نقش على جدران الخيال : _
في ليلة طاف فيها خيالي يكشف الغطاء عن مكنونات نفسى . باحثاً عن صورة بدأت ترتسم على جدرانه . يشعر بنعومة فرشاة تضع بعضاً من رتوشى فوق لوحتها . تؤلمنى برفق وخزات اقلام تشق سكون ملامحى التى اعتلت قسمات وجهي الحائر بلهفة. أن ثمة شئ يعيد صياغتى . يعيد رسمي الى صورة هى الأجمل فى عين رسامتى الممسكة بريشتها وبمقاليد امورى . تلك التى تتربع على ناصية عمرى . مختالة على قارعة طرقاتى . مرابضة عند مدخل شريانى .
جال خاطرى عبر أزقة نفسى وحوارييها. يسرع الخطى فى بهو يتردد فيه صدى لهاثى وفحيح أنفاسى . تتدحرج أمامى ضربات قلبى . ترتطم بقدماى ككرات مطاطية صغيرة تعوق خطاى . افسح لنفسى طريقا بينها .
تقودنى قدماى وأذناى الى صوت مخملى قادم من اعماقها. اسمع رجعه يتردد فى إحدى غرفاتى . صوت ناعم نعومة الوانها. حان حنو فرشاتها . أهرول مسرعا فى طرقات تفضى الى طرقات . أدخل غرفا تفضى الى غرف. يزداد من حولى طنينها . تدندن بأجمل الكلمات . أشعر باقترابى منها كلما اقتربت من الصوت . تنهمر جدائل احساسها عبر أروقة نفسى . تحملنى إلى أعلى . تتباعد قدماى عن الأرض . اسير فى الفراغ . اسبح فوق موجات رقائق نسماتها التى تملأ المكان شذى وعذوبة .
اقتربت منها مع قرب اكتمال ملامحى . وصلت . أدركت مرسمها وقفت ببابه . رأيتها دون أن ترانى . ممسكة بيمينها بالفرشاة . وبشمالها لوحة الوانها . وجدتها ترسمني . تضع لمساتى وهى تغنى . وقفت ببابها مشدوها . نظرت الى لوحتها سرعان ما تحسست وجهى باحثا عن نعومة الوانها . تحسست قسماتى برفق مكفكفا وخزات اقلامها . أرقبها ترسم وتغنى . تهادى الى سمعى حرير شفتيها الذى تنبئ رقته أنه إحدى روائع نجاة الصغيرة (حبك حياتى) .
ترسم صفحة وجهى وهى تقول : غايب ولا حاضر ولا ناسى مش هنساك .. ترسم عيناى وتقول : ظالم ولا حنين ولا قاسى قلبى معاك ..
ابتعدت هى للخلف قليلا ثم عادت تزيد من سمرة عينى كما أنا وهى تقول : يا أمل بكرة .
عندئذ لمعت عيناى فى الصورة وتحركت جفونى. دققت هى نظرها فى خوف وتراجعت قليلا. قالت وكأنها تنادينى : يا أحلى ذكرياتى . عندئذ قمت . نهضت انا من لوحتها. تمثلت لها بشرا سويا . هالنى قيامى . أفزعتنى صحوتى . صحت بصوت عال .
استدارت خائفة الى الخلف الى مصدر الصوت. وجدتنى واقفا بباب مرسمها. زاد اضطرابها. أغمضت عينيها ووضعت راحتيها فوق صدرها قليلا حتى أفاقت. نظرت ومدت لى يديها. أمسكت بيديها فقالت : رافقنى فرافقتها الى لوحتها. عبرنا حاجزها. خطونا معا الى داخل اللوحة فى رحلة أبدية سرمدية. الى ما وراء الوعى . الى ما وراء الادراك .
صحوت من نومى. تحسست وجهى فإذا به تعلوه بقايا ألوانها وآثار وخزات اقلامها . تتدلى من حولى قصاصات ورقية لغلافى الذى فضته عنى بالأمس . ناجيتها سائلا : مولاتى أين كنت؟ قالت : كنت فى محرابى حيث لا يراك إلا أنا…….. وحيث نقشتك على جدران خيالى!