الإحتفال بعيد الميلاد له فنون وأصول وإستعدادات وواجبات ومجاملات
تختلف مظاهر الإحتفال بعيد الميلاد من عام لأخر
أتذكر هذا الحصان الخشبي الذي كنت أداعبه , وكنت أعتني به عناية فائقة , كان رفيقاً لي وصديقاً بكل أذان صاغية , وكاتم أسراري ….ولِمَ لا وهو حصاني .
أما ألبوم طوابع البريد كان من اعظم الهدايا , تعلمت منه التاريخ والجغرافيا والرياضة تاريخ المشاهير في العالم .
أما علبة الألوان وكراسة الرسم البيضاء , كانت هدية للسياحة بالجمال في سماء الخيال
الهدايا كانت متواضعة ولكن لها الأثر الفكري والثقافي والنفسي وتربية الوعي الداخلي .لم أنس تلك الطيارات الورقية التي كانت تحمل صورتي في حضن السماء .
أتذكر ألة السينما التي صنعتها بقروش معدودة , اشتريت عدسات مقعرة , وكرتونة سجاير ” كليوباترا ” فاضية من بقال بجوار بيتنا , وبطارية كمصدر ضوئي , اما الأفلام كانت من استديو أول شارعنا , كان يجمع لي كل أفلام النيجاتف بدلا من تكون مصيرها صناديق القمامة , مع بكرات خيط اديرها يدويا , اتذكر أني دعوت الأسرة لأول فيلم من ألتي السنيمائية وأطفئت الأنوار وظهرت الصور على الحائط , تذكرت الأخوين لومير صانعي ألة السنيما في فرنسا .
وأيضا سنارة صيد السمك من هدايا عيد المبلاد المحترمة والتي لم يكن ثمنها إلا بضعة قروش مصرية أيام صاحب الجلالة القرش ” عشرة مليمات ” كل مليم ينطح الأخر .
هناك هدايا كنا نحلم بها ولكن الحلم بها لم يتحقق مثلا : القطار الكهربائي الذي يجري على قطبان ويدور ويطلق صفارته ويضئ ويقف .
أفكار وهدايا كانت تتناسب مع أفكارنا وأمكانياتنا .
ويا سلام لو كانت الهدية تذكرة سينما ومعها ساندوتش فول أوطعمية وحاجة ساقعة
زمان كانت أحلامنا بسيطة متواضعة , كانت صورة نفرتيتي المطبوعة على الورقة المالية قيمة الخمسة قروش أو الربع جنيه وعليه صورة تمثال نهضة مصر , أما المرحوم ” الجنيه المصري ” لم يظهر إلا في سن متقدمه من العمر .
كل عام كان شكل الهدية وقيمتها تتغير , حتى قطع الحلوى والمشروبات وغيرها من الإستعدادات , اهم هذه المراسم في هذا اليوم الإعفاء من المذاكرة في هذا اليوم والإعفاء من عمل الواجب , كنت أتمنى أن تكون كل أيام العام عيد ميلادي حتى أُعتق من الواجبات التي تنوء عن حملها الجبال…….مساكين أبناء جيلنا .
الأن الهدايا إليكترونية وربما بطاقات بنكية ذكية دافئة بالعملات الأجنبية , لنا الله جيل الفقراء ولكن كنا سعداء في غاية من السعادة .
الموظفون التسعة هدية عيد ميلادي…..!!
لم أنسَ هذا اليوم
حينما بلغت التاسعة من عمري
قبلني أبي وأهداني مظروفاً مغلقاً , منتفخ بما فيه من محتوى .
وطلب مني أن لا أفتحه إلا في المساء , بعد صلاة العشاء وقبل أن أخلد إلى النوم .
كان مكتوباً على المظروف جملة إلى ولدي محمد
حاولت أن أتخيل محتوى المظروف , وتخيلت ربما قد يحتوي على عدد من الأوراق المالية التي قد أستغرق وقتاً طويلاً في عدّها , ولمَ لا وهو منتفخ من كثرة المحتوى .
لم أعبأ بالحلوى التي اُعدت خصيصاً لي
ولم أكترث بالكلمات المعسولة التي تُقال في تلك المناسبات
كنت أحاول أن أدفع عقارب الساعة حتى يمضي نهار الخريف في أخر أيام سبتمبر
كم كنت أحلم أحلام اليقظة بحلول دولة الليل
وأغلق باب غرفتي
وأفتح مظروفي
وأعد نقودي
يالها من فرحة
سوف أشترى كُتباً لمكتبتي الصغيرة
وسوف أُساهم بها بإستعارة إياها لأترابي من الصبية .
ولاسيما وأنا أمين مكتبة الحي
أول وظيفة مجانية …..ولكنها علّمتني حب القراءة
وداعبت الأحلام مخيلتي بتلك الكتب التي سوف أعتكف على قراءتها .
ومرّت عقارب الساعة ثقيلة بعد أن حاولت أن أدفعها فلم أفلح .
وهبطت دولة الليل بمعطفها الأسود الداكن
وأغلقت باب غرفتي وسميت باسم الله الرحمن الرحيم وفتحت مظروفي بلهفة
وجدت خطاباً مطوياً عدة مرات كان سبباً في إنتفاخ المظروف .
فتشت بكل جوارحي داخل المظروف فلم أجد أي مليم واحد
وفجأة ضاعت أحلامي كلها في أقل من ثانية
وقلت لنفسي هيا نقرأ الخطاب ربما أجد شيئاً أو أهتدي إلى حكمة .
قال لي والدي :
أي بُني لم أترك لك في هذا المظروف مالاً ولم أرشدك إلى متاعٍ
ولكن أهديك أغلى من هذا وأعز من ذاك .
أهديك أعظم هدية في حياتك
تشكرني بها في حياتي وتذكرني بها بعد مماتي .
واستطرد قائلا : أهديك ياولدي الموظفين التسعة
سوف يعملون معك بالمجان
في مدرستك وجامعتك وفي رحلتك وترحالك وعملك وفكرك وعقلك
الموظفون التسعة يعملون مجانا لك بلا أجر طول العمر
لا يطلبون أجازات ولا علاوات ولا يقمون بالمظاهرات
ويعملون معك بكل اللغات
في أي ساعة , بكل حب وقناعة
ثم سألني قائلا: هل تريد أن تتعرف على الموظفين التسعة …؟
هؤلاء هم ياولدي : (( ما , ماذا , لماذا , منْ , متى , أين , كم , كيف , هل ))
أشهر أدوات الإستفهام إستخداماً في الحياة
تعّلم ْ يا بُني فن صياغة السؤال , لتصل إلى العبقرية
العباقرة هم القادرون على طرح نفائس الأسئلة .
تعلم طرح السؤال المميز لتكن عبقرياً
هؤلاء الموظفون التسعة رواد في فضاء العبقرية
احفظهم يحفظوك
واحترمهم يبجلوك
واسئلهم يجيبوك
ثم أضاف قائلا :
بُني ….أنظر بجوار مكتبك ….هناك شيئاً في إنتظارك ….!!
فوجدت صندوقاً فيه كل الكتب التي كنت أحلم بها وزيادة
كم كان أبي كريماً معي رفيقاً بي
وخرجت من باب غرفتي وقد قبّلته وسألني ضاحكاً كم وجدت من النقود ؟
فأجبت بلا عدد وقد وجدت المدد .
مازلت حتى الأن استخدم الموظفين التسعة
أهديهم لكم ولكل أحبابي ولكل من يشاركني في عيد ميلادي
هدية لكم ولأولادكم ولأحفادكم .
تحياتي ومحبتي لكم جميعاً
د / محمد حسن كامل
رئيس اتحاد الكتاب والمثقفين العرب
www.alexandrie3
![](https://elmshahir.com/wp-content/litespeed/avatar/00822421353203abed57d090400520b0.jpg?ver=1738498968)
المقال السابق
المقال التالى
قد يعجبك ايضآ