نداء ورجاء : يقدمه العميد أ/ح رءوف جنيدى

نداء ورجاء : _

بعد الزيادة الأخيرة التى فرضتها الدولة على أسعار تذاكر مترو الأنفاق . ثم الزيادة فى رسوم بعض المحررات الرسمية لتنمية موارد الدولة والتى تمثلت فى ( رخص القيادة .. رخص السيارات .. جوازات السفر .. رسوم دفن الموتى .. الخ ) . ثم آخيراً الزيادة التى تقررت على أسعار المحروقات واسطوانات الغاز المنزلى . لن أتحدث فى هذا الأمر لا من حيث ضرورته ولا من حيث توقيته .. ولكنى أخاطب وجوهاً تطالعنا بعد كل زيادة فى الأسعار . وجوهاً عليها غبرة . أرهقت مسامع الفقراء ومشاعرهم . وراحت تنكئ جراحهم وتزيدهم غضباً على غضبهم . بعد أن صالت وجالت فى مختلف وسائل الإعلام . وعبر وسائل التواصل الإجتماعى . تلقن الفقراء دروساً فى الوطنية والتحمل والصبر ومؤازرة الدولة . تخطى عند البعض منهم حد النصح . ووصل إلى حد السخرية من تضررهم .. وبلغ عند آخرين حد التطاول عليهم و توبيخهم على عدم تحملهم وتأففهم مما يجرى على أسماعهم وفوق أجسادهم ..
أقول لهؤلاء :
يا سادة : إن حدثتكم من وجهة نظر الدين . فليس بوسعى إلا أن اذكركم بقول الله تعالى : بسم الله الرحمن الرحيم ( لايحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم وكان الله سميعاً عليماً ) صدق الله العظيم . والفقراء وغير ميسورى الحال لا شك فى أنهم ظلموا بعد هذه القرارات الصعبة ولا جدال فى هذا . وعلى الرغم من أنهم لم يجهروا بالسوء من القول الذى تغاضى عنه رب العزة حتى وإن وقع منهم . إلا أنكم لم تتغاضوا عنه . بل وإعتبرتم جهرهم بشكواهم وعدم تحملهم خروجاً عن الإصطفاف الوطنى . وضرباً من ضروب الفتنة وزعزعة الإستقرار ..

يا سادة : أن حدثتكم بالوطنية . فهؤلاء ليسوا أقل منكم وطنية ولا انتماءاً للوطن . ولا أغالى إن قلت : بل يزيدون . فهؤلاء هم الذين ما زالوا يدعون لرئيس الدولة أن يوفقه الله وأن يسدد خطاه . ولا لوم عليهم إن كانوا يتمنون أن يتم هذا بعيداً عن كسرة خبزهم وحد كفافهم . وهؤلاء أيضاً هم الذين مازالوا يصطفون مهللين لمواكب المرؤوسين إن هى تكرمت ومرت بهم .. وهؤلاء هم الذين إن زرتهم فى عقر دارهم وسألت أياً منهم : ماذا تريد ؟ . لأجابك بما يزلزل كيانك وبما لا تتوقعه : الحمد لله وقبل يده ظاهرها وباطنها . وهم أمامك أدنى من حد الكفاف . فما عليك إلا أن تنصرف من أمامهم خجلاً وحياءاً . فهؤلاء يا سيدى مثلك فى الوطنية بل هم أصدق . فوطنية الجوعى والفقراء وذوى الحاجة أصدق من وطنية ذوى الكروش المتخمة … فالأولى منحت للوطن وكما نرى بلا مقابل ..

يا سادة : إن حدثتكم من باب تأمين المستقبل . فكما أنك يا أخى تستتر خلف جدار خرسانى لتحتمى من طلقات رامٍ طائش . ويزداد شعورك بالأمان كلما زاد سمك الجدار وارتفاعه . فيبدو ( وهذا من حقك . إن كان من حلال ) أنك الآن مستتر خلف جدار مالى متمثل فى ممتلكات أو مدخرات بنكية . تعينك على أن تتفادى طلقات الزمن الطائشة . وكل مؤمن وآمن وفق ارتفاع جداره . فمنهم من وصل جداره إلى ركبتيه . ومنهم من وصل إلى جذعه . ومنهم من وصل إلى صدره . ومنهم من غطاه جداره تماماً . وبالطبع هو أكثر الناس أمناً وأماناً من تقلبات الزمن وحماقاته .. ولكن إعلم يا أخى أن من تلومهم على عدم الصبر والتحمل . يقفون عراة دون أى حواجز … فتبين يا أخى قبل أن تصيبهم بجهالة . فتصبح على ما فعلت نادماً . ولا تدعى أمامهم . ولا عليهم الوطنية فى بيوت محصنة أو من وراء جدر …
يا سادة : إن صدق مسعاكم هذا . وتطالبون الفقراء أن يحذوا حذوكم فى هذا الشأن إعلاءاً للمصلحة العامة . فيا سيدى : إن كان لديك فائض من الوطنية فلتحتفظ به لنفسك . فالوطنية لا تمنح للغير . وإن كان لديك فائض من المال فالمال يمنح لغير القادرين وفى منحه إعلاء للمصلحة العامة .فإن كنت يا سيدى ميسور الحال وقادر على تحمل نتائج هذة القرارات . فلتذهب الى هذا الذى تكيل عليه دروس الوطنية ليل نهار . وأن تأخذ بيده معك لتعينه على التحمل هو الآخر . فإن لم تساعد البعير على حمله . فبالأحرى لا تكون القشة التى قصمت ظهره ….. أليست هذه وطنية !!!؟ .
وأما إن كنتم من العازفين فى الظلام للموسيقى التصويرية . لكى يخرج المشهد عليهم فى أحسن صورة ما شئتم ركبتموها .. فلكم جزيل الشكر والتقدير . واعلموا أن الفقراء وذوى الحاجة هم أغنى الناس عن دوركم . واعلموا أنهم قد رأوا المشهد واستوعبوه وقبلوه ولو على مضض . ولكن بدون موسيقاكم …

يا سادة : ما كل هذه القسوة فى المشاعر والغلظة فى القلوب …
_ أتستكثرون على المريض أن يتألم .. !!؟
_ أتستكثرون على الغريق أن يستغيث .. !!؟
_ أتستكثرون على الطير الذبيح أن يتقافز من الألم ..!!؟
_ أتستكثرون على المشنوق أن يتأرجح على حبل مشنقته !!؟

_ لماذا باتت أنات المرضى تزعج الأطباء . !!؟
_ لماذا باتت صرخات الغرقى تزعج المصطافين . !!؟
_ لماذا بات المشاة يزعجون قائدى السيارات الفارهة . !!؟
_ لماذا باتت قرقرة بطون الجوعى تزعج التخام . !!؟
_ لماذا بات أنين الفقراء يقض مضاجع الأغنياء . !!؟

لماذا صرنا مجتمعاً بلا قلب … !!؟

قد يعجبك ايضآ
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.