هدى المفتي تكسر القالب النمطي للفتاه الشعبية ببساطه و احترافية في “80 باكو”
لطالما شكلت الصورة النمطية حاجزا بين الممثل وتجسيد الشخصيات المختلفة، خاصة عندما يرتبط النجم بصورة معينة في أذهان الجمهور.
بقلم ريهام طارق
ارتبطت الفنانه الشابه هدى المفتي، منذ بداياتها الفنية بأدوار الفتاة الأرستقراطية الرقيقة، ولكنها نجحت في كسر هذه القيود من خلال أول بطولة لها في الدراما التلفزيونية مسلسل”80 باكو”، حيث قدمت شخصية الفتاة الشعبية تحمل إسم “بوسي” بأسلوب يجمع بين الواقعية والصدق الفني، متجاوزة الأفكار المسبقة حول هذه الفئة الاجتماعية.
الصورة النمطية للأداء الشعبي بين المبالغة والواقعية
تواجه الدراما دائمًا معضلة تقديم الشخصية الشعبية بطريقة مقنعة، حيث غالبًا ما تقع في فخ الكاريكاتورية، إذ يتم تصوير الفتاة الشعبية إما بصوت مرتفع وسلوك عدواني مبالغ فيه، أو بملامح سطحية تجعلها أقرب إلى النموذج الكوميدي منها إلى الشخصية الحقيقية هذه الصورة التقليدية رسخت أفكارا مشوهة عن الطبقات الشعبية، مما جعل تقديمها بصدق تحديًا لأي ممثلة لم تنشأ في بيئة مماثلة.
لكن هدى المفتي تفادت هذه الأخطاء، وبدلاً من اللجوء إلى المبالغات الجسدية والصوتية، اعتمدت على التفاصيل الدقيقة في البناء الداخلي للشخصية، لم تكن بوسي مجرد فتاة تتحدث بلهجة شعبية وترتدي ملابس بسيطة، بل كانت شخصية متكاملة، بملامح نفسية وحياتية واضحة، من طريقة تحريك يديها، إلى وقفاتها، وحتى إيقاع كلامها، كل شيء كان محسوبًا ليخدم الشخصية، مما جعل أداءها أقرب إلى الواقعية من التصنع.
اقرأ أيضاً: خسارتك يا سامي.. من مخرج واعد إلى صانع دراما هندية هزلية مستنسخة!
البناء النفسي للشخصية: كيف صنعت المفتي “بوسي”؟
النجاح في تقديم دور شعبي لا يتوقف عند حدود الشكل الخارجي أو اللهجة، بل يمتد إلى البعد النفسي للشخصية، وهنا تبرز براعة هدي المفتي في تقديم “بوسي” كنموذج إنساني وليس مجرد دور درامي، في مشاهدها الأكثر تأثيرًا، مثل لحظة مواجهة فتاة مصابة بالسرطان تفقد شعرها بسبب العلاج الكيميائي، لجأت المفتي إلى الأداء الصامت الذي يعكس صدق التفاعل مع الموقف لم تحتج إلى صراخ أو مبالغة في البكاء، بل اكتفت بتعبيرات وجهها ونظراتها الحزينة، ما جعل المشهد يصل إلى المشاهدين بمصداقية عالية.
رنا رئيس : أحب الرجل اللي دمه خفيف وهكذا شعرت أثناء لقاء سيادة الرئيس
في مشهد آخر، عندما تجد “بوسي”، نفسها وسط حفلة زفاف لفتيات من طبقة أرستقراطية، لم تحتج المفتي إلى حوار طويل لتوضيح شعور الشخصية بالغربة و الانبهار، بل نقلت ذلك كله عبر نظراتها المترددة، حركات جسدها التي تعكس رغبتها في الانسجام رغم إحساسها بعدم الانتماء، هذه التفاصيل الدقيقة هي ما جعلت الشخصية نابضة بالحياة، وليست مجرد دور يؤدى أمام الكاميرا.
اقرأ أيضاً: دارين حداد تخطف الأضواء فى “المداح 5”.. من مضيفة طيران إلى التمثيل
الأداء الطبيعي والواقعي بعيداً عن الابتذال:
من أبرز نقاط قوة هدى المفتي في هذا الدور هو التوازن بين التقمص الكامل للشخصية والحفاظ على الحد الفاصل بين الأداء الطبيعي والمبالغة، كثير من الممثلات يقعن في فخ المبالغة عند تقديم أدوار شعبية، إما عبر تصعيد زائد في نبرة الصوت، أو إظهار عدوانية مفرطة في الحركات والتعبيرات لكن هدي المفتي حافظت على نغمة صوت متوسطة، لا تخلو من نبرة الشارع العفوية، ولكن دون أن تتحول إلى صراخ مفتعل، كما أن حركاتها الجسدية كانت طبيعية، دون أن تستخدم الجسد كأداة مبالغ فيها لجذب الانتباه.
اقرأ أيضاً: ريهام طارق تكتب: التنوع والتكرار في الدراما التلفزيونية بين الابتكار والاستثمار
ما الذي يجعل الأداء الصادق مؤثرا؟
تميز أداء هدى المفتي بقدرة استثنائية على التقمص، مما جعل المشاهدين يتجاوزون تمامًا الصورة النمطية التي ارتبطت بها في أعمالها السابقة، مثل فيلم بحبك، حيث جسدت شخصيات حالمة ورومانسية ما يميزها هنا ليس مجرد التحول الظاهري، بل قدرتها على الاندماج الكامل مع شخصية “بوسي”، بحيث اختفت ملامحها الأرستقراطية تمامًا، وبرزت فتاة شعبية حقيقية تعيش تفاصيل حياتها اليومية بواقعية غير مفتعلة.
لم يكن نجاح المفتي في هذا الدور مجرد تغيير في اللهجة أو المظهر، بل تجسيدا عميقا لحياة الشخصية من الداخل، وهو ما يعكس وعيا تمثيليا ناضجا، أداؤها لم يعتمد على المبالغة في التعبير أو الصراخ المفتعل، بل على فهم دقيق للمواقف الدرامية، ما منح الشخصية بعدا إنسانيا صادقا.
ظهر هذا الفهم العميق في تفاصيل دقيقة، مثل تعبيرات العيون التي حملت خليطا من القوة والهشاشة، الارتباك الطفيف في بعض المشاهد، وحتى طريقة المشي، التي عكست طبيعة الفتاة الشعبية العاملة دون تصنع أو مبالغة هذا المستوى من التقمص لا يأتى إلا من ممثلة تمتلك أدوات احترافية، قادرة على إعادة تشكيل نفسها وفق متطلبات كل شخصية تؤديها.
هدى المفتي وسلمى أبو ضيف نموذجًا في تفكيك القوالب الجاهزة
إذا كانت هدى المفتي قد نجحت في تقديم نموذج شعبي واقعي، فإن سلمى أبو ضيف قدمت تجربة مشابهة في مسلسل “أعلى نسب مشاهدة”، والذي عرض العام الماضي في الموسم الرمضاني أيضا ، الاثنتان تنتميان إلى بيئات راقية، لكنهما استطاعوا من خلال المذاكرة و التحضير الجيد و التركيز في تفاصيل الشخصيات أن يقدموا أداء مقنعا بعيدًا عن التكلف، والمبالغة في الاداء، بل اعتمدوا على دراسة دقيقة لتفاصيل الشخصية، ما جعلهما يبرزان كنموذج جديد لتجسيد الأدوار الشعبية بصدق.
اقرأ أيضاً: الغناء في رمضان.. متعة مباحة أم فخ يسرق بركة الشهر جدل لا ينتهي؟
هدى المفتي تكسر القوالب النمطية بإبداع استثنائي وأداء خارج التوقعات
اداء هدى المفتي في مسلسل “80 باكو” إثبات علي موهبتها القويه، و أداؤها العفوي البعيد عن التكلف منحها بصمة خاصة جعلت من شخصية “بوسي” واحدة من أبرز أدوارها حتى الآن، و إذا واصلت هدي المفتي هذا النهج واستطاعت التنقل بين الشخصيات المختلفة بنفس الحرفية، فليس هناك شك في أنها ستصبح من أهم ممثلات جيلها.
إن الأداء الصادق الذي يخلو من التصنع هو ما يمنح الممثل حضوره الحقيقي في عيون الجمهور، وهذا ما برعت فيه هدى المفتي بامتياز.