نظرة إلى ﴿فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا﴾ بقلم: د. رحاب أبو العزم

نظرة إلى ﴿فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا﴾ 

تشوق النبيﷺ لتحويل القبلة

كان النبيﷺ يتشوف لتحويل القبلة من بيت المقدس إلى بيت الله الحرام ويرجوه، وقد ذكرت بعض التفاسير أنه كان ينتظره لأن الكعبة قبلة إبراهيم عليه السلام والتوجه إليها أحرى إلى إيمان العرب الذين عليهم العبء والعول في ظهور الإسلام. لذا فإن تشوفه ورغبتهﷺ لم تكن عن هوى في نفسه بل لمصلحة الإسلام الذي حمل أمانة تبليغه، إضافة إلى أن ما جاء به الإسلام يُعد امتدادًا لما جاء به النبي إبراهيم عليه السلام، ولذا فقد بدأت الآية الكريمة بقوله تعالى: ﴿قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ…﴾، وهذا من تمام كمال الأدب النبويّ؛ فتقلب الوجه في السماء عبارة عن التوجه إلى الله تعالى انتظارًا لما كانت تشعر به روح النبي ﷺ، ولم تنفي الآية أنه قد دعى بلسانه وأيضًا لم تثبت ذلك بل أقر بعض المحققين بأنه انتظر ﷺولم يسأل، وهذا التوجه إلى السماء هو الذي يحبه الله تعالى، وييسر لصاحبه سبل الهداية إلى ما يرجوه ويتمناه.

نظرة إلى ﴿فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا﴾ العطاء بما يرضي الآخرين

ما استوقفني في الآية هذه الكلمة العظيمة (تَرْضَاهَا) التي أُجمِل فيها معاني الحب والعطاء ولله المثل الأعلى؛ فنحن في حياتنا الإنسانية ابتداءً من المشاعر بين الزوجين، والمشاعر بين الوالدين وأبنائهما والعلاقات الأخوية، والصداقات بجميع صورها بين البشر تقوم على تبادل العطاء والمنافع العاطفية والنفسية والاجتماعية والمالية فإن كان الله خالق الخلق سبحانه قد أعطى لنبيه الذي يحبه بناء على ما يتمناه النبيﷺ وهو سبحانه وتعالى في سابق علمه رضا النبي ﷺ بكل أقدار الله وأفعاله؛ إذن فمن باب أحرى لنا كبشر أن نعطي بناء على رغبة الآخر وليس رغبتنا، وبناء على ما يرضي الآخر وليس بناء على رغبتنا. ليس من رقي المشاعر أن نعطي مَن نحب ما نحب ولكن نعطي ما يحبه هو وما يرضيه هو. وعلى سبيل المثال؛ ليس من المنطق العاطفي أن يُهدي الزوج لزوجته الوردة البيضاء وهي تحب الزهرة الحمراء، وليس من العدل القلبيّ أن تهدي الزوجة لزوجها ساعة رقمية وهو لا يتكيف إلا مع الساعة ذات العقارب. إننا حينما نحب نؤثر على أنفسنا من أجل من نحب بيد أننا علينا إرضاء من نحب بالطريقة التي ترضيه ويتمناها وليس كما نراها نحن، ومع ملاحظة أن لكل قاعدة استثناء.

إرضاء الآخرين قد يؤذيهم

لو يعلم الله تعالى أن فساد مصلحة النبيﷺ في تحويل القبلة إلى الكعبة ما أمر الله بتحويلها؛ وهكذا بين جميع العلاقات الأسرية والإنسانية خط فاصل بين الإرضاء والمصلحة؛ بين تحقيق ما يتمناه الطرف الآخر وبين مراعاة مصلحته فليس من الحب أن تهدي الزوجة لزوجها علبة السجائر وهي تعلم فساد صحته بحجة أن هذا ما يتمناه، وليس من رقي المشاعر أن يهدي الزوج لزوجته الملابس العارية لتخرج بها بحجة أن هذا ما يرضيها وهو يعلم فساد مصلحتها الدينية من وراء ذلك، وليس من البر أن يهدي الابن لأبيه الطعام الذي يحبه وهو يعلم فساد صحته إن تناوله، وليس من الخير أن يترك الابن أمه تسيء إلى صحتها وصحة الآخرين لمجرد أن هذا يرضيها، وليس من احترام الصديق أن يذهب بصديقه إلى طريق الانحطاط لمجرد أنه يرضيه. فمن ادعى الحب عليه أن يقدم ما يرضي المحبوب بقدر المصلحة مبتعدًا به عن المفاسد.

تدبر آية وصحة نفسية

قد يعجبك ايضآ
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.