر كله بعد ذلك لله عزوجل فهذا عين التوكل على الله
وكما قال شيخنا الجليل الشيخ الشعراوي رحمه الله تعالى رحمة واسعة إذا ظن الفتى أنه سيوفق بسبب اجتهاده فاجتهاده هو أول ما يقضي عليه فعليه الأخذ بالأسباب ثم الرجوع لرب الأسباب كما قال رسولنا الكريم محمد صل الله عليه وسلم (اعقلها وتوكل على الله ) صدق رسول الله صل الله عليه وسلم
وختاما أنهى حديثي بهذه الكلمات من تأليفي
( سلم الأمر لله )
————————
رب خير انت تحسبه … وفى باطنه شر كثير
ورب خير انت تجهله … والخير فيه حقا وفير
فإذا بلغت حد الرضا … رفع عنك كل أمر عسير
فسلم الأمر لله وارضى … به هو العليم بالمقادير
بقلمي / إسلام العيوطي