ما سر تلك الباقة …؟
ولماذا أنا ؟
أتذكر تلك الباقة ولاسيما بعد الإحتفال على مرور قرن من الزمان على ميلاد الرئيس الراحل وزعيم الأمة جمال عبد الناصر .
وأراني أسافر للماضي لأتذكر هذا المشهد الذي يداعب خيالي في أروقة الحاضر .
وتدور رحى الأيام
اليوم 28 سبتمبر الذكرى 48 لرحيل الزعيم الراحل جمال عبد الناصر
الذي وافته المنية في يوم 28 سبتمبر 1970
لم أدرِ أن تلك الحادثة التي تركت لي جرحاً غائراً في جبهتي سيكون لها عظيم الأثر في حياتي , سواء في مصر أو باريس والتي قادتني إلي دخول التاريخ رغماً عن أنفي
أتذكر عصر هذا اليوم من شهر أغسطس عام 1964 , كنت طفلاً في الثامنة من عمره , وكنت أقضي إجازة الصيف مع أسرتي في شاطئ المعمورة بالإسكندرية , هذا الشاطئ كان مقصداً للأسر السكندرية العريقة وغيرها من مختلف أنحاء القطر المصري , فضلاً على انه المكان المفضل لدى الرئيس الراحل جمال عبد الناصر الذي كنا نراه يسير على قدميه ويسلم على المارة ويتحدث معهم , كنت أعبر أحد الشوارع الرئيسية وفجأة دهستني سيارة مسرعة يقودها شاب , توقفت السيارة وجاء الشاب ليطمئن علي وأنا ملطخ بالدماء , بجوار فيلا الرئيس جمال عبد الناصر , وعلم الرئيس بالحادثة وأصدر تعليماته بطلب الإسعاف , وفي لمح البصر كانت الشرطة وسيارة الإسعاف تطير بي إلى إحدى مستشفيات الإسكندرية , وتُجرى لي عملية سريعة لإيقاف النزيف وخياطة الجرح , وبعد العملية حينما عاد إليّ الوعي , وجدت والدي مع رجل وشاب يبتسمون ويحمدون الله على سلامتي من تلك الحادثة وقدّم لي والدي الشاب وكان يُدعى (( سمير محمود يونس )) الذي صدمني بسيارته وأما الرجل هو (( المهندس محمود يونس رئيس هيئة قناة السويس )) والد الشاب , تقدّم المهندس محمود يونس رحمه الله نحوي وداعبني وتحدث مع الآطباء للإطمئنان على صحتي , وبدأت زيارات الرجل تتكرر لي أثناء وجودي بالمستشفى , حتى زارني في بيتنا وهو يحمل الهدايا والشكولاتة والزهور , وأهداني كتاب عن قناة السويس التي يرأسها في ذلك الوقت , بينما أرسل لي (( الرئيس جمال عبد الناصر)) هدية عن طريق رئاسة الجمهورية مع باقة ورد ورسالة يتمنى لي فيها بالشفاء العاجل .
ها هو الزعيم والأب الرئيس / جمال عبد الناصر
وُلِد الزعيم الراحل في 15 يناير 1918 في منطقة باكوس في الإسكندرية قبيل ثورة 1919, كانت أصوله من صعيد مصر حيث وُلِد والده في قرية بني مر في محافظة أسيوط , عمل والده وكيلاً لمكتب بريد باكوس , إلتحق جمال عبد الناصر بروضة الأطفال بمحرم بك بالإسكندرية , ثم مدرسة الخطاطبة الإبتدائية , ثم مدرسة النحاسين الإبتدائية بالجمالية , بسبب تنقل الوالد في عمله كان يصحب أسرته معه , غير أن تلك النشأة جعلت وجدانه قريباً من القاعدة العريضة من الشعب الأمر الذي سوف يترجم روح العمل الإشتراكي والعدالة الإجتماعية , في سنة 1930 التحق جمال عبد الناصر في مدرسة رأس التين , وهنا بدأ نشاطه السياسي حينما انضم لمظاهرة تندد بالإستعمار الإنجليزي نظمتها جمعية مصر الفتاة وذلك حينما أعلن رئيس الوزراء حينئذ إسماعيل صدقي باشا بإلغاء دستور 1923, التحق عبد الناصر بمدرسة النهضة الثانوية بحي الظاهر فور إنتقال الأب للعمل في القاهرة , تأثر عبد الناصر بالفيلسوف الفرنسي فولتير وكتب في مجلة المدرسة مقالة بعنوان (( فولتير رجل الحرية )) في 13 نوفمبر 1935 قاد مظاهرة طلابية إحتجاجاً على البيان الذي أدلى به (( صمويل هور )) وزير خاجية بريطانيا والذي اعلن رفض بريطانيا أن تعود مصر للحياة الدستورية .
أمضى ناصر معظم وقت فراغه في القراءة، وخاصة في سنة 1933 عندما كان يعيش بالقرب من دار الكتب والوثائق القومية في مصر. قرأ القرآن، وأقوال الرسول محمد وحياة الصحابة ، والسير الذاتية للزعماء القوميين نابليون، أتاتورك، أوتو فون بسمارك، وغاريبالدي والسيرة الذاتية لونستون تشرشل.
كان ناصر متأثراً إلى حد كبير بالقومية المصرية، التي اعتنقها السياسي مصطفى كامل والشاعر أحمد شوقي، ومدربه في الكلية الحربية، عزيز المصري، الذي أعرب عبد الناصر عن امتنانه له في مقابلة صحفية سنة 1961. وقد تأثر ناصر بشدة برواية “عودة الروح” للكاتب المصري توفيق الحكيم، التي قال فيها توفيق الحكيم أن الشعب المصري كان فقط بحاجة إلى “الإنسان الذي سيمثل جميع مشاعرهم ورغباتهم، والذي سيكون بالنسبة لهم رمزا لهدفهم”. وكانت هذه الرواية هي مصدر إلهام لعبد الناصر لإطلاق ثورة 1952, التحق عبد الناصر بالكلية الحربية لتدريب ضباط الجيش بعد مفابلة وزير الحربية إبراهيم خيري باشا , في الكلية التقى بأنور السادات وعبد الحكيم عامر , في سنة 1942 تم قبول عبد الناصر في كلية الأركان العامة , وبدأ ناصر في تكوين مجموعة الضباط الأحرار , واشترك عبد الناصر في حرب فلسطين عام 1948 , وبعد الحرب عاد عبد الناصر إلى وظيفته مدرساً في الأكاديمية الملكية العسكرية , في سنة 1949 أعلن عبد الناصر (( اللجنة التأسيسية للضباط الأحرار )) التي تألفت من 14 رجلاً من مختلف الأطياف السياسية والإجتماعية , يوم 25 يناير سنة 1952، حدثت مواجهة بين القوات البريطانية وشرطة الإسماعيلية أدت إلى مقتل أربعين من رجال الشرطة المصرية بالرصاص، ودارت أعمال شغب في القاهرة في اليوم التالي، مما أسفر عن مقتل 76 شخصا. بعد ذلك، نشر ناصر برنامجا من ست نقاط لمصر في مجلة روز اليوسف لتفكيك الإقطاع والقضاء على النفوذ البريطاني. في مايو 1952، تلقى ناصر كلمة تقول بأن الملك فاروق قد عرف أسماء الضباط الأحرار وسيقوم بإلقاء القبض عليهم، فقام عبد الناصر على الفور بتوكيل مهمة التخطيط للاستيلاء على الحكومة إلى زكريا محي الدين، بمساعدة وحدات الجيش الموالية لتنظيم الضباط الأحرار , تم إختيار اللواء محمد نجيب ليكون قائداً للثورة , وفي 22 يوليو 1952 استولى الضباط الأحرار على كل المباني الحكومية وأيضاً مبنى الإذاعة المصرية , وفي يوم 23 يوليو تم إعلان نجاح الثورة عبر بيان أذاعه الرئيس الراحل محمد أنور السادات .
تولى رئاسة الجمهورية خلفاً لأول رئيس لمصر اللواء محمد نجيب في 23 يونيو 1956 بإستفتاء شعبي , أمم جمال عبد الناصر قناة السويس فكان رد الفعل العدوان الثلاثي على مصر 1956 , تطلع لتحقيق الوحدة العربية وبالفعل قامت الوحدة بين مصر وسوريا بأسم الجمهورية العربية المتحدة (( 1958 / 1961 )) في عام 1962 أصدر عبد الناصر عدة قرارات إشتراكية , وساهم في نجاح الثورات العربية في الوطن العربي , بدأ ولايته الرئاسية الثانية سنة 1965 , وقرر الإستقالة بعد هزيمة يونيو 1967 , وبعد ختام مؤتمر قمة جامعة الدول العربية سنة 1970 , تعرض جمال عبد الناصر لأزمة قلبية توفى في 28 سبتمبر 1970 مخلفاً تاريخاً حافلاً بالكفاح والنضال .
هاهو الزعيم الراحل الرئيس جمال عبد الناصر الذي يشهد بدوره كل زعماء العالم ولاسيما قادة فرنسا التي تُجل الرجل وتحترمه بالرغم من مواقفه المعادية للامبريالية والإستعمار , يوم 15 يناير 2018 نحتفل بمرور مائة عام على ميلاد الزعيم عبد الناصر
طيب الله ثراه وأدخله الجنة .
دكتور / محمد حسن كامل
رئيس اتحاد الكتاب والمثقفين العرب
المقال السابق
المقال التالى
قد يعجبك ايضآ