“هكذا هي الوردة” وقرن من الشعر الإسباني الحديث
أصدرت مؤسسة أروقة للدراسات والترجمة والنشر كتاب “هكذا هي الوردة (قرن من الشعر الإسباني الحديث)” وقد نقله عن الإسبانية وقدم له الدكتور عبد الهادي سعدون، ضمن سلسلة الترجمة المشتركة مع النادي الأدبي الثقافي بنجران.
“هكذا هي الوردة” أول أنطولوجيا كاملة للشعر الإسباني في القرن العشرين تُعد وتترجم إلى العربية، حيث يبحث في تطور الأساليب والرؤى الشعرية للشعراء الإسبان على مدار قرن كامل من الزمان تنوعت فيه رؤى الشعراء وتجاربهم.
يشتمل الكتاب على قصائد مختارة لخمسةٍ وثمانين شاعرًا إسبانيًا كما يتضمن سيرة ذاتية مختصرة عن حياة كلٍ منهم مما يُظهر تطور رؤى الشعراء في قصائدهم بحسب تسلسلها الزمني، ففي بداية القرن العشرين انغمس الشعراء في معارك سياسية إبان حُكم الطاغية فرانسيسكو فرانكو حيث حاولوا التصدي لدكتاتورية فرانكو من خلال قصائدهم محاولين إعادة وطنهم إلى التقدم السياسي والاجتماعي يتصدرهم الشاعر أنطونيو ماتشادو الذي كان من أشد المعارضين لفاشية فرانكو حتى اضطر إلى الهرب من إسبانيا عقب الحرب الأهلية وتولي الجنرال الحكم ليكتب قصيدته “أيها السائر” التي ترسخ فكرة أن الإنسان هو من يصنع طريقه بنفسه وبكلمته حيث لا رجعة، ناقلاً فيها تجربته التي صنعتها مواقفه وأعماله الإبداعية فيقول:
“أيها السائر
خطواتك هي الطريق
ولا شيء آخر.
أيها السائر
لا وجود للطريق
فالطريق تصنعه بمسيرك”
يليه فدريكو غارثيا لوركا الذي قتلته قصائده حيث مات برصاص ميليشيا الفالانخا التابعة لقوات فرانكو عام 1936 م بالرغم من عدم انتمائه لأية أحزاب سياسية، إلا أن كلمة الشاعر أخطر على الدكتاتور من مئات الأحزاب، يقول في قصيدته “أغنية مُسرَّنمة” :
“يا صاحبي أجيء مضرجًا بدمي
من موانئ كابرا.
لو كُنت أستطيع
لعقدت الصفقة
ولكنني أنا لستُ أنا
ولا البيت الآن بيتي..”
فلوركا، الذي صادق الكثير من معارضي فرانكو، لم يكُن بحاجة لحزب سياسي ليقول كلمته النابعة من أعماقه. ولم تختلف تجربة رفائيل ألبرتي كثيرًا عمن سبقاه -باستثناء انتمائه للحزب الشيوعي- فقد نُفي إلى خارج البلاد بعد الحرب الأهلية وظل ممنوعًا من العودة إلى وطنه حتى وفاة فرانكو ليعود ويُنتخب نائبًا في أول برلمان ديمقراطي إسباني لينقل نظرته الحالمة إلى أبناء وطنه قائلاً:
“استيقظي، أيتها المغلقة
يا قبوًا من مرجان
ها أنا قادم إلى أرضك الوعرة
عنيدًا، أعمى، مطاردًا
فانفتحي لندائي”
وقد ظل تعلُق الشعراء الإسبان بوطنهم مرتبطًا بانغماسهم في المعارك السياسية حتى منتصق القرن العشرين إلى أن بدأوا في الانشغال بالمشكلات الوجودية بدلاً من الغوص في مسائل مؤقتة كوضع المجتمعات في زمن محدد، حيث تحولت النزعة الجماعية عند الشعراء إلى نزعة فردية كستها مشاعرهم الدفينة بعدم جدوى الأشياء من حولهم، ولا حتى أنفسهم، ليتحول التمرد الذي كان يسيطر على الشعر الإسباني في بدايات القرن العشرين إلى هدوء تكسوه الكآبة من منتصف القرن العشرين حتى نهايته، فغويتسولو الذي مات منتحرًا عام 1999 م يقول في قصيدته “الأسود فقط” :
“في مملكة الألوان
كل شيء لون وكل شيء تسرع.
أصابع لازوردية يُفلينَ البحر
الأحمر يستغيث مثل سكين
في الغابة خوفٌ أخضر
الأصفر يُغطي القمح،
البحيرة تستنسخ الزرقة
البرتقالي مضى متدحرجًا
والثلج يطلب دوره.”
كما يعرض الكتاب قصائد عدد من الشعراء الإسبانيين الآخرين مُعنونًا بـمقطع من قصيدة الشاعر الإسباني خوان رامون خمينيث “هكذا هي الوردة” عنوانًا يعبر عن الشعر الإسباني الذي نمى وازدهر على مدار قرن من الزمن.